icon
التغطية الحية

تفجير جسر القرم المزود بـ 20 وسيلة حماية متطورة.. صفعة لبوتين في الوقت الحرج

2022.10.08 | 14:50 دمشق

تفجير جسر القرم
تفجير جسر القرم المزود بـ 20 وسيلة حماية متطورة
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

ضرب انفجار مجهول المصدر جسر "كيرتش" الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، الأمر الذي اعتبرته موسكو إعلان حرب واعتبره مستشار زيلينسكي "مجرد بداية". لكن ما حدث فجر اليوم حذّر منه المتحدث باسم القوات المسلحة اللاتفية النقيب جانيس سليديتش قبل خمسة أشهر تماماً، وحينئذ شكّل حديثه صدمة لدى الأوكرانيين، فكيف يمكن لدولة حليفة لأوكرانيا أن تسرب معلومات مثل هذه على الإعلام؟!

وأعلنت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب أن شاحنة ملغمة انفجرت على الجسر في الساعة 06:07 بتوقيت موسكو اليوم [03:07 بتوقيت جرينتش]، وتسبب الانفجار باشتعال النيران في سبع خزانات وقود لقطار كان في طريقه إلى شبه جزيرة القرم، ودمار جزئي في مساري عبور السيارات.

 

وحمّل رئيس مجلس ولاية القرم، الجانب الأوكراني المسؤولية عن الحادث، وفق ما نقلت وكالة "تاس" الروسية.

وقال مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في تغريدة على تويتر: "تفجير جسر القرم هو البداية ويجب تدمير كل شيء غير شرعي"، لكن المستشار لم يعلن مسؤولية أوكرانيا عن التفجير بشكل مباشر.

من جانبه اعتبر نائب رئيس مجلس الدوما، أن "العمل الإرهابي" الذي استهدف جسر القرم بمنزلة إعلان حرب، على حد تعبيره.

وأعلن الكرملين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بتشكيل لجنة حكومية للتحقيق في حادثة الجسر.

جسر محمي بـ 20 وسيلة.. عملية مخابراتية أم هجوم عسكري؟

وقبل خمسة أشهر تماماً قال المتحدث باسم القوات المسلحة اللاتفية، النقيب جانيس سليديتش في لقاء صحفي: "ظهرت معلومات تفيد بأن أوكرانيا تخطط لضرب جسر القرم في التاسع من أيار / مايو. يجب أن يؤخذ هذا الاحتمال بعين الاعتبار، لأنه بعد عمليات التسليم من الدول الغربية، فإن أوكرانيا لديها مثل هذه الفرصة لضرب هذا الجسر المهم استراتيجياً للغاية حيث تتلقى روسيا إمدادات من أجل الاتجاه الجنوبي للقوات المسلحة.. الهجوم على جسر القرم سيكون ضربة خطيرة لروسيا".

واستغرب الكثير من الأوكران هذا الإعلان من قبل لاتفيا الحليفة لهم ضد الغزو الروسي، لكن محليين وخبراء أمنيين أوضحوا أن مثل هذا الكشف ليس فضحاً لمخططات سرية بقدر ما هو  تكريس لمخاوف الروس حتى لو كان كذباً، ويندرج ضمن الحرب الإعلامية والمعنوية.

لاحقاً خرج رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أليكسي دانيلوف، في الإذاعة الأوكرانية وقال: "إذا كانت هناك فرصة للقيام بذلك، فسنفعل ذلك بالتأكيد". ثم أكد على كلامه العالم السياسي الأوكراني يوري رومانينكو بأنه "مقتنع تمامًا أن كييف ستضرب جسر القرم بالتأكيد".

وفي الـ 16 من حزيران الماضي أعلنت المخابرات العسكرية الأوكرانية أنها تلقت وثائق فنية بعنوان "بناء معبر نقل عبر مضيق كيرتش"، تحتوي على معلومات مفصلة حول التضاريس وسطح الطريق ودعامات الجسور والهياكل المضادة للانهيارات الأرضية والمخارج والبنية التحتية الكاملة لجسر "كيرتش"، ونشرت المخابرات العسكرية الأوكرانية الوثيقة على موقعها الإلكتروني.

