icon
التغطية الحية

تفجير الباب.. أسباب الفشل الأمني والجهات المنفذة وأهدافها

2020.10.09 | 05:24 دمشق

55_3.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تعيش مدينة الباب أكبر مدن ريف حلب الشمالي الشرقي، أياماً قاسية بعد أن ودعت أكثر من 19 ضحية قضوا بانفجار شاحنة ملغمة استهدفت وسط المدينة وتسببت أيضاَ بإصابة العشرات من المدنيين، ليس الحزن وحده ما يخيم على أرجاء المدينة المنكوبة كما وصفها ناشطون بعد المجزرة، إنما القلق والخوف من تكرار المجزرة المروعة، ربما في سوق آخر، ووسط تجمع آخر للأبرياء من الأطفال والنساء وجموع من الفقراء الباحثين عن الرزق.

تبدو مخاوف أهالي الباب وقبلها اعزاز وعفرين وغيرها من مدن وبلدات الريف الحلبي الذي تسيطر عليه المعارضة مبررة، لأنهم باتوا على يقين بأنهم الهدف المباشر لمنفذي التفجيرات، وفي أي لحظة يمكن أن يكونوا هدفاً لأطنان من المتفجرات في مساكنهم وأسواقهم ومحالهم التجارية، وهي أهداف لطالما كان الوصول اليها سهل وما يزال لعدة أسباب، أهمها، الفشل الأمني، والانتشار الكبير لخلايا التفجيرات وحرية حركتها بفضل الدعم المالي الذي تتلقاه من الجهات المسؤولة عنها.

أثارت مجزرة الباب التساؤلات التقليدية التي تطرح عادة بعد كل تفجير، كيف يتسلل الإرهابيون إلى قلب المدن ومعهم حمولة كبيرة من المتفجرات؟ وما هي المشكلة الفعلية التي يعاني منها القطاع الأمني في المنطقة؟ وهل تبحث الجهات المسؤولة عن الأمن (الفصائل والشرطة والقضاء) عن حل لأزمة الفلتان الأمني التي تعيشها المنطقة؟ وأخيراً، يريد الناس أن يعرفوا من يستهدفهم ويقتل أبناءهم؟ ومن هي الجهات المسؤولة عن الإرهاب وما المكاسب التي ستجنيها من قتل الأبرياء؟

الواقع الأمني في مناطق سيطرة المعارضة

بدأت التفجيرات الإرهابية تستهدف مدينة الباب بريف حلب بعد فترة وجيزة من استعادة المعارضة السورية السيطرة عليها في العام 2017، وخلال العام الأول الذي تلا السيطرة كانت الفصائل المعارضة هي المسؤول المباشر على أمن المدينة التي كانت تستعيد عافيتها بعد سيطرة طويلة لتنظيم داعش فيها استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، وفي الفترة التي كانت تنتشر فيها الفصائل في قلب المدينة وأطرافها؛ كانت التفجيرات محدودة التأثير وتستهدف المقار العسكرية بشكل أكبر، والجهات المسؤولة عن التفجيرات كانت ثلاثة (تنظيم الدولة والنظام وقوات سوريا الديمقراطية).

 وتنوعت الأساليب المستخدمة في التفجيرات بين عبوات ناسفة وألغام ودراجات نارية مفخخة، وفي العام 2018 بدأت قوات الشرطة والأمن العام تتسلم تدريجياً مهامها في القطاع الأمني على حساب الفصائل والتي من المفترض أن تنسحب نحو معسكراتها وأطراف الباب وعموم التجمعات السكانية. يتمركز في مدينة الباب عدد كبير من عناصر قوات الشرطة، وتكاد المدينة وريفها تحوز على العدد الأكبر من قوات الشرطة في منطقة درع الفرات يليها اعزاز وعفرين والراعي، لكن التفجيرات استمرت، وطور المهاجمون أساليبهم وطرق التفجير بشكل يتناسب مع الواقع الأمني المستجد في المنطقة.

 

 

يمكن القول بأن المرحلة الأولى من العمليات الإرهابية التي استهدفت الباب وعموم بلدات المنطقة بعد خروج تنظيم الدولة مباشرة كانت من تنفيذ جماعات صغيرة، أو أفراد عملوا لصالح الجهات المستفيدة، وربما نفذوا تفجيراتهم بمعدات بسيطة وأجور رمزية مقارنة بما يتقاضاه منفذو التفجيرات في الوقت الحالي، وبعض عمليات الاستهداف كانت جزءا من حالة الفوضى التي عاشتها المنطقة المنهكة في ذلك الوقت، وغالباً تم تصنيع وتجهيز المتفجرات في المنطقة باعتبارها لا تكلف كثيراً، ولا تحتاج إلى معدات وكميات كبيرة من المتفجرات.

