تمدد الروس في دمشق.. مؤشر الردّ الروسي على الانقلاب الإيراني

2019.06.06 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا تسمح ظروف إيران بالذهاب إلى مواجهات جديدة في سوريا. ما بين الضغوط السياسية الإقليمية والمالية، تحوّلت إيران إلى موقع دفاعي بدلاً من الموقع الهجومي، فلا تريد طهران استنزاف قواها في هذه المرحلة، بل تختزن تلك القوة لمراحل لاحقة. وهذا مؤشر يدلّ على تغيير في جوهر اللعبة الاستراتيجية على الأراضي السورية. سابقاً كانت طهران تشن معاركها الهجومية، بالتعاون مع الروس، وتتقدم قاضمة بعض المواقع ومناطق النفوذ. في هذه الأيام، لم يعد مسار المعارك هو الذي يحسم ويقرر بأوراق القوة، إنما المسألة متروكة للمفاوضات.

يخشى الإيرانيون من تسوية إقليمية ودولية قد تدفعهم إلى خوض مواجهة من نوع آخر، ولذلك تفضل القيادات الإيرانية اختزان القوة بانتظارها، كي لا تستنزف في معارك لا مكاسب منها. وترتكز الوجهة الإيرانية في عدم الذهاب إلى معارك في سوريا، لإيصال رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بأن مشروع طهران لا يقوم على الحرب المطلقة، إنما هي جاهزة للدخول في مفاوضات. بشكل لا تريد طهران من خلاله استفزاز الأميركيين.

المؤشرات الواردة من إيران، تفيد بأن ما تريده القيادة الإيرانية هو الذهاب إلى مفاوضات، ولكن لا يسمح الإيرانيون

تمنح واشنطن موسكو فرصة الشراكة الواسعة في مجالات أوسع من سوريا، ولذلك قد تعمل موسكو على تحجيم بعض مناطق النفوذ الإيرانية

لأنفسهم بالظهور بمظهر الضعيف أو الذي خضع للضغوط وقدّم التنازلات. ما يعني أن أي تنازل ستقدّمه طهران ستعمل على تغطيته في المقابل بمواقف متعددة ومتنوعة، للحفاظ على ماء الوجه. ولذلك تركز المعركة الإيرانية على إبرام تسوية مع الإيرانيين من دون انكشاف أمر التنازلات التي جرى تقديمها.

قد يكون هناك تقاطع مصالح روسية أميركية، على تحجيم النفوذ الإيراني في بعض دول المنطقة، وخاصة سوريا. تمنح واشنطن موسكو فرصة الشراكة الواسعة في مجالات أوسع من سوريا، ولذلك قد تعمل موسكو على تحجيم بعض مناطق النفوذ الإيرانية، لأن أي حركة إيرانية ستكون على حساب مناطق نفوذ الروس. وهذا ما ستترقبه إيران مستقبلاً لا سيما في أعقاب القمة التي ستعقد بين بوتين ونتنياهو وترمب، والتي قد يكون فيها نفوذ إيران في المنطقة بنداً أساسياً على طاولة البحث، لا سيما في ظل معلومات تتحدث عن عرض أميركي إسرائيلي لصالح موسكو، بأن يوكل إليها الملف السوري كاملاً مقابل إخراج إيران من سوريا.

لن تقدم إيران على خطوات تظهرها بأنها أصبحت خارج اللعبة، بل ما ستلجأ إليه هو الإقدام على خطوات تظهر أن طهران لم تعد مستفزة لواشنطن، كتخفيف عمل بعض الجماعات المحسوبة عليها، سواء عبر تعزيز دور مؤسسات الدولة في العراق على حساب الحشد الشعبي، ويتزامن ذلك مع غياب أي نشاط لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي لم يظهر على ساحة جولاته المعتادة منذ التصعيد الأميركي بوجه إيران التي تريد إظهار مواقف روحاني ومحمد جواد ظريف فقط.

ففي سوريا قد تعمل إيران على سحب قواتها العسكرية المباشرة من هناك، لكن هذا لا يعني القضاء على النفوذ الإيراني بشكل تام، لأن طهران أو آلية عمل الحرس الثوري الإيراني ترتكز على الاستثمار في أبناء البيئة الاجتماعية لكل بقعة جغرافية تسعى إيران إلى تحقيق موطئ قدم فيها، يرتكز على ثلاثة عوامل، جهاز أمني، وجهاز مالي، ووجود عسكري. وفي سوريا التي لا تتمتع إيران فيها

يريد الإيرانيون فتح حساب سياسي وعسكري خاص بهم، بحيث يكتنزون أوراق قوتهم ويفاوضون فيها وعليها مع الأميركيين

بحاضنة اجتماعية، استطاعت أن تنجز بعض التقدّم، من خلال دخولها إلى مناطق أساسية، أو من خلال إيقاع الشروخ بين أطراف معينة واستقطاب أجزاء منها، كما فعلت إيران مع الكثير من العشائر.

كان الإيرانيون يبيعون موسكو بأبخس الأثمان، وكان لدى القوات الروسية حساب مفتوح لدى الإيرانيين بأن أي معركة تريد روسيا خوضها في سوريا، لا تتحمّس إيران للانخراط فيها، وأبرز الدلائل هنا معركة إدلب، بحيث يعتبر الإيرانيون أن أوراقهم أصبحت غالية في المرحلة، وبعد مرحلة الحساب المشترك والمفتوح لصالح الروس، يريد الإيرانيون فتح حساب سياسي وعسكري خاص بهم، بحيث يكتنزون أوراق قوتهم ويفاوضون فيها وعليها مع الأميركيين.

ومن هنا تتضح البرودة بين الروس والإيرانيين، اتضحت أكثر بعد موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من العقوبات، إذ لم يعتبر أن استهداف طهران بالعقوبات ليس استهدافاً لروسيا. هذه البرودة في العلاقة، ستؤدي حكماً إلى الافتراق الاستراتيجي بين الطرفين مستقبلاً، بحيث يبحث كل طرف عن مصالحه الخاصة. كل ما يجري حالياً، لا يمكن فصله عن استراتيجية المدى البعيد، بدءاً من الرهان على العقوبات الطويلة الأمد على إيران، والقائمة على استنزافها، مقابل عدم قدرتها على الذهاب نحو خطوة عسكرية. لكن الحساب الخاص الذي لجأت إيران إلى فتحه في سوريا، بلا شك سيكون له تداعيات سيئة على العلاقة بينها وبين روسيا، إذ إن حسابات بوتين لا تتهاون في اعتبار أن سوريا كاملة من حصته، وعليه لا بد من ترقّب آلية الردّ الروسي على التفرّد الإيراني، هذه الردود بدأت تظهر في العاصمة دمشق بحيث يتمدد الروس بضباطهم وشرطتهم العسكرية على حساب انسحاب الإيرانيين وانحسارهم.