تفاهم إسرائيلي روسي ضد إيران في سوريا

2019.07.06 | 12:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بدت الغارات الإسرائيلية ضد أهداف لإيران وميليشياتها وأخرى تابعة للنظام فى مدينتي دمشق وحمص ليلة الأحد الإثنين وكأنها تختصر المشهد السياسي العسكري في سوريا، أو جانباً كبيراً منه أقله بعد القمة الثلاثية التي عقدت الأسبوع الماضي في القدس المحتلة وضمت مستشاري الأمن القومي في كل من إسرائيل أمريكا وروسيا، الغارات الليلية كانت قصيرة ورغم أنها لم تستمر سوى دقائق، إلا أنها اعتبرت الأوسع والأقسى منذ عام تقريباً، أي منذ أيار 2018 واستهدفت ما ببن 10 إلى 12 هدفاً لإيران وميليشياتها مستترة ضمن مواقع النظام وأوقعت قتلى مدنيين على عكس غارات وهجمات سابقة التي أوقعت أيضاً قتلى، لكن في صفوف إيران وميليشياتها ومقاتلي النظام المتعاونين معهم.

للتذكير فإن غارات أيار من العام الماضي استمرت لساعات واستهدفت عشرات المواقع والأهداف الإيرانية وجرت ردّاً على إطلاق إيران صاروخين باتجاه مواقع الاحتلال الإسرائيلي في الجولان المحتلة - اعترضتهم منظومة القبة الحديدية - وكانت اعتبرت الأوسع والأقسى ضد ما تصفه تل أبيب بالتموضع الإيراني، وكما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الثلاثاء الماضى فإنها دمرت 70 بالمئة من البنى التحتية الإيرانية في سوريا، بينما تكفلت غارات الأسبوع الماضي بتدمير الـ30 بالمئة الباقية.

غارات العام الماضي جاءت إذن ردّاً على صاروخين إيرانيين وكانت قد حضرت مسبقاً - تل أبيب توقعت أو علمت  مسبقاً بالردّ الإيراني - بينما لم يكن ثمة سبب محدد مباشر لغارات الأسبوع الماضي

غارات العام الماضي جاءت إذن ردّاً على صاروخين إيرانيين وكانت قد حضرت مسبقاً - تل أبيب توقعت أو علمت  مسبقاً بالردّ الإيراني - بينما لم يكن ثمة سبب محدد مباشر لغارات الأسبوع الماضي التي بدت من حيث الشكل وكأنها تعبير مباشر وقاسٍ عن التفاهمات والتوافقات التي خرجت بها القمة الأمنية الثلاثية ويمكن اختصارها بالتوافق المبدئي على إخراج إيران من سوريا دون تحديد التفاصيل والآليات، مع دعم روسيا للغارات الإسرائيلية التي تمنع إيران من التموضع الاستراتيجي إلى حين إيجاد الحلول والسبل لإخراجها نهائياً بشكل كامل.

 من هنا فإن الصمت الروسي تجاه الغارات كان مدوياً، فالتصريحات جاءت خجولة جدّاً حتى أن وزير الخارجية سيرغى لافروف المنظر والمتفلسف دائماً، اكتفى بالحديث باقتضاب شديد عن دراسة ما جرى مع مطالبة عامة باحترام القوانين الدولية، والسعي لتقييم العمل انطلاقاً من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إلا أن أليكس فيشمان محلل يديعوت العسكري ذهب إلى أبعد من ذلك مشيراً إلى تنسيق وحتى تواطؤ روسيا في الغارات التي نفذ جزء منها من ناحية البحر المتوسط. وهذا ما يفسر برأيه سقوط شظايا الصاروخ المضاد الذى أطلقته دفاعات النظام في شمال قبرص التركية، وهو أي فيشمان يعتقد أن من المستحيل عملياً التحرك انطلاقاً من أجواء المتوسط دون معرفة أو موافقة مسبقة من قواعد الاحتلال الروسي في اللاذقية.

هذا الصاروخ تحديداً أكثر ما يشرح أو بالأحرى يفضح ردّ فعل النظام الشكلي والضعيف كون روسيا لا تسمح حتى الآن بتشغيل منظومة إس إس 300 المتطورة رغم الإعلان عن نشرها فى سوريا منذ أيلول الماضي أي منذ عام، وكما قلنا هنا فالإعلان الروسي كان نظرياً سياسياً إعلامياً فقط موجهاً لتل أبيب وواشنطن، لذلك يعمد النظام إلى استخدام صواريخ إس 200 القديمة وبشكل عشوائي، كما العادة دون أي خطة أو تكتيك محدد للدفاع، أو حتى نية في إيقاع الأذى بالطائرات. والصواريخ المهاجمة.