أما المرحلة الثانية المفترضة كانت أكثر دموية من ناحية كثافة التفجيرات وتوزعها والأساليب المتبعة فيها وعدد المنفذين والشبكات المسؤولة والممولة لها في الباب وعموم بلدات المنطقة، وشهدنا في المرحلة الثانية التي بدأت من العام 2018 وحتى الوقت الحالي تحولاً جذرياً في العمليات الإرهابية، حيث أصبحت أكثر تركيزاً على التجمعات المدنية وتحاول قتل أكبر عدد ممكن من الناس وبطريقة أكثر وحشية، ويختار المنفذون المواقع الأكثر ازدحاماً، وفي المناسبات أيضاَ كالأعياد، كما حصل سابقاً في اعزاز وعفرين، وفي المرحلة الثانية غالباً ما كانت السيارات والشاحنات الملغمة تعبر خطوط التماس مع قسد والنظام لتدخل مناطق المعارضة، وبالأخص تلك التي تحمل أطناناً من المتفجرات لا يمكن للمنفذين تأمينها وتجهيزها في المنطقة.

مصادر في "الجيش الوطني" قالت لموقع "تلفزيون سوريا" بأن "مقاتلي الفصائل المنتشرين في خطوط التماس مع قوات النظام في ريف حلب اكتشفوا أكثر من مرة سيارات مفخخة كانت تنوي عبور ممرات التهريب لدخول المنطقة، بعضها تم استهدافه وتفجيره، ومركبات أخرى عملت الفصائل على تفكيكها"، ولا يختلف الحال في خطوط التماس مع النظام عن تلك التي مع قسد بريف حلب، لوحظ بأن العدد الأكبر من المفخخات القادمة من مناطق قسد كانت شاحنات ومركبات مدنية ولا يعرف أصحابها إن كانت محملة بالمتفجرات، هذا النوع من المفخخات اشتهر بشكل أكبر في العامين 2018 و2019، ويجري عادة تجهيزها بدون علم مالكها الذي يسلمها للتفتيش والمعاينة في حواجز قسد في منطقة منبج ليسمح له بالدخول من المعابر نحو مناطق المعارضة بريف حلب، ويتم تفجير هذا النوع من المفخخات عن بعد.

أما العمليات المنسوبة لتنظيم الدولة اتسمت في العامين الماضيين بالمحدودية، واقتصارها على عمليات الاستهداف المباشر (عمليات الاغتيال بالرصاص الحي والعبوات الناسفة والدراجات النارية، والمتفجرات الملصقة والألغام في الطرق) وهي أساليب غير مكلفة يمكن لخلايا التنظيم استخدامها ومواصلة عملهم برغم محدودية الدعم المالي الواصل لمثل هذه الجماعات.

الناشط الإعلامي في مدينة الباب، عمار نصار، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "التحقيقات التي جرت في حوادث التفجيرات السابقة في الباب، وعلى مدى عامين على الأقل كشفت عن شبكات وأساليب تفجير متنوعة، وجاءت قسد في مقدمة الجهات المسؤولة عن التفجيرات يليها النظام ومن ثم داعش". ويؤكد نصار أن "عدداً لا بأس به من الشاحنات والمركبات الملغمة كان سائقوها ضحية، وليسوا على دراية بحمولة شاحناتهم التي قام النظام وقسد بحشوها بالمتفجرات، أما بقية التفجيرات وبحسب اعتراف منفذي التفجيرات المعتقلين لدى الشرطة كانت عبر خلايا مجندة، وهم في الغالب من فئة المراهقين، يتم استغلال وضعهم المادي وإغراؤهم بالمال من أجل القيام بالأعمال الإرهابية الموكلة إليهم".

