icon
التغطية الحية

توقعات بتراجع إمدادات النفط الإيراني إلى الأسد.. الأسباب والخلفيات

2022.08.05 | 05:34 دمشق

ناقلة نفط إيرانية
ناقلة نفط إيرانية، صورة أرشيفية (رويترز)
إسطنبول - ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

تشكل الموانئ السورية، خاصة مرفأ بانياس، أكثر الوجهات البحرية غير المرغوبة بالنسبة لسفن الشحن النفطي الإيرانية التي تعتزم الرسو في السواحل السورية، نظراً للتهديدات الأمنية المحتملة في أثناء العبور في البحر الأحمر وقناة السويس من قبل الإسرائيليين والرقابة الأميركية.

وشهدت "حرب الناقلات" بين إسرائيل وإيران، العام الماضي، أوجها في إطار التنافس الإقليمي بين البلدين، في ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية على الإيرانيين والتزام واشنطن بتفوق إسرائيل في المنطقة.

على الرغم من ذلك جهدت إيران على استمرار تدفق نفطها الممنوع إلى حليفها في سوريا، نظام بشار الأسد، عبر طرق التهريب.

وتشير التقديرات إلى أن حصة الأسد من النفط الإيراني المهرب، خلال السنوات الماضية، بلغت معدلاً وسطياً يقدر بـ 80 ألف برميل يومياً، وهو ما يعادل أقل نصف احتياجات الأسد النفطية!

ترسم هذه الحصة النفطية، غير الكافية، حدود الانخراط الإيراني في الإنفاق المادي على الأسد تحت وطأة خطوط الائتمان الإيرانية الموقعة خلال السنوات الماضية.

وتظهر في الوقت نفسه أنه مهما زاد حجم الصادرات النفطية نحو الوجهات العالمية، نتيجة تراخي إدارة بايدن في تطبيق العقوبات الاقتصادية، ستبقى هذه الأعطية الإيرانية للأسد ثابتة، نظراً لوجود وجهات تصدير عالمية أوفر أمناً وأكثر ربحاً كالصين وفنزويلا والإمارات، واعتبارات إيرانية سياسية أخرى في سوريا.

لكن رغم ما أوردناه، قد تشهد هذه الحصة الثابتة نسبياً انخفاضاً ملحوظاً في الأشهر المقبلة نتيجة عدة متغيرات دولية طارئة وظروف مستجدة رصدتها مواقع تتبع ورصد الناقلات النفطية.

حجم الصادرات النفطية الإيرانية إلى سوريا في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022

أعلن البنك المركزي الإيراني في وقت سابق من شهر تموز/يوليو 2022 عن قفزة سنوية كبيرة في عائدات النفط الإيراني للسنة المالية المنتهية في آذار/مارس 2022، حيث بلغ مجمل عائدات الصادرات الإيرانية من النفط والغاز والمنتجات الثانوية ذات الصلة 39 مليار دولار أميركي، مقارنة بـ 22 مليار دولار في العام السابق، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 77٪ و 17 مليار دولار إضافية، مقارنة بالعام الماضي.

وتتوافق هذه الزيادة السنوية الهائلة في الإيرادات المالية بشكل طبيعي مع زيادة مقابلة في صادرات النفط الإيرانية، نتيجة التراخي المطلق لإدارة بايدن في إنفاذ العقوبات الاقتصادية المفروضة على صناعة النفط الإيرانية وهو ما جعل معدل الصادرات النفطية الإيرانية مستقراً حول مليون برميل يومياً.

لكن رغم ظهور هذه الطفرة الكبيرة في صادرات النفط الإيرانية، بقيت معدلات الإمداد النفطي الإيراني لنظام الأسد مستقرة حول معدل وسطي يعادل 80 ألف برميل في اليوم الواحد.

وبحسب الإحصاءات التي تنشرها بشكل دوري منظمة متحدون ضد إيران حول معدل الصادرات النفطية الإيرانية شهرياً، فقد تلقى نظام الأسد في الأشهر السبعة الأولى، بدءاً من كانون الثاني/يناير حتى تموز/يوليو من عام 2022، شحنات نفطية من إيران وفق الجدول التالي:

النفط الإيراني

أسباب التناقص المحتمل في الشحنات النفطية الإيرانية إلى نظام الأسد

البحث عن بدائل ربحية

في إطار كفاح إيران لرفع معدل صادراتها النفطية بهدف سد العجز المتوقع في الميزانية الإيرانية للعام الجاري، اتجهت الناقلات الإيرانية نحو تعزيز إمداداتها النفطية نحو وجهة ربحية جديدة. وبالإضافة للصين، التي تتجه إليها معظم المشتقات النفطية الإيرانية، زادت إيران من صادراتها من النفط الخام الرئيسي، الذي تستخدمه فنزويلا لتعزيز إنتاجية مصافي التكرير القديمة وتحرير نفطها المحلي الثقيل للتصدير، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء رويترز في تقرير نشر لها في 19 تموز/ يوليو.