ئءؤر
معبر نقل عبر مضيق كيرتش

وقالت المخابرات العسكرية الأوكرانية في بيانها: "يزعم رئيس الكرملين دميتري بيسكوف أن الجيش الروسي يسيطر بشكل كامل على الوضع. لكن من الصعب التعامل بجدية مع البيانات المتعلقة بالسلامة الكاملة للأشخاص غير القادرين على ضمان الحفاظ على الوثائق الفنية لمثل هذه المنشأة الاستراتيجية"

وهنا يكمن السؤال. هل يمكن لأوكرانيا بدعم غربي أن تضرب جسر "كيرتش"؟ أم أنها عملية مخابراتية بشاحنة ملغمة؟ وكيف تحمي روسيا هذا الجسر الممتد على طول 19 كيلومتراً؟

كانت أنظمة صواريخ هيمارس M142 HIMARS التي سلمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا نقطة تحول بارزة في مسار الحرب الأوكرانية، ونقلت المعركة بالنسبة للأوكران من الدفاع إلى الهجوم، ولعبت هذه المنظومة مع مجموعة عوامل عسكرية تقنية أخرى في إحراز الأوكران التقدم البري الأخير. 

صواريخ هيمارس التي يصل مداها إلى 500 كيلومتر، قادرة على الوصول إلى جسر "كيرتش". حتى قبل تسلم أوكرانيا هذه الصواريخ المتطورة من طراز أرض - أرض؛ فإن الجيش الأوكراني يمتلك صواريخ "نبتون" وهي الصواريخ التي ضربت الطراد الروسي "موسكو" (موسكفا) في البحر الأسود منتصف نيسان الفائت. فالصاروخ "نبتون" يبلغ مداه 300 كيلومتر، في حين قالت تقارير صحفية إن الأوكران أجروا تحديثات عليه لزيادة مداه، ورغم أنه مصمم لضرب السفن، إلا أنه من الناحية النظرية يمكن لـ "نبتون" ضرب هدف أكبر بحجم جسر "كيرتش". كذلك يمتلك الجيش الأوكراني صواريخ "سابسان" و"توشكا".

ئءؤر

لكن الحماية التي زودت بها روسيا جسر "كيرتش" تجعل من المستبعد ضربه بوساطة صاروخ موجه، وكذلك من المستبعد أن تقدم الولايات المتحدة على مثل هذه الخطوة، بأن تستخدم صواريخها "هيمارس" في ضرب منطقة تعتبرها موسكو منطقة روسية، وتواصل موسكو تحذيراتها منذ أيام بأن أي اعتداء على المناطق التي احتلتها من أوكرانيا سيعتبر اعتداء على روسيا. وكذلك زادت وتيرة التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية، وهذا ما يزيد من صعوبة انخراط الولايات المتحدة في هذا الهجوم المفترض على جسر "كيرتش" من خلال استخدام صواريخها الـ "هيمارس".

وزجت روسيا لحماية جسر القرم بأفواج من صواريخ الدفاع الجوي الأحدث لديها من طراز S-400، واصطفت هذه الأفواج إلى جانب منظومات Pantsir S-1 و Tor وغيرها ضمن تشكيل عملياتي يشكّل مثل قبة يبلغ قطرها 400 كيلومتر لحماية الجسر، وهذه القبة قادرة على إسقاط أي صاروخ معاد، حتى وإن كان من طراز "هيمارس".

أما الحديث عن إمكانية إرسال كييف قوات تحت الماء لتفجير الجسر، فهذا أيضاً مستبعد من الناحية النظرية لأنه يجب نقل ما لا يقل عن نصف طن من المتفجرات نحو الجسر المزود بقوارب مراقبة وأجهزة الاستشعار الإلكترونية على الدعامات، والأهم من ذلك أن الجسر مزود بنظام يدعى "المبيد الحشري"، وهو نظام يطلق موجات صوتية عند اقتراب سباح أو غواص تحت الماء على مسافة أقرب من 300 متر من الجسر، ويتم تشغيل إشارة صوتية مع طلب مغادرة المنطقة المحظورة.

وإذا لم يغير الهدف مساره واقترب أكثر من الجسر تزداد شدة الإشارة الصوتية بشكل حاد لا يستطيع الشخص تحملها. ويعاني من ألم لا يطاق في رأسه وقد يموت.

