تناقض العلاّمة مرتضى مطهري في تقرير (ختم النبوة)

2020.07.30 | 23:59 دمشق

almthry.jpg
+A
حجم الخط
-A

الجزء الأول

يحظى العلاّمة الشيخ مرتضى مطهري (1919 ــ 1979) لدى الشيعة الإيرانيين بمكانة تضاهي بل تفوق مكانة العلاّمة السيد محمد باقر الصدر (1935 ــ 1980) لدى الشيعة العرب، فهو من أهم المفكرين الشيعة في العصر الحديث، ومن أكثرهم اتزاناً وحصافة، ومن المشايخ القلائل الذين تناولوا المواضيع الدينية والفلسفة الإسلامية بلغة معاصرة! وتصدّوا للماركسية ونقدوا رؤيتها الفلسفية والاقتصادية من دون اعتماد الحجج الخطابية ولا الاتكاء على لغة التهويل، ومن المعلوم أن مطهري كان من أنبغ تلامذة الفيلسوف المفسّر محمد حسين الطباطبائي، ومن أهم من شرح دروسه الفلسفية (١).

ويرى بعض الدارسين اليوم بأنّ محمد باقر الصدر كان مديناً في كثير من أفكاره وكتبه لمطهري، لا سيما في كتابه (فلسفتنا)، وهو رأيٌ معقول نظراً لتقدّم مطهري في التأليف الفلسفي، وأسبقيته في شرح نظرية (الحركة الجوهرية) و(نظرية المعرفة) بالاعتماد على ما قدّمه التراث الفلسفي الإسلامي في آخر مرحلة من مراحل تطوره ممثَّلاً بمدرسة أصفهان التي نبغ فيها المير داماد، وصدر الدين الشيرازي، والفيض الكاشاني، والنراقي إلخ، وكان مطهري مِن أخبر الناس بهذه المدرسة، ومن أكثرهم دراية بها، فقد شرح منظومة السبزواري الفلسفية في أربعة مجلدات، وهذه المنظومة تقدم خلاصة ما توصلت إليه هذه المدرسة التي دمجت الفلسفة بالعرفان على نحوٍ غير معهود ولا مسبوق (٢)، ولكنّ هذا لا يمنع من أن نعيد النظر في بعض أفكاره وطروحاته، بل في جميعها لنستجلي مقدار أصالتها واتساقها وإحكامها، وما هو جدير بالبقاء، وما هو خليق بالطرح أو الإبعاد، فمساءلة الفكر الإسلامي المعاصر من أولى الأولويات التي تجعلنا نعرف طبيعة الأرض الفكرية التي نقف عليها، ولماذا تسيخ بنا بين الفينة والأخرى!

اخترت، في هذا المقال، أن أسلط الضوء على قضية محددة تناولها الشيخ مرتضى مطهري وهي (ختم النبوة)، وكان قد ألقى محاضرتين متتاليتين حولها: الأولى بعنوان (النسخ والخاتميّة)، والثانية بعنوان (في أجواء الخاتميّة)، وأُدرجتا في كتابه (الإسلام ومتطلبات العصر)، وخصّص كذلك مؤلفاً عنوانه (ختم النبوة)، وقد انطلق مطهري في معالجته هذه القضية من مبدأ أنّ مفهوم الخاتميّة في الإسلام من ضروريات الدين، وأنَّ من ينكرها يصبح منكراً للإسلام نفسه، فقد تواتر عن الرسول الكريم قوله: "لا نبي بعدي"، وهو ههنا يتفق تمام الاتفاق مع الإيمان السني الذي لا يعترف بنبوّةٍ بعد نبوة محمد عليه الصلاة والسلام.

وغني عن البيان أنّ هذه القضية لم تأخذ في تاريخنا الإسلامي اهتماماً كبيراً على الرغم من تكرّر حالات ادعاء النبوة، لعدم جدية هذا الادعاء، أو لعدم نجاحه، إلى حين ظهور أكبر انشقاقين في عالمنا الإسلامي ادعى أربابهما النبوة:

ــ كان الانشقاق الأول في العالم الشيعي من خلال الدعوة (البابية) التي أطلقها علي محمد رضا الشيرازي الملقب بالباب (1819 ــ 1850)، وقد تحوّل اسم هذه الدعوة إلى (البهائية) على يد تابعه حسين علي نوري الملقب بالبهاء (1817 ــ 1892).

