تهويد المسجد الأقصى.. أين الممانعة؟

2021.10.09 | 07:23 دمشق

645x344-1559207775445.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليس خافيًا على أحد أنَّ دولة الاحتلال تسير سيراً حثيثًا نحو فرْض سيادتها على المسجد الأقصى، وتهويده، بتقسميه؛ مكانيًّا، وزمانيًّا، كما فعلت مع المسجد الإبراهيمي، في الخليل، وإنْ كان هذا السير يعتريه غيرُ قليلٍ مِن الحذر، والترقُّب، وجسِّ النبض، الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي.

هذا الاستنتاج وصل إليه أيضًا الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط في تعليقه على قرار محكمة إسرائيلية؛ بالسماح لليهود بالصلاة الصامتة، في باحات الأقصى، إذ قال: "إنّ القرار يمثِّل خطوة أخرى نحو التقسيم المكاني للأقصى، وهو أمر نستنكره، بأشدِّ العبارات، ليس فقط على الصعيد العربي، وإنما على مستوى العالم الإسلامي كلِّه".

والصحيح أنَّ دولة الاحتلال، ولا سيما في عهد هذه القوى اليمينية الدينية المتطرّفة صارت أكثر استهانةً بالدول العربية، وجامعتها، وخصوصًا، بعد أن تبيّن لها مدى تهالكها على الحفاظ على مصالح طبقاتٍ حاكمة أكثر من حرصها على قضايا الشعوب، ومقدّراتها، ومقدّساتها.

ولا نحتاج إلى نظرٍ دقيق؛ لنلحظ ارتفاع نبرة الخطاب المتطرّف في دولة الاحتلال، وإطلاق يد المستوطنين العابثة في الضفة الغربية والقدس، بعد تعمّق الخندق، واتساع الفجوة، بين الشعوب العربية، من جهة، وأكثر النظم العربية، من جهة أخرى.

وبعد أنْ ظهر لدولة الاحتلال، والعالم، المدى الذي ذهبت إليه نظُمٌ عربية ثارت عليها شعوبُها، في البطش والتدمير. فجرَّأ ذلك إسرائيل على رفع منسوب القمع والإرهاب ضدَّ الفلسطينيين. وطمأنَها أكثر إلى أولويات الطبقات الحاكمة، الفعلية، وإنْ لم تكفّ عن التشدّق بالمقاومة والممانعة.

ونظام الأسد مثال شديد التمثيل لهذه الفكرة، فسوريا من الدول العربية التي سُمِّيت بدول الطَّوْق، ولها أرضٌ محتلة، هي الجولان، وقد كان للطابع البوليسي الاستبدادي الذي حكم به الأسد الأب والابن آثارٌ لا تُنكَر على حيوية الشعب السوري وقوَّته، وحضور صوته.

لم يعد النظام وقوَّاته قادرا، حتى على الردّ الذاتي على الاعتداءات الإسرائيلية، إلا بعد التنسيق مع روسيا، أو إيران

ثم إن هذا النظام، بعد أن غيّب الشعبَ السوري، وعطَّلَ فاعليته، تحت عقود من الظلم الترهيب، أضحى في مهبِّ الرياح الدولية، وفي بازار الابتزازات الإقليمية، وكانت المحصِّلة وقوع سوريا تحت احتلالات أجنبية حقيقية، ولم يعد النظام وقوَّاته قادرا، حتى على الردّ الذاتي على الاعتداءات الإسرائيلية، إلا بعد التنسيق مع روسيا، أو إيران، روسيا التي لم يعد وجودُها، أو احتلالها، مقتصرًا على الجانب المادي، بالقواعد العسكرية، مثلًا، بل تعدَّاه إلى مفاصل الحياة الثقافية، وحتى التعليمية، كما مثلًا، "في افتتاحها فرعًا جديدًا لكلية "ناخيموف" البحرية، والتي تقدِّم العلوم العسكرية للأطفال في سن مبكِّرة، إذ تسعى موسكو لترسيخ سيطرتها، ونشر ثقافتها، في مناطق سيطرة نظام الأسد، على جميع الأصعدة العسكرية والاقتصادية والثقافية".

وغيرُ بعيدٍ عن الاحتلال الروسي، يتموضع النفوذ الإيراني الذي تغلغل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، أمَّا الجيش السوري المُنهَك، فلم يعد يمثِّل خطرًا على إسرائيل، وَفْق دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، التابع لجامعة تل أبيب، بعنوان "ترميم الجيش السوري.. والتداعيات الإسرائيلية"، أوضحت زوال خطر جيش النظام بالنسبة لإسرائيل. وذكرت الدراسة، التي ترجمها "تلفزيون سوريا"، أنَّ العقيدة القتالية لجيش النظام تغيَّرت، من جيش عقائدي يحمي الحدود، ومُصَمَّم لمواجهة إسرائيل، إلى أداة بيد النظام؛ لتثبيت الحكم، في إخماد مناطق الاحتجاج.

 أضحى بشار الأسد مستعدًّا للمساومة، على ما تبقَّى له من أوراق؛ لاستنقاذ نفسه، فنظام بمثل هذا التأزُّم والتهشيم لا يُعَوَّل عليه، كثيرًا في معركة كالقدس، فضلًا عن معارك أقلّ كلفة، وتطلُّبًا.