ئءر
كيف تمت عملية استهداف جسر القرم؟

ويخضع الجسر لحراسة وحدات تابعة لوزارة الداخلية الروسية على اليابسة، وهو محمي على الماء من قبل أسطول البحر الأسود وخفر السواحل التابع لخدمة الحدود التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي في الاتحاد الروسي، كما تتم حراسة الجسر من قبل لواء بحري خاص من الحرس الروسي، حيث يجري اللواء الخاص دوريات في المنطقة المائية على متن قوارب مضادة للتخريب، ويتم تسليح الأفراد بمدافع رشاشة متوسطة وقاذفات قنابل يدوية محمولة، وصواريخ مضادة للطائرات.

وتضرب منظومة الحرب الإلكترونية الروسية المتطورة "كوروسكا-4" (Krasukha-4) تشويشاً على محيط الجسر، يمنع الطائرات بدون طيار من الاقتراب حتى إلى الطرق البعيدة عن الجسر.

كل هذه الحماية متعددة الطبقات في اليابسة والبحر والجو لجسر "كيرتش" تجعل من الهجوم العسكري المباشر مستبعداً، إلا في حالة كان هنالك عملاء ساعدوا الأوكران، وربما هذا ما يفسر طلب فلاديمير بوتين بدء تحقيق بشأن الحادثة. ولذلك تميل تفسيرات الخبراء الأمنيين الذين تحدثوا لوسائل الإعلام الغربية والأوكرانية بأن العملية استخبارية تمت من خلال شاحنة ملغمة.

وقال خبير متفجرات لبي بي سي: "إن عدم وجود أضرار واضحة من جراء الانفجار / التشظي على سطح الطريق يشير إلى عدم استخدام سلاح يتم إرساله من الجو.. من المحتمل أن يكون السبب هو هجوم جيد التخطيط من الأسفل.

وتابع: "أشك في أن المتفجرات على جسر الطريق وسطح القطار تم إطلاقها في وقت واحد باستخدام أوامر لاسلكية مشفرة".

وعند مداخل جسر القرم توجد مجمعات للتفتيش مزودة بأجهزة فحص من نوع ST-6035 تابعة لقسم الأمن الإداري بوزارة النقل الروسية، والتي تقوم بفحص السيارات بحثاً عن وجود متفجرات.

والجسر الذي تبلغ قيمته 3.7 مليار دولار وبطول 19 كيلومتراً، يربط جنوبي روسيا بالأراضي التي ضمها من شبه جزيرة القرم عام 2014.

وافتتح بوتين الجسر الذي يمر عبر مضيق كيرتش عام 2018، أي بعد أربع سنوات من ضم موسكو لشبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني.

ضربة معنوية وعسكرية

بعد الحديث الأوكراني عن إمكانية ضرب جسر "كيرتش"، دأبت وسائل الإعلام الروسية المقربة من الحكومة وبوتين على طمأنة الروس بأن الجسر محمي لمواجهة حرب أكبر من التي تحدث في أوكرانيا، وتفاخر الإعلام الروسي بالمنظومات الأمنية والعسكرية التي تمتلكها روسيا وتوظفها لحماية الجسر، واليوم انقلب كل هذا الترويج السابق سماً على روسيا وبوتين، فسواء كان الهجوم ضربة عسكرية أم عملية مخابراتية، فهذا يعني اختراقاً استثنائياً وضربة معنوية وعسكرية، جاءت في الوقت الحرج الذي تتراجع فيه القوات الروسية على عدد من المحاور.

وقال المحلل والجنرال الأسترالي المتقاعد ميك رايان في سلسلة تغريدات على تويتر: "من السابق لأوانه التأكد من طريقة الهجوم ومدى تداعيات هذا الهجوم على جسر كيرتش. لكنها بالتأكيد لكمة على وجه بوتين في عيد ميلاده".

ويرى الجنرال المتقاعد ميك رايان أن "هذه العملية انتصار ذو تأثير كبير لأوكرانيا. حتى لو لم يكونوا المدبرين للعملية، فهذا التفجير يظهر للروس وبقية العالم أن الجيش الروسي لا يستطيع حماية أي من المقاطعات التي ضمها أخيراً... وسينمو عدم الثقة مجدداً بين بوتين وجيشه".

أما من الناحية العسكرية، فجسر القرم هو الممر الأهم والرئيسي الذي يربط روسيا بقواتها في جبهات أوكرانيا الجنوبية، ومنه تمر أرتال الجنود والأسلحة والذخائر، عبر القطارات والشاحنات. وجعلت روسيا من شبه جزيرة القرم نقطة تجمع رئيسية لقواتها في معارك الجنوبي الأوكراني.

ئءؤر
أهمية جسر القرم