من هنا يمكن القول ببساطة أنها مضادات وصواريخ رفع العتب، خاصة مع فقدان النظام للحيلة- الذى لا وزن ولا قيمة له كما وصفه عن حق القيادي في حماس نايف الرجوب - ومعرفته بل يقينه من موافقة وحتى تواطؤ الروس في الغارات الإسرائيلية.

الصحف الإسرائيلية ومعلقوها العسكريون وثيقوا الصلة بالمؤسسة الأمنية تحدثوا عن أمر لافت جداً مفاده أن روسيا تحمي النظام وليس الدولة السورية، وهذا غير قادر على حماية نفسه بنفسه، وبالتالي حماية ايران وميلشياتها الذين منعوا أو بالأحرى أخّروا سقوطه الحتمي فى كل الأحوال.

ليس النظام فقط بل إنهم هم أنفسهم أي إيران وميلشياتها، عاجزين عن الرد على الغارات الإسرائيلية المتتالية المستمرة، رغم الضجيج الإعلامي والتبجح بمعاداة إسرائيل والاستعداد للحرب معها، لإزالتها من الوجود ليس فى أيام وساعات بل حتى فى دقائق فقط .

لا بأس من التذكير طبعاً أن إسرائيل استغلت القمة الثلاثية الأخيرة والأجواء الإقليمية لتنفيذ الغارات وممارسة مزيد من الضغط على إيران وأذرعها لنيل مزيد من الشرعية

غير أن الأهم في تحليلات الصحافة الإسرائيلية كانت الاشارة إلى أن إيران خففت فعلاً من وجودها العسكري فى سوريا لعدة أسباب وعوامل داخلية وخارجية منها الأزمة الاقتصادية والانتقادات الداخلية للانتشار، والتورط الخارجي، كما الخسائر البشرية - مئتا قتيل على الأقل - والمادية طبعاً جراء الغارات الإسرائيلية المتتالية، واكتفت بالاعتماد على ذراعها الإقليمي المركزي حزب الله من خلال مواقع جيش النظام نفسه الذي تحميه روسيا من السقوط، لكن لا تمنع إسرائيل من قصف قواعده التي يسمح فيها كرهاً أو طوعاً لإيران وذراعها بالانتشار والتواجد فيها.

لا بأس من التذكير طبعاً أن إسرائيل استغلت القمة الثلاثية الأخيرة والأجواء الإقليمية لتنفيذ الغارات وممارسة مزيد من الضغط على إيران وأذرعها لنيل مزيد من الشرعية، وفرض نفسها كلاعب في سوريا والمنطقة وتكريس فكرة أن الخطر على الاستقرار الإقليمي يأتى فقط من الاحتلال، والسياسات التوسعية الإيرانية، وليس من ممارسات إسرائيل نفسها واحتلالها لفلسطين والأراضى السورية في الجولان ومزارع شبعا.

عموماً فإن الغارات الأخيرة –كما القمة الأمنية الثلاثية في القدس المحتلة- أكدت التماهي والتفاهم الروسي التام مع إسرائيل، التي تتولى منع تموضع إيران بالمعنى الاستراتيجي، تحت سمع وبصر الاحتلال الروسي وقواعده ومنظوماته الصاروخية ،والمفارقة أن اسرائيل بدورها تحولت إلى وسيط، أو نقطة تلاقٍ بين موسكو وواشنطن على طريق إخراج إيران نهائياً من سوريا، لكن دون التوافق حتى الآن على التقاصيل بانتظار مآلات الصراع المحتدم الآن في الخليج والمنطقة لإعادة إيران إلى حجمها، بعدما تمددت وتوسعت بضوء أخضر أمريكي فى العراق، بينما بدأ المشهد معقداً أكثر في سوريا، حيث استنجدت إيران بالاحتلال الروسي لحماية النظام، فسعت موسكو للحفاظ على مصالحها بالتفاهم مباشرة مع إسرائيل وتغطية غاراتها وهجماتها، بل التواطؤ معها كما جرى الأحد الماضي لإضعاف وتحجيم إيران، وإخراجها نهائياً بعد ذلك، لكن ضمن تفاهم آخر مع أمريكا لم تتضح معالمه بعد.