أما إيران فلا تبدو قضية القدس مُحدِّدًا فعليًّا لسياستها، ولا أولوية قومية عندها، أمام محاولاتها توسيع نفوذها الإقليمي، ومفاوضاتها حول مساعيها النووية.. هذا المشروع النووي، على فرض وصولها إلى السلاح النووي، لا يجعل منها دولة مكتملة العناصر للمجابهة الطويلة الأمد، أو الحاسمة لاسترداد الأقصى، وهي تعاني من أزمات بنيوية، في هُويَّتها، وفي علاقتها بشعبها، وفي بناء قدرات متنوِّعة اقتصادية وتصنيعية. إذ بالرغم من احتلالها المرتبة الثانية عالميًّا في احتياطيات الغاز الطبيعي، والمرتبة الرابعة في احتياطيات النفط الخام المؤكَّدة، إلا أن النشاط الاقتصادي والإيرادات الحكومية يعتمدان على عائدات النفط، وبالتالي، فهما يتَّسمان بالتقلُّب.

وتبدو إيران، في الوقت الراهن، في موضع الدفاع، أكثر ممَّا هي في وضع الهجوم والتهديد لإسرائيل، كما هو حالها في سوريا، بعد أن تلقّت ضرباتٍ متواصلةً ومؤلمة، استهدفت وجودَها العسكري هناك، وكما يظهر في توتّر علاقتها مع جارتها الشمالية الغربية، أذربيجان، بحدود يبلغ طولها نحو 700 كم، والتي تُعَدُّ إسرائيل مورِّدًا رئيسًا لأسلحتها.  

وهي تعاني أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة، بسبب العقوبات الأميركية، ونتيجة سياساتها الداخلية والخارجية، والطموحات الواسعة في مدّ نفوذها الإقليمي. فقد أظهر وباء كورونا الضعف العام الذي تعاني من إيران، فكانت الإصابات عالية، والقدرة على احتواء الجائحة محدودة، إذ يُظهِر تقرير حديث للبنك الدولي أنَّ إيران تبقى الدولة الأكثر تضرُرًا من أزمة كورونا، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما يُظهر التقرير ازدياد الضغوط التضخمية، في 2020/2021، حيث انخفضت قيمة الريال الإيراني؛ نتيجة نقص المعروض من العملات الأجنبية وزيادة ضبابية الأوضاع الاقتصادية. وارتفع التضخم إلى أكثر من 48% (مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي) في فبراير/شباط 2021. وقد أضافت هذه الاتجاهات الاقتصادية الأخيرة ضغوطاً على الأسر المعيشية، منخفضة الدَّخْل، وعرقلت مساعي الحدِّ من الفقر.

 وهو ما يؤشِّر إلى خلل واضح، حكوميًّا، واجتماعيًّا، في التعاطي مع التحديات؛ ليؤشِّر، بالتالي، إلى خلل في تحقُّق معنى الأمن القومي، بمفهومه الذي يتعدّى الجانب العسكري. فالأمن القومي حصيلة عوامل مادية ومعنوية؛ صحية وثقافية واجتماعية وعلمية وتقنية، وهو متأثِّر، بلا شك، بطبيعة العلاقة بين الحكومة والشعب، وبمدى التجانُس بين مكوّنات الشعب، على هُويَّة جامعة مُوَحِّدة.

وتثير المخاوف الإيرانية الرسمية من تأثير الأوضاع في أذربيجان على المكوِّن الأذري في إيران، (يشكِّلون نحو 10 في المئة من سكَّان إيران البالغ عددهم الإجمالي 83 مليون نسمة) السؤال القديم الجديد عن الهُويَّة الإيرانية؟ هل هي الدين؟ أم المذهب الشيعي؟ أم القومية الفارسية؟

كما أثارت الانتخاباتُ السابقة، واتهاماتُ تزويرها انقسامًا في الشعب، بين مؤيِّدي نهج الملالي، بنظام ولاية الفقيه، وقطاعات ليست هامشية من الشعب الإيراني، هي أكثر انفتاحًا على القيم الغربية. ظهر ذلك في عام 2009، حين شكّك جميع مرشَّحي المعارضة الثلاثة في نزاهة الأصوات، وأكّدوا حدوث تلاعُبٍ وتزوير. وأدَّى ذلك إلى احتجاجات واسعة وحادة، في المدن الرئيسة، وسُميت الاحتجاجات بـ "الحركة "الخضراء الإيرانية" أو "الصحوة الفارسية"، أو "الربيع الفارسي"، أو "الثورة الخضراء"، طارحةً السؤال عن هوية إيران، ووِجْهتها.

لا ينفكّ النظام الإيراني يوظِّف العداء الخارجي؛ لتغذية الشعور الوطني العام، لضمان التفافٍ شعبيّ، ورأيٍ عام مسانِد، في حدِّه الضروري؛ باستدعاء ثيمة الاستكبار الأميركي، والعداء الإسرائيلي، مقابل نصرة المستضعَفين والمظلومين

وفي العمق، لا تتأسَّس الشعاراتُ الدينية التي تتكئ عليها الطبقةُ الحاكمة على أرضية متجاوِبة؛ فنسبة المتديِّنين من الإيرانيين ليست مرتفعة، إذ أظهر استطلاعٌ أجراه مركز "كمان" الإيراني المتخصِّص، أواسط سنة 2020، بعنوان "نظرة الإيرانيين تجاه الدين"، أنَّ 60 في المئة من سكَّان إيران لا يُصَلُّون، وأنَّ 73 في المئة منهم يعارضون فرْضَ الحجاب.

ولذلك لا ينفكّ النظام الإيراني يوظِّف العداء الخارجي؛ لتغذية الشعور الوطني العام، لضمان التفافٍ شعبيّ، ورأيٍ عام مسانِد، في حدِّه الضروري؛ باستدعاء ثيمة الاستكبار الأميركي، والعداء الإسرائيلي، مقابل نصرة المستضعَفين والمظلومين.

أما حزب الله فالبيئة اللبنانية البالغة التدهور لا تمنحه فرصةً لفتح جبهات جديدة، وكانت أولويته، ولا تزال، المشاركة التبعية في صراعات إيران، وتثبيت نفوذها الإقليمي.