تم حجب نتفليكس في دمشق خلال هذه الفترة، ولكن إذا توفر لديك المال عندما يمكنك أن تشترك بخدمة ProTV المحلية التي يعتقد كثيرون أنها مقرصنة.
وفي الوقت الذي تمتد فيه الطوابير على أسطوانات الغاز عند المبنى الذي يقوم بتوزيعها، يمكنك الحصول على نسكافيه غولد وبيرنغلز وصلصة الصويا المستوردة إن كنت تعرف أحد المتنفذين، وكذلك الأمر بالنسبة لأحدث أجهزة الآيفون، بالرغم من أن المشافي تعاني في مسألة شراء قطع تبديل لأجهزة التصوير المقطعي.
بعد عقد من الحرب في سوريا، تدمر اقتصاد البلاد، إلا أن التربح بشكل غير مشروع إلى جانب العقوبات أفرزا بعض النتائج الغريبة. إذ بالرغم من أن الهدف من العقوبات الأميركية هو الضغط على حكومة النظام حتى يتم التوصل إلى تسوية سلمية عبر التفاوض، إلا أن منتقدي تلك العقوبات يرون بأنها أضرت بعامة الشعب السوري، في حين واصل المقربون من بشار الأسد أنشطتهم الاقتصادية كالمعتاد دون أن يتأثروا بأي شيء.
إذ تقول امرأة دمشقية وهي تتحدث عن المحسوبية التي تحيط بأقلية مقربة من الأسد مع التحفظ عن ذكر اسمها: "إذا لديك المال فهذا يعني أنك علوي، وهذه الطبقة لا تمثل محدثي النعمة بل أثرياء الحرب".
طبقة الأسد
لقد أثرت الطبقة دون تتأثر بالشدائد ولا فقدان السلع الأساسية التي يعاني منها عامة السوريين، هذا ما أخبرتنا به ناشطة من دمشق تحدثت دون أن تخبرنا عن اسمها خوفاً من العقاب، حيث قالت: "إنها مسألة علاقات ومحسوبيات وأموال إذ إن هذه الأمور هي ما يساعد المرء على شراء هواتف آيفون متطورة وسيارات جديدة. إنها تلك الطبقة التي تفعل ما يحلو لها. بل إنها تلك الطبقة التي لا ترى أياً من أفرادها يأتون بسياراتهم الفارهة ليقفوا على طابور الوقود الطويل لمدة أربع أو خمس ساعات، إذن من أين يحصلون على الوقود؟"
وفي شهر حزيران، استهدفت واشنطن تلك الأقلية الحاكمة والمسيطرة عندما سنت قانون قيصر وهو القانون الذي منح الولايات المتحدة سلطة أكبر لمعاقبة الأفراد والمؤسسات التي تمارس أي نشاط تجاري مع حكومة النظام أو جيشه أو مخابراته.
اقرأ أيضا: شركة على صلة بأسماء الأسد تطلق أحدث أجهزة "آيفون"
فقد ذكر جيمس جيفري الذي شغل منصب المبعوث الأميركي الخاص في سوريا بأن هذا القانون سيحرم الأسد والمقربين منه من إعادة إعمار البلاد والاستفادة من ذلك لصالحهم فقط.
ولكن بالرغم من إعفاء المواد الإغاثية الإنسانية من تلك العقوبات يرى منتقدو تلك العقوبات أنها أضرت بعامة الشعب السوري، وذلك مع تضخم الأسعار بسبب التزام الشركات التي خشيت على نفسها من خرق هذا القانون. وحول ذلك يحدثنا جوشوا لانديز الذي يترأس برنامج الشرق الأوسط التابع لجامعة أوكلاهوما فيقول: "لقد ارتفعت تكلفة ممارسة النشاط التجاري لنسبة تتراوح ما بين 35 إلى 40% بسبب كل تلك المصاعب".
وفي الوقت الذي تواصل فيه تلك النخبة إيجاد السبل التي تساعدها على الالتفاف على العقوبات، ترى ناشطة من دمشق بأن: "من يستطيعون القيام بما يحلو لهم هم هؤلاء الذين تربطهم صلات مع أولئك الذين تعرضوا للعقوبات في المقام الأول. وبالرغم من أن الهدف من العقوبات هو إسقاط نظام الأسد، لكني لا أعتقد أنها ستحقق أي شيء من ذلك".