ــ وكان الانشقاق الثاني في العالم السني من خلال الدعوة (الأحمدية) نسبةً إلى غلام أحمد القادياني (1835 ــ 1908) والتي عُرفت أيضاً بـاسم (القاديانية).

كان الانشقاق الأول في العالم الشيعي من خلال الدعوة (البابية) التي أطلقها علي محمد رضا الشيرازي الملقب بالباب (1819 ــ 1850)

دفع ظهور هذين الانشقاقين لإعادة مناقشة مسألة (ختم النبوة) سواءً لدى مفكري أهل السنة أو مفكري الشيعة الذين اتحدوا على مناصرة اعتقاد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وأنّه لا نبي بعده، وستظهر عدة مؤلفات ومقالات تناقش وتدحض تأويلات هاتين الفرقتين لختم النبوة ككتاب (هداية المهديين في آية خاتم النبيين) لمفتي الباكستان محمد شفيع، أو كتاب (خاتم النبيين) للعلاّمة محمد أنور شاه الكشميري، أو كتاب (القاديانية ثورة على النبوة المحمدية والإسلام) لأبي الحسن الندوي، أو مقال (ميرزا علي محمد الباب وادعاؤه النبوة) للسيد هبة الدين الشهرستاني إلخ.

لم يكن من المتاح مناقشة أو دحض الدعوى (البابية/البهائية)، أو الدعوى (الأحمدية/ القاديانية) بالنظر العقلي المحض، لأنّ هذه المناقشة قد تفضي في النهاية إلى إنكار أصل النبوة، أو التشكيك في جدواها، وهي تشكيكات وجدت من يتبناها ويدافع عنها في تراثنا الإسلامي كأبي بكر الرازي (251 ــ 313) هـ، ولذلك نوقشت تلك الدعوات ضمن إطار الرؤية الدينية الإسلامية ومقولاتها وأدلتها، غير أنها ستأخذ منحىً مختلفاً مع الفيلسوف محمد إقبال حيث سينقل الحديث عن (ختم النبوة) من عالم الحجاج اللاهوتي إلى البحث عن القيمة الثقافية لهذه الفكرة الإسلامية التي يراها عظيمة في دلالاتها، وسوف يتأثر مرتضى مطهري بمحمد إقبال ويستشهد بكلامه، ولكنه سوف يمزج معالجته بين الحديث عن قيمة هذه الفكرة وبين محاجّة الطائفة البهائية التي قالت: "إذا كانت الشرائع تُنسخ تبعاً للتبدلات الحاصلة في كل عصر فلا ينبغي أن تكون هنالك شريعة يطلق عليها (الشريعة الخاتمة)، بل يجب أن تستمر النبوات ويتعاقب الأنبياء"! يقول مطهري: "وهذا سؤال يثيره البهائيون لا لكي يكون دليلاً يدعم توجهاتهم المنحرفة، بل ليكون هزة تضعضع من مفهوم الخاتميّة في الشريعة الإسلامية تحقيقاً لمآرب تتلاءم وتعليماتهم".

وهنا نتساءل: هل أتيح لمطهري بوصفه عالماً من كبار علماء الشيعة أن يدافع عن (ختم النبوة) وأن يكون، في الوقت نفسه، متسقاً مع منظومة إيمانه المذهبية؟

والجواب في الجزء الثاني من المقال.

 

هوامش:

(١) انظر: شرحه لكتاب محمد حسين الطباطبائي (أصول الفلسفة والمنهج الواقعي) المطبوع في خمسة مجلدات، وقد تُرجم منها مجلدان للعربية.

(٢): لم يقتصر نشاط مطهري على الجانب الفكري بل رافقه نشاط سياسي وثوري، فكان من أبرز وجوه الثورة الإيرانية، ومن أقرب المقربين للإمام الخميني، ومن أخص تلامذته، ولولا حادثة اغتياله على يد جماعة (الفرقان) الدينية لكان صاحب النصيب الأوفر في خلافة الخميني، ويجدر بنا أن نذكر أن كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي ورئيس البرلمان الإيراني الحالي علي لاريجاني هو زوج ابنته فريدة.

كلمات مفتاحية