وكان من الملاحظ في شهر تموز/يوليو الماضي زيادة ملحوظة في استخدام إيران لسفن شركة الناقلات الوطنية الإيرانية (NITC) وغيرها من الناقلات التي ترفع العلم الإيراني مقابل الناقلات غير الخاضعة للعقوبات التي ترفع علماً أجنبياً، حيث اتجهت معظمها نحو الوجهة الفنزويلية.

وتظهر بيانات شركة تحليلات الشحن Vortexa زيادة في استخدام أسطول الشركة الوطنية الإيرانية للناقلات (NITC) إلى 25٪ في النصف الأول من عام 2022.

رغم أن سفن شركة الناقلات الوطنية الإيرانية أعربت أكثر من مرة عن قلقها من التوجه إلى السواحل السورية، خلافاً لناقلات شبكة التهريب والتحايل التي يقودها الحرس الثوري وفيلق القدس، إلا أن ارتفاع اعتماد إيران على ناقلاتها الخاصة بشكل متزايد نحو الوجهة الفنزويلية الأكثر ربحاً والأقل خطراً قد يشكل ضغطاً متزايداً سيقلل من حصة الأسد النفطية على المدى القريب والمتوسط.

في هذه الحالة، سيجبر صانع القرار الإيراني على الموازنة مرة أخرى بين أولويات العمق الاستراتيجي الإيراني في سوريا مع حاجات الاقتصاد الإيراني المحاصر بالعقوبات.

رغم ذلك، لا يبدو أن هذا ما يقلق كثيراً الأسد، الذي زعم الشهر الماضي أن الحرب الأوكرانية تصب في مصلحة نظامه، حتى الآن.

المنافس الروسي

السبب الآخر الذي يقف وراء التراجع المحتمل في الإمداد النفطي الإيراني للأسد هو التحول في انتشار ناقلات النفط الأجنبية (ما عدا الناقلات التي ترفع العلم الإيراني) من طرق تجارة النفط الإيرانية إلى الروسية.

ووفقاً لما ذكرت بلومبرج الشهر الماضي، فإن "الناقلات التي كانت تحمل النفط الإيراني سابقاً تتحول إلى نقل النفط الخام الروسي".

وتؤكد منظمة متحدون ضد إيران النووية أن "هذا مسار بدء لأول مرة في نيسان/أبريل 2022"، أي بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية بأقل من شهرين. وتشير متحدون ضد إيران النووية إلى "أكثر من 16 ناقلة على الأقل قد تحولت من نقل النفط الإيراني إلى النفط الإيراني، اعتباراً من يوليو 2022"، متوقعة أن يستمر هذا العدد في الارتفاع.

من الطبيعي أن يؤدي تحول انتشار ناقلات النفط الأجنبية المنخرطة في عمليات التحايل النفطي الإيراني إلى الروسي، سعياً وراء مزيد من الكسب المادي البحت، إلى تراجع في صادرات إيران النفطية نحو الوجهات العالمية، خاصة الوجهتين الصينية والسورية، اللتين تشكلان وجهتين رئيسيتين ثابتتين للنفط الإيراني الخام.

زيادة العقوبات الأميركية

الأمر الآخر الذي يجب أن يثير حفيظة الأسد حول مستقبل أمنه النفطي، هو التعطيل المحتمل الذي سيصيب شبكة تهريب النفط التابعة للحرس الثوري الإيراني، بعد مجموعة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة تباعاً في كل من حزيران/يونيو وتموز /يوليو وصولاً إلى الأول من شهر آب/أغسطس الجاري، حيث استهدفت مجموعة العقوبات شبكة متفرقة من أفراد وكيانات متورطة بعمليات بيع وشحن منتجات نفطية إيرانية، وغسيل الأموال، تقدّر قيمتها بملايين الدولارات.

وتهدف هذه العقوبات الأميركية، التي أعاقت إلى حد ما عائدات النفط الإيرانية، إلى إجبار إيران للعودة لطاولة المفاوضات النووية المتوقفة منذ عدة أشهر.

وبحسب متحدون ضد إيران، أدت هذه التصنيفات الأميركية إلى تغير في آليات التنسيق مع الناقلات الأجنبية المنخرطة في عملية التحايل النفطي، مما ألزم إيران الاعتماد بشكل أكبر على ناقلات النفط الإيرانية المملوكة لشركتها الوطنية، التي تتخذ اليوم من الوجهة الفنزويلية مساراً رئيسياً لها، دون الوجهة السورية.