يذكر أن سوريا تعرضت للعقوبات الأميركية منذ 41 سنة خلال خمسين سنة من حكم آل الأسد للبلاد والذي بدأ في 13 تشرين الثاني من عام 1970، عندما قام حافظ الأسد الذي كان حينها ضابطاً شاباً في القوات الجوية بالاستيلاء على السلطة عبر انقلاب دموي.
وبعد مرور تسع سنوات، قامت الولايات المتحدة بتصنيف سوريا كدولة ممولة للإرهاب.
ثم أقحم ولده في السلطة عقب موت حافظ في عام 2000، فأمضى بشار نصف فترة حكمة وهو يقاتل في حرب دمرت اقتصاد بلاده وهجرت نصف شعبه، وقتل فيها نصف مليون إنسان. وبالرغم من كل ذلك لم تضعف سيطرته على السلطة.
العقوبات عذرا للأسد
أما العقوبات فقد بقيت عذراً يستفيد منه الأسد، إذ في يوم الأربعاء الماضي، تحدث الأسد في مؤتمر عقد بدمشق بأن العقوبات هي من يمنع اللاجئين من العودة إلى بلادهم، كما أنها تعيق تدفق الأموال من أجل إعادة إعمار البلاد.
إذ إن الهدف الظاهري للعقوبات هو فرض حل سياسي للحرب على أساس القانون رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي صدر في عام 2015 ودعا إلى وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
اقرأ أيضا: نفاد أجهزة "آيفون" الجديدة من أسواق دمشق - تلفزيون سوريا
إلا أن هذه العملية لم تحقق أي تقدم يذكر، ولهذا تشكلت لجنة دستورية في تشرين الأول من العام المنصرم خلال فترة عمل المبعوث الأممي الخاص جير بيدرسون لتقوم هذه اللجنة بمناقشة دستور جديد للبلاد بهدف تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات جديدة. وبعد سنة من مماطلة حكومة النظام أعرب بيدرسون في 27 تشرين الأول عن أمله بإجراء جولة رابعة من المحادثات التي من المزمع أن تعقد أواخر هذا الشهر في جنيف، بحيث يمكن أن تثمر هذه الجولة عن نتائج طيبة.
إلا أن الأسد وصف محادثات جنيف باللعبة السياسية في مقابلة له أجرتها وكالة سبوتنيك الروسية التابعة للدولة هناك خلال الشهر المنصرم.
ومن غير المرجح للرئيس الأميركي الجديد أن يقوم بتغييرات كبيرة إزاء سوريا، خاصة بعدما أعلن أحد مستشاري جو بايدن أمام الصحفيين بأن الشرق الأوسط يحتل: "المرتبة الرابعة" في سلم أولويات الرئيس المنتخب وذلك بعد آسيا وأوروبا والعالم الغربي. فقد كتب تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط بأن: "السياسة الأميركية حيال سوريا ستبقى على حالها إلى حد كبير على الأغلب، فالفرق الأساسي الذي يمكننا أن نتوقعه يكمن في تنشيط كبير للدبلوماسية الأميركية".
اقرأ أيضا: موجة خامسة من عقوبات "قيصر" تنهال على الأسد
وفي هذا الوقت تواصل إدارة الرئيس دونالد ترامب فرض عقوبات جديدة قبل رحيلها، حيث استهدفت 19 شخصية وكيانا بموجب قانون قيصر يوم الإثنين الماضي، وقد علق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على ذلك بالقول: "أمام نظام الأسد خيار واحد وهو إما اتخاذ خطوات لا رجعة عنها بالنسبة للحل السلمي لهذا النزاع الذي امتد لعقد كامل من الزمان تقريباً، أو التعرض للمزيد من العقوبات التي من شأنها أن تشل حركته".
ولكن حتى من أيدوا تلك العقوبات يعترفون بأنها لم تحقق أي نجاح على المدى القريب، إذ أعلن السفير جيفري في حزيران: "ليس لدينا كرة سحرية، فقد رأينا دولاً تتمتع بالمرونة على المستوى الداخلي وقد بقيت لسنوات وهي تتعرض لضغوطات خارجية شديدة، بصرف النظر عن الظروف السيئة التي عاشتها تلك الدول".
اقرأ أيضا: قيصر.. 8 أشخاص و 9 كيانات جديدة تضاف لقائمة العقوبات
المصدر: تيليغراف