icon
التغطية الحية

"تقرير حالة سكان سوريا".. حراك سكاني وتشوهات عميقة ورواية تتبنى رؤية النظام

2023.02.01 | 09:22 دمشق

الحياة داخل سوريا
أكدت حكومة النظام أن التقرير يشكل ورقة استرشادية للمعنيين بقضايا السكان والتنمية لفهم الواقع السكاني في سوريا - رويترز
إسطنبول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أصدرت حكومة النظام السوري، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، التقرير الوطني الرابع حول حالة السكان في سوريا، تحت عنوان "العودة والاستقرار"، ويهدف إلى "توصيف حالة السكان وتوثيق التغيرات الديمغرافية" التي طرأت على البلاد منذ العام 2011.

ووفق بيان مشترك، فإن تعاون صندوق الأمم المتحدة للسكان مع حكومة النظام السوري "يقوم على تحقيق أولويات البرنامج الوطني لسوريا ما بعد الأزمة 2030، بما يتماشى مع خطة عمل إطار المؤتمر الدولي للسكان والتنمية وأهداف التنمية المستدامة".

وأوضح البيان أن "الهدف الرئيسي من هذا الجهد المشترك دراسة وتشخيص الحالة الديموغرافية والسكانية والصحة الإنجابية المستحدثة بما في ذلك الفرص والتحديات وارتباطاتها وآثارها على الفقر، وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وتحقيق المساواة والتنمية البشرية" فضلاً عن "دراسة التحولات الديموغرافية والاتجاهات المستقبلية، ومظاهر وعوامل العودة والاستقرار للسكان وأثرها في عملية التنمية".

رؤية النظام حاضرة

ويصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقارير حالة سكان دول عدة حول العالم، وسبق أن أصدر أربعة تقارير عن حالة السكان في سوريا، اثنان منهما في عامي 2003 و2010، وتقرير صدر في 2014، إلا أنه لم يحتو على معلومات شاملة أو دقيقة عن التغيرات بين 2010 و2014، في حين احتفى إعلام النظام السوري بإصدار التقرير الأخير، الذي يصف حالة السكان في العام 2020.

وتضمن نص التقرير الأخير، الذي أعلن عن إنجازه بشكل مشترك بين حكومة النظام السوري ومنظمة الأمم المتحدة للسكان رواية تتبنى رؤية النظام السوري تجاه الحرب في سوريا، مثل استخدامه لمصطلحات "الأزمة"، "الحرب على سوريا"، "المجموعات الإرهابية المسلحة"، أو التأكيد على أن أسباب الأزمة المعيشية والاقتصادية هي العقوبات المفروضة على سوريا.

كما تضمنت بعض الأرقام الواردة في التقرير تناقضات واضحة، بما فيها أعداد اللاجئين وتعداد السكان ومناطق وجودهم، ويستند في كثير من نتائجه إلى تعداد السكان الذي يجريه المكتب المركزي للإحصاء، والذي توجه انتقادات واسعة، حتى من داخل حكومة النظام وإعلامه، بسبب عدم دقة بياناته.

"ورقة استرشادية لكل المعنيين"

وفي حفل إطلاق التقرير في أحد فنادق العاصمة دمشق، قال رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، إن التقرير "يكتسب أهمية خاصةً لكونه يرصد حقبةً زمنيةً حساسةً من عمر الظاهرة السكانية السورية، تعرضت خلالها للتشويه والضرر شأنها في ذلك شأن الكثير من الظواهر والمكاسب الوطنية الأخرى، على صعيد معدلات النمو الاقتصادي، والمؤشرات التربوية والتعليمية ومؤشرات التشغيل وسوق العمل، والصحة العامة وغير ذلك".

من جهته، أكد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام السوري، محمد سيف الدين، أن التقرير "يشكل ورقة استرشادية حوارية لكل المعنيين بقضايا السكان والتنمية، من مؤسسات وهيئات حكومية وقطاع خاص ومجتمع أهلي وصناع الرأي العام والمؤثرين فيه، لفهم الواقع السكاني في سوريا خلال فترة الحرب، وتشخيص الفجوات التي أحدثتها".

تعداد السكان

يستعرض التقرير حالة السكان والواقع السكاني في سوريا عبر رصد التغيرات التي طرأت على حالة السكان قبل الحرب بين عامي 2000 و2010، وفي أثناء الحرب بين 2011 و2019، والمنعكسات الاقتصادية والاجتماعية على حالة ودينامية السكان.

وقال التقرير إن حجم السكان المقيمين في سوريا ارتفع من نحو 13 مليوناً و782 ألف نسمة في العام 1994 إلى نحو 20 مليوناً و619 ألف نسمة في العام 2010، وأشار إلى أن المكتب المركزي للإحصاء قدر عدد سكان سوريا خلال عام 2020 بنحو 22 مليوناً و515 ألف نسمة.

