ثلاثة وحوش، رابعهم إيران يريدون حلاً لسوريا!

2019.07.01 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"جميع القوات الأجنبية التي دخلت سوريا يجب أن تخرج منها" هذا الكلام ليس لي، ولا هو للأمم المتحدة، وليس لنظام الاستبداد الذي تسبّب بجلب او دعوة تلك القوات، بل لـ "بنيامين نتنياهو"، رئيس وزراء إسرائيل، الذي يحتل "جيش دفاعه" أرضاً سوريةً: الجولان العربي السوري. نتنياهو قال ذلك في سياق الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في القدس يوم الخامس والعشرين من حزيران لمناقشة "حل في سوريا".

بداية، إذا اعتقد نتنياهو أن قرار ضم الجولان، وقرار ترمب أسرلتها يجعلاها تختلف عن الأرض السورية التي دخلتها قوات أجنبية، فيكون واهما ابن واهم، حتى لو أبرز نتنياهو وثائق ببيع الجولان لإسرائيل من قبل مواطن سوري برتبة وزير دفاع أو رئيس، فذلك باطل لأنه لا يحق لمواطن أن يبيع أرض غيره، حتى ولو كان بتلك القوة؛ تماما كما لا يحق لرئيس دولة أخرى /ترمب/ أن يضع توقيعه المشؤوم على ورقة تقول بضم تلك الأرض لغير أهلها ... هذه حقوق شخصية ووطنية، ولا شرعة يمكن أن تخترقها أو تسقطها.

من ناحية أخرى، كان المُعْلَن في ذلك اللقاء إزاحة قوى الاحتلال عن كاهل سوريا، ولكن ذلك المُعْلَن كان منافيا للعقل والمنطق؛ فلولا هذا الثلاثي والجهة الرابعة التي يسعى لإخراجها: "إيران"، لما استمر النزيف السوري كل هذه السنين، ولما استمرت المأساة السورية كل هذا الوقت.

المختصون بالسياسة البهلوانية يمكن أن يروا في الذي جاء على لسان نتنياهو كلاماً يُستفاد منه بإخراج تلك القوى؛ وللجولان وقت لاحق؛ لكن هل يمكن أن تكون عبارة كهذه إلا انتقائية وغير صادقة؟! فَلَو كان نتنياهو لا يريدهم، لما دخلوا أساسا؛ ولكنه وجد التركيز العالمي منسجما مع توجهه، فساق بهذا التوجه إلى نهايته؛ فالمخلوق مأزوم؛ والسجن ينتظره لفساده؛ ولا ينقذه إلا توسيع بيكار التدخل. وامتداد المأساة السورية عائد إلى ربط مصير نظام الأسد بأمن إسرائيل؛ ولولا ذلك لحلت الأزمة السورية منذ زمن.

جذور المأساة السورية في فلسطين التي تتربع عليها الصهيونية بدعم من أمريكا وروسيا ذاتها؛ وأزمة السوريين مع هذا الثلاثي ذاته الذي "يريد حل مشكلتنا الآن"؛ وما استخدام هذا الثلاثي ذاته لإيران، إلا لأنها صاحبة مشروع توسعي خبيث تخدم مصالحه في النهاية.

اللقاء ذاته لم يكن أساساً إلا للتوتر القائم بين واشنطن وموسكو؛ ليس على الأرض السورية بل نتيجة ملفات أخرى تتمثل بمد موسكو عنقها أكثر من المساحة المحددة لها، ولسوء تصرفها في المفهوم الأمريكي: من قصة القرم التي لا تزال ماثلة، مروراً بـ“جورجيا" وقصة الصواريخ إلى فنزويلا، والحبل على الجرار ربما.

ترى موسكو أن مجرد الجلوس الأمريكي معها، وعلى أي مستوى، هو اعتراف بفاعليتها ومكانتها العالمية

من جانبها، ترى موسكو أن مجرد الجلوس الأمريكي معها، وعلى أي مستوى، هو اعتراف بفاعليتها ومكانتها العالمية. نتنياهو ومن زاوية زعرنته وغروره وإجرامه، يعتبر نفسه قد دخل التاريخ كمستضيف للقوتين الأعظم عالمياً: صديقته التاريخية، وصديقته الخفية المتمثلة ببوتين وعصابته الحاكمة في موسكو.

