تفكيك شيفرات "ردع العدوان"

2024.11.30 | 13:33 دمشق

آخر تحديث: 30.11.2024 | 18:59 دمشق

52222224
+A
حجم الخط
-A

بعد تململٍ مصحوبٍ بكثير من الانتقادات حول أسباب هذا التريث في مواجهة الاعتداءات شبه اليومية على سكان إدلب وجوارها من قبل النظام وداعميه، تحركت فصائل المعارضة السورية للرد تحت يافطة واحدة جامعة: "ردع العدوان".

المُعلن رسميًا حول أهداف العملية هو "كبح جماح النظام الذي يهدد ببدء عمل عسكري على محافظة إدلب، ويصعّد القصف عليها بالمدفعية والصواريخ والطائرات الملغمة".

هي إذًا عملية ردٍّ استباقيٍّ محدودٍ من خلال القراءة الأولية. لكن التحضيرات العسكرية من خلال إنشاء غرف عمليات عسكرية وسياسية وإعلامية وخدماتية مشتركة، إلى جانب نوعية الأسلحة المستخدمة والجهوزية القتالية العالية ثم التقدم باتجاه حلب وسراقب، تقول أكثر من ذلك.

لافتٌ طبعًا أن يأتي التحرك بعد قرار وقف إطلاق النار على جبهة جنوبي لبنان، وبعد تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان يعلن فيها أن أولويات إيران في سوريا لا تشمل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وأن "منصة الأستانا لعبت دورًا مهمًا على طريق التهدئة لكنها لم تعد صالحة لتفعيل الحوار السياسي وتسريعه. ولا بد من بدائل أخرى سنلجأ إليها عندما لا نصل إلى نتيجة مع النظام" في إطار البحث عن منصة إقليمية جديدة.

قد يختار بعضهم رمي الكرة بالكامل في الملعب التركي تحت عنوان أن تركيا تردّ على تجاهل الأسد دعوات التطبيع. وقد يتغاضى بعضهم عن حالة الغضب الشديد التي تراود النظام في دمشق وحليفه الإيراني، واتهاماتهما لأنقرة بدعم التحرك العسكري الأخير لفصائل المعارضة السورية على أكثر من جبهة بهدف تغيير التوازنات السياسية والعسكرية في المشهد السوري. لكن أنقرة اكتفت بالرد رسميًا وبعد 3 أيام من انطلاق العملية العسكرية وعلى لسان الناطق باسم الخارجية التركي السفير أونجو كشلي عبر حسابه على تويتر: "حذرنا من أن الهجمات الأخيرة على إدلب وصلت إلى مستوى يقوض روح وتنفيذ اتفاقات أستانا"، مع التأكيد على أهمية منع حدوث المزيد من الاضطرابات الكبيرة وحماية المدنيين بالنسبة لتركيا".

رسائل هادئة نسبيًا باتجاه دمشق وموسكو وطهران، لكنها غير مقنعة لهذا التحالف الثلاثي الذي يحاول استيعاب الصدمة ومعرفة ما يجري من حوله.

ليس من حق أي طرف تجاهل أسباب الوصول إلى هذا القرار الاستراتيجي الذي كان ينتظره ويعول عليه الملايين من السوريين، والذي كانت أولى ترجماته توحيد صفوف قوى المعارضة السورية وإعلان ساعة الصفر على هذا النحو المفاجئ. هناك انسداد سياسي مزمن في المشهد السوري؛ النظام يناور للبقاء على كرسي الحكم، وتركيا تريد حسم ملفات اللجوء وأمن حدودها الجنوبية.

هناك متغيرات إقليمية متلاحقة كان آخرها تطورات المشهد في لبنان وقبول حزب الله التخلي عن ربط الجبهات وترك غزة وحيدة من جديد. وهناك تفاهمات إقليمية على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة خصوصًا في لبنان وسوريا. وهناك عامل ترمب الذي يستعد للملف السوري. فكان لا بد لقوى المعارضة السورية أن تقول بعض ما عندها هي الأخرى بعد انتظار طويل.

تسعى إسرائيل إلى دور روسي في منع تسليح حزب الله عبر الأراضي السورية، وإلى تعزيز التعاون مع روسيا والولايات المتحدة بهدف الحد من نفوذه هو وإيران في سوريا.

لو لم يكشف لنا الإعلام الإيراني والمحسوب عليه عربيًا، إلى جانب بعض التحليلات السورية الصادرة عن أصوات مقربة من النظام في دمشق "هذه المعلومة"، لما كنا سنتعرف إلى وجود تنسيق إقليمي يتآمر على طهران في سوريا! خيبة الأمل التي تعيشها طهران والميليشيات المحسوبة عليها في سوريا أكبر بكثير من الحالة النفسية التي سيعاني منها من راهن عليها في دمشق.