وتتناقض هذه الأرقام مع أرقام سابقة أصدرها المكتب المركزي للإحصاء عن تعداد السكان في سوريا، حيث قدرت بيانات المكتب المركزي أن عدد السكان في سوريا وفقاً لسجلات الأحوال المدنية بداية العام 2020 بلغ 28 مليوناً و840 ألفاً.

وفي 7 تشرين الثاني 2022، أكد المكتب المركزي للإحصاء أن "الساعة السكانية" في سوريا هذا اليوم تشير إلى أن عدد السكان بلغ 27 مليوناً و802 ألف و584 نسمة، من دون أن يوضح الآلية التي يتبعها في إحصاء أعداد السوريين، وخصوصاً أن مناطق شمال غربي وشمال شرقي سوريا خارجة عن سيطرة النظام السوري، فضلاً عن ملايين اللاجئين السوريين.

أما أعداد السكان وفق سجلات الأحوال المدنية، فقال التقرير إنه ارتفع من 24 مليوناً و504 آلاف نسمة في العام 2010، إلى 25 مليون و738 ألف نسمة في 2013، في حين انخفض الرقم إلى 14 مليوناً و992 ألف نسمة في 2015 وإلى 13 مليوناً و634 ألفاً في 2017، وتقدر بيانات المجموعة الإحصائية أن تعداد السكان المسجلين في 2019 بلغ 16 مليوناً و381 ألفاً.

وأشار التقرير إلى أن الفروقات في الأرقام بين تعداد السكان وسجلات الأحوال المدنية تعزى لعامل هجرة السوريين خارج سوريا، مشيراً إلى أن المهاجرين واللاجئين خارج سوريا وصل إلى 3 ملايين نسمة، في حين تشير الأرقام الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من 6.6 ملايين سوري لاجئ خارج سوريا.

"حراك سكاني" و"معدل سلبي" و"تشوهات عميقة"

انخفض معدل النمو السكاني في سوريا من 3.3 % خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، إلى 0.04 % بين عامي 2010 و2014، ما أدى إلى تطور حجم السكان المقيمين في البلاد من خلال التعدادات السكانية ما قبل الحرب، التي فرضت "حراكاً سكانياً" وصل إلى نحو 30 % من مجموع السكان، وفق التقرير.

وبحسب المحافظات، تطور حجم السكان بين عامي 2011 و2020، وحدث تغير كبير في توزيع السكان بحسب المحافظات نتيجة النزوح وعوامل الجذب والطرد، حيث انخفضت معدلات النمو السكاني لتصبح سلبية في المحافظات الطاردة للسكان، وارتفعت في المحافظات الجاذبة للسكان.

كما أشار التقرير إلى انخفاض معدل النمو الخام والخصوبة الكلية والزواجية نتيجة الأزمة، وعدم الاستقرار، حيث انخفضت الخصوبة الكلية من 3.6 مولود قبل العام 2011، إلى أقل من 3 مولود بعده، والخصوبة الزواجية من نحو 6 مولود قبل العام 2011 إلى نحو 5 بعده.

ونتيجة لانخفاض معدل المواليد، انخفضت نسبة الأطفال في الفئة العمرية من 0 حتى 4 سنوات، والشباب في الفئة من 14 حتى 49 سنة، نتيجة الوفيات والهجرة الخارجية، ما انعكس على التركيب العمري في جميع المحافظات الجاذبة والطاردة.

ولفت التقرير إلى أن أهم الانعكاسات الديمغرافية المباشرة للحرب حدوث "تشوهات عميقة" في بنية السكان العمرية والجنسوية، وتوزعهم الجغرافي بين المحافظات، مشيراً إلى ارتفاع النمو السكاني لمحافظات دمشق وريف دمشق وطرطوس واللاذقية، كونها محافظات جاذبة، واستمر توارد النازحين إليها بين 2010 و2015، في حين جاءت حلب في المرتبة الأولى من حيث العدد الأكبر من النازحين واللاجئين إلى المحافظات والدول المجاورة.

كما قال التقرير إن معدل النمو السلبي لعدد السكان استمر رغم انخفاضه من ناقص 28.2 % بين عامي 2010 و2014 إلى ناقص 0.81 % بين عامي 2014 و2020.

تزايد العزّاب وارتفاع الزواج المبكر

وارتفعت نسبة العزوبية بين الشباب، الذكور والإناث، وتفاوتت نسبها بين المحافظات، وفي العام 2018، كانت النسبة الأعلى في محافظات طرطوس ودرعا وحماة وحلب بنحو 47 %، وأقلها في محافظة السويداء 40.4 %، بسبب ظروف الحرب وارتفاع تكاليف المعيشة والزواج وأجور المساكن وصعوبة تأمين فرص العمل.

في مقابل ذلك، بلغت نسبة الزواج المبكر، دون سن 18 عاماً، نحو 24 % على مستوى سوريا، وتفاوتت النسب بين المحافظات، كانت أعلاها في محافظات ريف دمشق وحلب ودرعا تجاوزت 26 %، وأقلها في محافظات طرطوس واللاذقية والسويداء وحمص أقل من 18 %.

