icon
التغطية الحية

تماري الكعك في دمشق.. "كريب الفقراء" الذي لم يعد له من اسمه نصيب

2021.10.20 | 06:21 دمشق

532518_125998030874591_643011832_n.jpg
دمشق - خاص
+A
حجم الخط
-A

"اللي ما أكل تماري الكعك ما مشي بحارات الشام"، مقولة متداولة تبيّن مدى ارتباط هذه الأكلة الشعبية بسكان دمشق، إذ بقيت على مدار سنين الأكثر تميّزاً من بين عشرات الأطعمة المنتشرة على البسطات في حارات وشوارع العاصمة.

اليوم، ومع الواقع المعيشي المتردي، بدأت بسطات التماري تختفي شيئاً فشيئاً، ليقتصر وجودها على بضعة أشخاص ينتشرون في الأحياء "الراقية" مثل الشعلان والحمراء والصالحية وباب توما.

خالد، شاب عشريني يستذكر بضع لقطات من طفولته بالقول: "اعتدت وأصدقائي شراء التماري بعد خروجنا من المدرسة، أتذكر جيداً البهجة التي كانت تنتابنا، كنا نبتاع الواحدة بـ 10 ليرات، ويصل سعرها إلى 15 ليرة في حال كانت محشوّة بالموز والشوكولا".

تماري الكعك.. تاريخ دمشقي

ظلّت تماري الكعك حاضرة في الشارع السوري لسنوات طوال، فهي من أشهر الأكلات الشعبية التي لم يكن يخلو حي من أحياء العاصمة من بسطة تبيعها. حلوى خفيفة رخيصة الثمن أُطلِق عليها أسماء عدة مثل "الكريب السوري" أو "كريب الفقراء"، تتكون من طبقتي عجين رقيقتين يوضع عليهما دبس التمر والطحينة والسمسم والسكر.

مع مرور الوقت، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، بدأت شعبية التماري بالتراجع، خاصة في أوساط الأطفال، إذ إن كثيراً منهم لم يتذوقوا طعمها، فسعر الواحدة منها وصل إلى 3500 ليرة، وهو مبلغ كبير بالنسبة لقطعة حلوى شعبية "رُخص سعرها كان أهم عامل من عوامل انتشارها وإقبال الناس عليها".

أبو يحيى، خمسيني يعمل في مؤسسة حكومية صباحاً، ويبيع التماري على بسطة يتنقل بها بين حيي الشعلان وباب توما ليلاً، يقول لتلفزيون سوريا: "التماري باتت رفاهية بالنسبة لموظف يتقاضى 60 ألف ليرة، كما هي بالنسبة للأطفال، حتى لو كانوا ينتمون لعائلة ميسورة"، مبيناً أن نسبة كبيرة من سكان العاصمة خارج حسابات الباعة.

وأضاف: "في الماضي كان هناك إقبال كبير على التماري، وذلك لأن سعرها كان يناسب الجميع، الآن، وبعد أن تضاعف سعرها عدة مرات، انخفضت شعبيتها حتى بت تشعر أنها ستختفي بعد حين".

وتابع أبو يحيى: "لم يعد ممكناً الاعتماد عليها كمصدر رزق رئيسي في هذه الأيام، من يريد أن يبتاع حلوى بهذا السعر سيقصد محال الحلوى ولن يلجأ إلى بسطة".

من جانبه يقول سامي إن مكونات الأكلة اختلفت مع الوقت، فبعض الباعة باتوا يبيعونها محشوّة بالموز والشوكولا بسعر 3500 ليرة للقطعة الواحدة، وفي حال أُضيفت النسلة إلى مكوناتها تصبح القطعة بـ 5000 ليرة.

وأضاف: "يمكنني بـ 5000 ليرة شراء حلاوة الجبن وإطعام عائلتي بكاملها بدلاً من شراء قطعة تماري لآكلها في طريقي إلى العمل".

الأكلات الشعبية بين الماضي والحاضر

يمكن رصد التغيير الكبير في حياة السوريين خلال السنوات العشر الماضية من خلال تفاصيل صغيرة، بدءاً بالبسطات وانتهاءً بالمطاعم والمقاهي، إذ تغيرت منظومة كاملة من العادات الاجتماعية، وقيّد الشعب السوري ضمن دائرة ممارسات "ضيقة" لا تلبي أبسط حاجياته، أنهت بشكل أساسي سلوكياته المرتبطة بثقافته وتاريخه.

بات معظم السوريين عاجزين اليوم عن الحصول، وهم في طريقهم إلى عملهم، على أكلة خفيفة من البسطة، ما كان يُباع بـ 10 ليرات تعدى اليوم الـ 1000 ليرة، مثل عرنوس الذرة الذي بات سعره يتراوح بين 1000 – 1500 ليرة مسلوقاً، و3000 ليرة في حال كان مشوياً.

وكذلك الفول الذي يسلك مساراً مشابهاً لباقي الأكلات الشعبية، إذ من المتوقع أن يصل سعر الكيلو غرام الواحد إلى نحو 5000 ليرة هذا الشتاء، وعليه مضاعفة سعره من قبل الباعة الجوالين.

ونتيجة لكل ما سبق، تحولت هذه الأكلات من شعبية يستطيع أي شخص أكلها، إلى رفاهية يجبر سعرها أي شخص على التفكير مراراً قبل الإقدام على شرائها، خاصة إذا ما كان مسؤولاً عن عائلة.

بسطات المشروبات الساخنة.. "بدائل"

مع تناقص أعداد بسطات المأكولات الشعبية، ظهرت في شوارع دمشق بسطات من نوع آخر، فمنذ قرابة السنتين احتلت بسطات المشروبات الساخنة شوارع العاصمة، "البسطات ملأت الحارات إلى درجة بات من المستحيل حصرها"، يقول عمار ويضيف: "كثيرون باتوا يعتمدون بيع المشروبات الساخنة كمصدر دخل، خاصة أنه لم يعد بإمكاننا دخول المقاهي ودفع عشرة آلاف ليرة مقابل فنجان القهوة. يوجد إقبال كبير على هذه البسطات، الشبان يشترون منها مشروباً ساخناً بسعر ألف ليرة ويتجولون في حارات دمشق بدلاً من الذهاب إلى القهوة".

أما محمود فله رأي آخر، إذ اعتبر أن وجودها بكثرة يبعث على الشك، يقول: "ما من وسيلة أخرى لمراقبة الشارع من قبل النظام سوى بإقحام رجاله بيننا في كل مفترق، كيف يمكنه السيطرة وإبقاء الناس في حالة خوف وترقب سوى بهذه الطريقة. أظن أن هذه البسطات لها غرض آخر أكبر من بيع المشروبات".

لطالما ارتبط اسم البسطات في سوريا بأجهزة النظام الأمنية، تاريخ طويل من الشك والخوف الذي رافق الأهالي من العاملين عليها، البعض يخاف الاقتراب منهم أو محادثتهم، في حين يعتبر آخرون وجودهم أمراً عادياً وغير مهم.

اليوم تمتلئ شوارع دمشق بالبسطات، غالبيتها تبيع المشروبات الساخنة والدخان، بالمقابل تقف بسطات الأكلات الشعبية عند زوايا المدينة محاولة الحفاظ على تاريخها ما أمكن في ظل وضع اقتصادي سيئ يهدد استمرارها.