المتبقي بيدها بعد التموضع العسكري لمجموعات حزب الله وانتقالها من سوريا إلى جنوبي لبنان هو الميليشيات القادمة من العراق، عديمة الخبرة، والتمسك بورقة وجود اصطفافات ضدها في الإقليم. مع أن موسكو هي التي تتجاهل ما يجري في شمالي سوريا حتى الآن، وهي التي استقبلت وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، قبل أسبوعين، إذ تسعى إسرائيل إلى دور روسي في منع تسليح حزب الله عبر الأراضي السورية، وإلى تعزيز التعاون مع روسيا والولايات المتحدة بهدف الحد من نفوذه هو وإيران في سوريا.

لقد اكتشفت إسرائيل مدى استعداد روسيا للتعاون، خصوصًا أن الوزير ديرمر غادر موسكو باتجاه واشنطن لنقل نتائج محادثاته مع الكرملين.

إذا ما تقدمت السيناريوهات بهذا الشكل على خط لبنان وسوريا، فهي قد تفتح الطريق أمام تحولات كبيرة في الملفين، وهو ما قد يرضي أكثر من لاعب محلي وإقليمي.

لا استغراب إذا ما قررت طهران بعد أيام التخلي عن مقولة المؤامرة الإقليمية ضدها والذهاب وراء استهداف حليفها السوري، الذي قد تحمله مسؤولية المشاركة في المؤامرة، بسبب تغاضيه عن الهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد أهداف إيرانية في سوريا، والالتزام بالطلب الإسرائيلي قطع خطوط الإمداد عن حزب الله عبر سوريا، وخداعها بالرهان على قوته العسكرية على جبهتي حلب وسراقب.

عندما كانت عناصر حزب الله تروج لصور وفيديوهات تواجدها على مقربة من أبراج المراقبة التركية، في مناطق خفض التصعيد قبل سنوات، لم تكن طهران منزعجة من ذلك، ولم يسألها بعضهم عن طريقة وصول هذه العناصر اللبنانية إلى جبهات القتال بجانب النظام لمحاربة الثوار السوريين. بعد ذلك، وعندما تلقت طهران الضربات الموجعة في سوريا ولبنان، قررت عقد الصفقة مع تل أبيب عبر واشنطن في جنوبي لبنان من دون أن تسأل عن مصير شعار واستراتيجية توحيد الجبهات وقرار تخفيف الضغوطات عن غزة. لكن عندما تحركت قوات الثورة السورية للرد، تنبهت طهران فجأة إلى حجم "المخطط الإمبريالي الصهيوني" ضدها في سوريا!

التفاهمات الإقليمية الجديدة بشقها السوري تطرح بشكل مكثف بين أكثر من عاصمة ومركز قرار إقليمي. الجميع يريد أن ينتهي هذا الملف المكلف سياسياً وأمنياً على الإقليم. وإذا ما كانت المعلومات التي تناقش حول تغيير بنية حزب الله في لبنان، باتجاه تحويله إلى حزب سياسي لبناني من دون سلاح صحيحة، فهذا السيناريو قد يواكبه سيناريوهات إقليمية تناقش موضوع "هيئة تحرير الشام" وتغيير لباسها وشعاراتها وكثير من مواقفها وأيديولوجياتها، خصوصاً بعد دخولها غرفة العمليات العسكرية المشتركة للفصائل السورية.

فهل تصل الأمور بالنسبة للجانب الأميركي مع فريق ترمب باتجاه التحرك لدفع مجموعات "قسد" نحو تغيير جذري في المواقف والشعارات والمطالب التي ترددها، خصوصاً لناحية قطع علاقاتها بحزب العمال واستعدادها للتخلي عن شماعة "داعش"، وإعادة الجغرافيا التي سيطرت عليها إلى أصحابها الحقيقيين وتسليم آبار الطاقة وعن التحكم بمداخيلها؟

إذا ما تقدمت السيناريوهات بهذا الشكل على خط لبنان وسوريا، فهي قد تفتح الطريق أمام تحولات كبيرة في الملفين، وهو ما قد يرضي أكثر من لاعب محلي وإقليمي. موسكو قد لا تعترض إذا ما نفذ ترمب وعوده في عقد الصفقات معها. وأنقرة قد تقبل بحسم موضوع الإرهاب على حدودها الجنوبية بدعم روسي أميركي.

سيناريوهات من هذا النوع لن ترضي طهران حتماً، لأنها ستكون على حسابها، وهنا قد تفكر واشنطن وموسكو بترك التعامل مع هذه المعضلة للجانب الإسرائيلي. العقبة المتبقية هي بشار الأسد وكيف سيكون مستقبله السياسي أمام سيناريوهات بهذا الاتجاه؟ "ردع العدوان" قد تساعده في البحث عن إجابة.