لم تصدر عبارة إعلامية عن ذلك الاجتماع الثلاثي إلا وكانت مفردة "سوريا" حاضرة فيها؛ والكل صرّح بأنه يريد سورية آمنة سيدة مستقلة؛ ولكن الغريب أن الكل يعرف بداخله أن سورية لا يمكن أن تحظى بأي من ذلك بوجود منظومة الاستبداد، واستمرار دعمهم لتلك المنظومة. فهم، إضافة إلى إيران- التي يسعون لإخراجها- المتسببون بحرمان سوريا من الأمان والسيادة والاستقلال.

لقد اجتمعوا، وكل جهة لها جدول أعمالها المتناقض مع جدول الآخر إلى درجة العداء. روسيا تريد التوسط لإيران عند أمريكا وإسرائيل، وتريد إثبات وجود إيران الشرعي على الأرض السورية، كي تبرر وجودها ذاتها. هي تفعل ذلك، وكأن كلاً من أمريكا وإسرائيل أولياء أمر سوريا. روسيا من جانبها، تقدّم نفسها كصاحبة القوة في الجو بطائراتها وصواريخها، وبامتلاك ورقة مصير بشار الأسد وبعض ضباطه. وأمريكا تمسك بالروح الاقتصادية السورية وحارس صنبور إعادة الإعمار وناظم أي احتمالية إعادة تأهيل للنظام. وإسرائيل من جانبها، "الجارة" وصاحبة أوراق الابتزاز القادرة على نسف أي حل لا يروقها.

هؤلاء "يريدون أن يجدوا حلاً لسوريا". والمأساة الحقيقية أن الحل فعلاً بيدهم، لأننا نعيش في عالم يحكمه قانون القوة لا قوة القانون. هؤلاء يريدون ترتيب وتنضيد صفحات وفصول المأساة السورية، يريدون تثبيت تفكيكهم وسحقهم واستعبادهم للمنطقة العربية بفعل إسرائيلي وإيراني ميداني (وكل منهما يأخذ من الآخر ذريعة لـ “مقاومته وممانعته") وبلطجية روسية، تعتبر أن حقها أن تكون قوة عالمية، وهناك من يحاول أن يحرمها هذا الحق؛ وكل ذلك برعاية عليا أمريكية. وهكذا يتم حسم القصة الفلسطينية نهائياً؛ وإلحاق القضية السورية بها. ومن هنا نلحظ ذلك التواقت بين اجتماع البحرين والاجتماع في القدس.

هذا ليس "مؤامرة دولية أو عالمية" في الخفاء؛ إنه فعل علني؛ ولكن لا يُكتب له النجاح دون أرضية أو بيئة مناسبة تمكنه من التحقق، وعلى رأسها توفر حالة استبدادية تمارسها منظومات قمعية إجرامية. فمنظومة الأسد الاستبدادية كانت المثال الصارخ والوصفة الأنجح والأنجع لتحقق هذا المخطط العلني. من هنا قالت تلك المنظومة الاستبدادية إن هناك مؤامرة دولية على سوريا. نعم هناك مؤامرة أو مخطط، ولكنه علني- ليس على سوريا فحسب- وإنما على كل المنطقة؛ وكانت منظومة الأسد الاستبدادية الإجرامية على رأس أدواته.

ومن هنا فإن تفكيك هذه المنظومة والخلاص منها هو الأساس في سحب أحد أهم صواعق تلك المؤامرة أو ذلك المخطط. هذا الذي يُخرج إيران من سوريا، وهو الذي يسحب من يد مخلوق كنتنياهو أن يكون مضيفاً لـ "حل في سوريا"، وهو الذي يعيد الصهاينة إلى عصابة احتلال على الأرض الفلسطينية؛ وهو الذي يعيد الحياة لأرض عربية مستباحة للاستبداد برعاية استعمارية. لا بد من يقظة حقيقية ومشروع يبقينا حالة فاعلة قوية على خريطة العالم.