وبحسب نصار "لدى قسد غرفة عمليات خاصة بإدارة خلايا التفجيرات في مناطق المعارضة، ومقرها منبج، وتخصص لهذه الغرفة وعملياتها ميزانية خاصة يتم من خلالها تمويل العناصر العميلة، وتأمين مستلزمات المفخخات والعبوات الناسفة من المتفجرات والمواد الأخرى الخاصة بصناعتها وتحضيرها" أما عمليات التجنيد فهي منظمة وتتم على مراحل، في بداية الأمر يطلب من المجندين لصالحها إيصال المعلومات مقابل مبالغ مادية رمزية، ويتطور الأمر الى الطلب بتنفيذ تفجير في أي مكان في مناطق المعارضة وليس من الضروري أن يستهدف نقطة عسكرية أو مدنية، ولا يوقع ضحايا، والهدف هو توريط العميل، واستخدام المقاطع المصورة لعمليته في ابتزازه لاحقاً، وإجباره على تنفيذ مهمات أكبر مقابل مبالغ مالية كبيرة".

مسؤولية المعارضة

لدى المعارضة خط تماس طويل مع قوات النظام وقسد في ريف حلب، وبرغم تأكيدات الجيش الوطني المستمرة بخصوص محاربة المهربين والممرات التي يديرونها إلا أنها ما تزال تعمل، ويمكن اعتبارها المصدر الرئيسي للمفخخات التي تستهدف المنطقة، أو على الأقل عبرها ينتقل عناصر الخلايا الأمنية وتمويل التفجيرات، تبدو مبررات الجيش الوطني بخصوص الجهود المحدودة لمحاربة التهريب منطقية بالنظر إلى طول خط التماس مع خصومها، النظام وقسد، والإمكانات المتواضعة التي تملكها لضبط ومحاربة الظاهرة.

أما في داخل مناطق سيطرة المعارضة، فتبدو مسؤولية الأجهزة الأمنية والفصائل المعارضة أكبر، ويحملها الناس جزءا كبيرا من الفلتان الأمني الحاصل، وفشلها في ملاحقة خلايا التفجيرات ومعاقبة المسؤولين عنها، وضبط الحواجز وتفتيش المركبات، ويطالبون الأجهزة الأمنية بالكشف عن الجناة وتقديمهم للقضاء لينالوا عقوبة مناسبة وليكونوا عبرة لغيرهم ممن تسول له نفسه العمل مع جماعات إرهابية.

عضو المكتب السياسي في "لواء السلام" التابع للجيش الوطني، هشام سكيف، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، بأن "هناك إرادة سياسية من روسيا والنظام عبر أدواتهم المختلفة والتي باتت مكشوفة لخلق صورة مهزوزة عن الأمن في المناطق المحررة" ويضيف سكيف: "نحن أمام خطوط تماس طويلة تعجز دولة لديها جيش ومؤسسات أمنية كبيرة عن ضبطها، فما بالك بمؤسسة أمنية وفصائل بخبرات فنية وإمكانات محدودة".

ويؤكد سكيف بأن "ممرات التهريب جريمة وظاهرة بشعة نتطلع إلى اجتثاثها أو كبحها فنحن نتعامل هنا مع خطوط طويلة ممكن أن تكون سهلية أو جبلية وممكن أن تكون شوارع وممكن أن تكون أحراشا فهذا يعطي الفرصة لكل طامع بحفنة من المال بأن يرتكب جرماً قد يذهب ضحيته أبرياء".

من جهته، قال الناشط الإعلامي، عمار نصار، أن "الفصائل على وجه التحديد تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأن مصدر المفخخات الرئيسية هو خطوط التماس التي تحرسها، وكثير من المفخخات تعبر من المعابر الرسمية ومن ممرات التهريب، وبرغم المجازر المروعة التي تتسبب بها هذه المفخخات التي يرسلها العدو إلا أن أداء الفصائل الأمني لم يتغير، وليس لديها إمكانات فعلية لإدارة معابر كهذه يستغلها العدو لتمرير آلات الموت لتنفجر وسط المدن الآهلة بالسكان، وهنا لا بد للفصائل من أن تكون على قدر المسؤولية، إما بضبط خطوط التماس وعمليات العبور بشكل أمن، أو إغلاقها كلياً لمنع تكرار التفجيرات وما ينتج عنها من مجازر مروعة.

 

المعارضة تتهم قسد

تؤكد المعارضة باستمرار بأن العمليات الإرهابية الكبيرة من النوع الذي استهدف مدينة الباب مؤخراً هي من تنفيذ جهتين رئيسيتين، النظام وقسد، وكلاهما له مصلحة بحسب ما تفترضه المعارضة من التفجيرات التي تهدف الى زعزعة استقرار مناطق المعارضة وإبقائها في حالة الفوضى وإعاقة أي خطة تنموية تحاول النهوض بالقطاعات الحيوية المؤثرة بشكل مباشر على حياة الناس ومعاشهم اليومي، حرب المفخخات والتفجيرات جزء من استراتيجية النظام وقسد ضد خصومهم، وهو تكتيك اشتهر به تنظيم الدولة منذ نشأته، في حين لم يكن للمعارضة أي تجربة في هذا المجال، سوى عمليات محدودة نفذتها سرايا لا تمثل الفصائل وسياستها العسكرية عموماً.