"المجموعات الإرهابية المسلحة" سبب تراجع المؤشرات الصحية

يقول التقرير "للحرب دور ملحوظ في التراجع الكبير في المؤشرات الصحية عما كانت عليه قبلها"، مشيراً إلى أن "الاستهداف الممنهج للمجموعات الإرهابية المسلحة أدى إلى خروج قسم كبير من المرافق الصحية عن الخدمة، وغيرها من الخسائر بالتجهيزات والبنى التحتية، وعودة كثير من الأوبئة مثل شلل الأطفال".

وفي أرقام المؤشرات الصحية، ارتفعت نسبة وفيات الأطفال من 9.17 بالألف إلى 27 بالألف، بين عامي 2010 و2015، ثم عاودت الانخفاض في العام 2018 إلى 7.18 بالألف.

وبمقارنة هذا المعدل بين المحافظات، كانت النسبة الأعلى في محافظات درعا والقنيطرة والحسكة، والنسبة الأقل في محافظات حماة ودمشق.

وفي الفترة نفسها، ارتفعت وفيات الأطفال دون سن الخمس سنوات من 4.21 بالألف إلى 32 بالألف، وانخفضت في العام 2018 إلى 7.23 بالألف.

وارتفعت نسب وفيات الأمهات بشكل بسيط من 52 لكل مئة ألف والدة حية في العام 2010، إلى 62 في العام 2018، بسبب صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية، في حين انخفضت الولادات تحت إشراف طبي من 96.2 % في العام 2010 إلى 87 في العام 2018.

الانعكاسات الاقتصادية للحرب على السكان

وعن الانعكاسات الاقتصادية للحرب على حالة السكان في سوريا، قال التقرير إن الإنفاق على تكوين الموارد البشرية تراجع، خاصة في مجالي التعليم والصحة، حيث تراجع الإنفاق على التعليم في أثناء الحرب من 5 % إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين انخفض الإنفاق على الصحة إلى النصف.

وأعاد التقرير الأسباب إلى خروج عدد من المؤسسات التعليمية والصحية خارج الخدمة، وتوقف عدد كبير من المشاريع العامة والخاصة ومشاريع التعاون مع المنظمات الدولية والجهات الملحقة، وانخفاض معدلات التلقيح إلى 70 %.

وتراجعت حصة الفرد من الناتج الحقيقي منذ العام 2012 إلى أقل من النصف مما كانت عليه قبل الحرب، نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع الأسعار، مما أثر سلباً على مستوى المعيشة وتراجع الأجور الحقيقية وتراجع حصة العمل من الناتج المحلي لتصل إلى 26 %، وانخفض نمو القوة البشرية، وارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى مستويات قياسية وخصوصاً فئة الشباب.

وأظهر التحليل الاجتماعي لسوق العمل استمرار انخفاض مشاركة المرأة في قوة العمل، على الرغم من ارتفاع من 14 % إلى 23 %، وضعف التكوين والتركيب التعليمي والمهني للقوة البشرية.

كما أشار التقرير إلى أن عدة ظواهر كانت آخذة بالاندثار مثل التسرب المدرسي، وعمالة الأطفال، والزواج المبكر، تعاود ظهورها وانتشارها، وأرخت بتداعياتها السلبية على حالة ودينامية السكان خلال سنوات الحرب، بالإضافة إلى ما أفرزته الحرب من ظواهر سكانية لم تكن موجودة، مثل النزوح وخطر تحوله إلى انزياحات سكانية تعمق الخلل في التوزع السكاني - الجغرافي للسكان في سوريا.

من أعد التقرير؟

أعد التقرير من الجانب السوري الخبير عصام الشيخ أوغلي، وهو أستاذ جامعي وباحث متخصص بقضايا الإحصاء والسكان منذ العام 2000، ويشغل حالياً منصب مدير الإسكان والقوى العاملة في هيئة تخطيط الدولة التابعة لرئاسة حكومة النظام السوري.

انتخب أوغلي في العام 2015 عضواً في جمعية العلوم الاقتصادية، التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي، ويعرفها المتابعون للشأن الاقتصادي السوري من خلال ندوة "الثلاثاء الاقتصادي" منذ العام 1980.

أما من الجانب الأممي، فشارك في إعداد التقرير الدكتور فرانسواه فرح، وهو خبير أممي، حاصل على درجة الدكتوراه في الديموغرافيا الاجتماعية من جامعة السوربون الفرنسية في العام 1979.

عمل أستاذاً مشاركاً في الجامعات اللبنانية، ودرس في عدد من كلياتها، ويعمل حالياً مستشاراً تقنياً في منظمة العمل الدولية في مسح الظروف المعيشية للقوى العاملة والأسر في لبنان.

للاطلاع على التقرير كاملاً هنا.