تقاطعات الشرق الأوسط ما بعد فيينا

2022.04.14 | 06:39 دمشق

thumbs_b_c_c4d144cd3d68f59d27bf42a3bb098d63.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدو منطقة الشرق الأوسط وكأنها تتحضر لتطورات كبيرة سترسي متغيرات على المستويات السياسية والاستراتيجية. ففي ظل استمرار الكباش الإيراني الأميركي حول الاتفاق النووي، وصدور مواقف متعددة من قبل مسؤولين أميركيين ودوليين تشير إلى صعوبة توقيع الاتفاق، تبدو القوى الإقليمية في عملية تحشيد قواها وتجميع عسكرها بانتظار هذه المتغيرات. كل طرف سيحاول أن يفرض الوقائع التي تصب في مصلحته. لذلك ستكون المنطقة مقبلة على جملة من الأحداث أو السياقات السياسية التي ستشير إلى مثل هذه التغييرات، خاصة أن كل طرف يضع سلّم أولوياته.  

بدأ التسارع في تلك الحركة الإقليمية والدولية منذ زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات. كان ذلك يندرج في خانة السعي إلى استعادة دور عربي في سوريا من خلال إرساء توازنات معينة أولاً بالمعنى السياسي وثانياً بالمعنى الواقعي على الأرض بحال تم اللجوء إلى فكرة مستقبلية لاحقاً تتعلق بإرسال قوات عربية لتتمتع بنفوذ واضح على الجغرافيا السورية تحسباً لأي انسحاب أميركي مثلاً.

وقبل زيارة الأسد تتحدث بعض المعلومات عن لقاء جمعه بأمين عام حزب الله حسن نصر الله في دمشق، لتنسيق المواقف واستشراف المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الجميع يستشرف المتغيرات، ولا أحد يريد الدخول في حرب مفتوحة، وهناك سعي واضح أيضاً من قبل الإيرانيين إلى تثبيت مواقعهم.

كل هذه المتغيرات ترتبط بتطورات المفاوضات حول الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، اتفاق شبه ناجز بالمعنى التقني لكنه ينتظر قراراً سياسياً لا تزال مقومات اتخاذه غير متوفرة. ولكن كل طرف من الأطراف الإقليمية يسعى لتجميع أكبر كم من الأوراق لديه تحسباً للحظة حصول الاتفاق لأنه ما بعده، ستفتح معارك سياسية جديدة حول تثبيت كل طرف لنفوذه في المعادلة، لا سيما أن الاتفاق النووي لا يشمل ترتيبات الوضع الإقليمي فيما دول المنطقة لن ترضى بأن يتم تسليم إيران بإدارة شؤونهم أو التسليم لها بنفوذها المطلق.

يأتي ذلك على وقع حصول متغيرات كبيرة على الساحة الدولية بما يتعلق بالعلاقات بين الدول وخصوصاً بين الحلفاء، على غرار التوتر الحاصل في العلاقات السعودية الأميركية لمجموعة أسباب أولها ما يعتبره السعوديون تخلياً أميركياً عن موجبات التحالف، وثانياً الحماسة الأميركية للذهاب إلى اتفاق مع إيران بدون رعاية مصالح الحلفاء، وهذا له انعكاساته على سوق النفط وعلى تغيير مسرح التحالفات على ساحة الشرق الأوسط.

بدأ التسارع في تلك الحركة الإقليمية والدولية منذ زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات. كان ذلك يندرج في خانة السعي إلى استعادة دور عربي في سوريا من خلال إرساء توازنات معينة أولاً بالمعنى السياسي وثانياً بالمعنى الواقعي

من هنا بدأت السعودية حركة سياسية انقلابية على صعيد علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، بدأ ذلك في مصر من خلال التلاقي السعودي الإماراتي القطري على توفير كل مقومات الدعم لها مالياً، ليستكمل المسار في اليمن من خلال التخلي عن عبد ربه منصور هادي وتشكيل مجلس رئاسي انتقالي يتم فيه وللمرة الأولى منذ العام 2015 جمع قوى متناقضة ومتعددة بينهم آل صالح، وآل الأحمر والعشائر والقبائل من الجنوب والشمال وحزب الإصلاح لتشكيل توازن سياسي وواقعي على الأرض في مواجهة الحوثيين سياسياً، وبذلك تكون السعودية وبناء على تقاطع مصالح وتنسيق مع الإمارات وتركيا وغيرهما قد تمكنت من قلب المعادلة وتشكيل قوة قادرة على تشكيل عناصر التوازن مع الحوثيين ومواجهتهم سياسياً وعسكرياً إن اقتضى الأمر.

تزامنت هذه الخطوات مع قرار دول الخليج بإعادة فتح علاقاتها وسفاراتها مع لبنان، من ضمن سياق واضح قبل الانتخابات النيابية والهدف إعادة إثبات الحضور على الساحة اللبنانية وتجميع الحلفاء لتشكيل قوة توازن سياسي قبل الانتخابات تمهيداً للمرحلة المقبلة. هذا أيضاً لا ينفصل عن المتغيرات التي حصلت في الائتلاف الوطني السوري المعارض من خلال التخلي عن بعض الشخصيات وإعادة تشكيله من جديد على أن تكون الخطوة التالية وضع مسار عمل سياسي واضح له أيضاً بناء على مقومات التنسيق بين قوى إقليمية فاعلة لتشكيل عنصر توازن سياسي جديد في سوريا من خلال المساعي لجمع مكونات المعارضة السورية.

لا تنفصل هذه المسارات، عن مسار إصلاح العلاقات التركية السعودية بعد المسار الذي سلكته أنقرة في تعزيز علاقاتها على الساحة الشرق أوسطية، أو في أوراسيا من خلال دورها في أذربيجان، كازاخستان، وأوكرانيا أيضاً عبر استضافتها للحوار الروسي الأوكراني. كما أن تركيا عملت على تحسين علاقاتها مع الإمارات ومصر وإسرائيل على وقع كل هذه التحولات العالمية، ستستكمل تركيا مسارها في إصلاح العلاقة مع المملكة العربية السعودية وهذا سيتجلى في الزيارة التي سيجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية خلال عيد الفطر ولقاء الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان بما ستتضمنه هذه الزيارة من اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وسياسية سيكون لها حتماً انعكاس على الوضع العام في المنطقة. بناء على كل هذه المعطيات يتضح أن الشرق الأوسط يتجه إلى مرحلة جديدة من مراحل إعادة تشكله سياسياً للدخول في مرحلة فرز سياسي جديد يرسي توازنات جديدة.