مدير المكتب السياسي في "فرقة المعتصم" التابعة للجيش الوطني، مصطفى سيجري، قال لموقع تلفزيون سوريا "إن ميليشيات قسد الإرهابية هي من تقف خلف الهجوم الإرهابي في مدينة الباب والذي راح ضحيته العشرات بين شهيد وجريح، هؤلاء قتلتهم قسد ودفعت لمنفذي التفجيرات من أموال النفط السوري" وأضاف سيجري "هناك محاولات دائمة من قبل إعلام العدو عبر قنواته ومنصاته في مواقع التواصل الاجتماعي والآلاف من الحسابات الوهمية التابعة له لحرف الأنظار عن المجرم الحقيقي واتهام الضحية، وقف الهجمات الإرهابية يستوجب استئصال ميليشيات قسد الإرهابية"

العقوبات الرادعة

يعتبر القضاء جزءا مهما من منظومة العمل الأمني ضد العمليات الإرهابية وملاحقة مرتكبيها والمتعاونين معهم، فإذا لم تكن هناك عقوبات قاسية يتم فرضها على مرتكبي هذا النوع من الجرائم سيبقى الباب مفتوحاً لتفجيرات جديدة وأكثر توحشاً، وسينضم مزيد من ضعاف النفوس إلى جماعات العمل الإرهابي لأنهم لا يخشون العقاب.

يقول الناشط الإعلامي، عمار نصار، لموقع "تلفزيون سوريا" بأن "عدداً كبيراً من الأحكام القضائية الصادرة بحق مرتكبي الجرائم الإرهابية والتي راح ضحيتها مئات المدنيين خلال الفترة الماضية لم يتم تنفيذها، الأحكام الصادرة هي الإعدام، ومبررات عدم التنفيذ التي تقدمها الجهات الأمنية التنفيذية يمكن تلخيصها في غياب سلطة عليا في المنطقة توقع على قرارات الإعدام، لذلك يتم الاكتفاء بعقوبة السجن، وهذه العقوبة لا تخيف المتورطين وضعاف النفوس ممن لديهم الاستعداد لقتل الناس مقابل المال".

عضو نقابة محامي حلب الأحرار، المحامي يوسف حسين، قال لموقع تلفزيون سوريا "العقوبات المفروضة على جرائم الإرهاب في حال ثبوتها هي الإعدام، لكن في منطقتنا تصدر هذه الأحكام مع وقف التنفيذ، وهذا هو دور القضاء يبقى دور السلطة التنفيذية غير القادرة على تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء حتى يتم ردع من تسول له نفسه". ويتحدث المحامي حسين عن مشاكل أخرى يعانيها "القضاء في المناطق المحررة والذي يعتبر جهازا ناشئا لا يتمتع بالاستقلالية التامة التي تجعله يطبق العدالة، إضافة إلى التدخلات العسكرية في عمله"

التفجيرات تزيد المعاناة

تؤثر حالة الفلتان الأمني والاستهداف المتكرر للأسواق التجارية بالسيارات الملغمة والتفجيرات عموماً على الحالة الاقتصادية للمناطق المستهدفة وتعرقل الجهود الرامية إلى تحسين القطاعات الخدمية والإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ويبدو أن هذا جزءاً من الأهداف التي تريد الجهات المسؤولة عن التفجيرات تحقيقها.

وزير المالية والاقتصاد في "الحكومة السورية المؤقتة"، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال لموقع تلفزيون سوريا إن "العمليات الإرهابية تقلق السكان وتضر بأشغالهم، وتضعف الحركة التجارية في المناطق المستهدفة، وهذا جزء من مخططات الجهات المسؤولية عن هذه التفجيرات الإرهابية" وبحسب الدكتور المصري، "تعتبر مدينة الباب مركزا تجاريا مهما في المناطق المحررة وقد استقبلت عشرات الآلاف من المهجرين من مختلف المناطق السورية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولا يريد النظام وقسد لها أن تعيش حالة من الاستقرار والأمن وهما العاملان المهمان للنهوض بالقطاعات الاقتصادية المحلية والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس وترفع من مستوى معيشتهم".