icon
التغطية الحية

تفاصيل تنشر لأول مرة.. من هو صاحب المنزل الذي قُتل فيه البغدادي؟

2019.10.28 | 19:52 دمشق

20191028_2_39027986_48929742.jpg
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

هبطت أولى الطائرات المروحية الأميركية في المنزل الذي كان فيه البغدادي زعيم تنظيم الدولة، وعلى الفور نادى الجنود "أبو محمد سلامة سلم حالك"، ومع شروق شمس يوم الأحد وبعد ساعات من المعركة الغامضة، بدأت الأخبار العاجلة تكتسح كل وسائل الإعلام، لينتاب الجيران صدمة كبيرة بأن البغدادي كان موجوداً في بيت "أبو محمد"، الذي كان بالنسبة لهم شخصاً عادياً جداً.

وشكل موقع قتل البغدادي صدمة لمعظم سكان المحافظة، وبعد عشرات التساؤلات، ظهر ترمب ليروي مجريات العملية السرية، بكثير من التفاصيل، ويؤكد أن البغدادي مات في نفق مغلق بعد أن فجر نفسه.

زار مراسل تلفزيون سوريا، موقع العملية الذي أصبح ركاماً بعد الغارات المدمرة، وتحدث إلى جيران أبو محمد سلامة، بحثاً عن إجابات حول ما جرى، ومَن هو "سلامة".

قال أحد المقاولين في بلدة باريشا لمراسل تلفزيون سوريا، بأن أبا محمد سلامة جاء في أواخر عام 2017 مع أحد أصحاب المكاتب العقارية وطلب شراء المنزل، وعندما سأله عن اسمه ومن أين هو، أخبره أبو محمد بأن اسمه سلام حاج ديب وهو نازح من مدينة حلب من حي الشعار، وفي الأصل هو من سكان حي القطانة، ومواليده 1980.

باع المقاول لأبي محمد المنزل الذي تبلع مساحته 277 متراً مربعاً، مع قطعة الأرض المحيطة به ومساحتها 1000 متر مربع، وكان المنزل على الهيكل دون إكساء، وطلب أبو محمد من صاحب البيت القديم (المقاول)، أن يُكمل عملية الانتهاء من إعمار المنزل وتجهيزه، لكن المقاول رفض ذلك، وأكمل أبو محمد إعمار المنزل باستخدام نفس الورشات التي كانت تعمل به مع إجراء بعض التعديلات حيث حول قسماً من الشرفات الكثيرة إلى غرف وأصبح المنزل يتألف من 5 غرف، وبنى جداراً في محيط المنزل وباحته بارتفاع 3 أمتار. وبعد أن جهّز أبو محمد منزله، أقام وليمة ودعا إليها جيرانه جميعاً.

 

 

وبحسب المعلومات التي قدمها جيران أبو محمد لتلفزيون سوريا، فإن أبا محمد أخبرهم بأنه كان يسكن قبل وصوله إلى باريشا في قرية حتّان المجاورة، وأن لديه أخاً في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي.

يصف المقاول أبا محمد بأنه رجل كريم وطيب وبسيط ومنعزل قليلاً، ناصح ذو بشرة بيضاء ولحية قصيرة، يعمل في تجارة المواد الغذائية، ولديه شاب يبلغ من العمر 17 عاماً، طويل وأشقر ناصح قليلاً اسمه محمد، ولديه طفلان صغيران، وزوجة واحدة.

وحول الأنفاق التي تحدث عنها ترمب، أكد المقاول في حديثه لتلفزيون سوريا، بأن المنزل لم يحتوِ على أنفاق أبداً، وهو متأكد لأن جميع من عمل في بناء المنزل وكل الورشات كانوا من أبناء القرية وهم نفسهم الورشات التي كانت تعمل في المنزل قبل أن يشتريه أبو محمد.

لكن المقاول لفت إلى أن المنزل كان يحتوي على بئر لتجميع مياه الأمطار بعمق 4 أمتار، وكذلك خزان مياه أسفل المنزل أبعاده متران ونصف و3 أمتار و4 أمتار.

وبحسب تأكيدات المقاول، فإن أبا محمد لم يكن لديه أي علاقة بأي فصيل، وهو يخرج من منزله بسيارته إلى عمله في المدن القريبة مثل سرمدا وسلقين ويعود مساءً، ويمر من أمامنا ويرمي علينا السلام ويكمل طريقه.

وحصل تلفزيون سوريا على رقم هاتف أبي محمد سلامة، وهو رقم سوري، في حين كان رقمه الواتساب رقماً مغربياً، لكن من الشائع نوعاً ما أن يشتري بعض الأهالي في إدلب أرقاماً وهمية يتم بيعها على الإنترنت، لإنشاء حساب على الواتساب دون الحصول على شريحة SIM.

وكان الظهور الأخير لأبي محمد سلامة على الواتساب في الساعة التاسعة و 40 دقيقة تماماً من ليل يوم السبت، أي قبل وصول الطائرات الأميركية بساعة واحدة تقريباً.

 

رواية الراعي: ما الذي حصل منذ وصول المروحيات إلى المنزل؟

يروي أحد النازحين (رفض تصوير وجهه وإعطاء اسمه) ويعمل راعياً، والذي يمتلك خيمة نصبها على بعد أقل من 10 أمتار من مدخل منزل أبي محمد لتلفزيون سوريا، بأنه وفي نحو الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل، سُمع في الأجواء صوت مروحيات تطير على علو منخفض جداً، وعندما وصلت المروحيات إلى المنزل أخذ الراعي عائلته وعائلة أخيه وبدأ بالهرب، لكن الجنود صرخوا عليهم وطلبوا منهم التوقف باللغة العربية.

وشاهد الراعي وأخوه نحو 20-30 جندياً بينما كان يتكلم معهم جنود عرب بلهجة سعودية أو أردنية، وعلى الفور وضع الجنود القيود بأيديهم، وبدؤوا التحقيق معهم وسؤالهم عن صاحب المنزل أبي محمد فيما إذا كانوا يعرفونه أو يعيشون معه وما نوع سيارته.

أكد الراعي وأخوه للجنود بأنهم لا يوجد بينهم وبين صاحب المنزل أي صلة وأنَّ اسمه أبو محمد ويملك سيارة من نوع هونداي زرقاء اللون.

 

 

في هذه الأثناء تسلق عدد من الجنود سور منزل أبي محمد وتحدثوا معه على مكبر الصوت "أبو محمد سلامة سلم حالك".

وبعد أن بدأت النساء والأطفال من عائلة الراعي بالبكاء وسط أصوات المروحيات المنخفضة جدا، طمأن الجنود الراعي وطلبوا منهم إغلاق آذانهم لأنهم سيقومون بإجراء تفجير قريب، وبعد مضي ساعتين على اعتقال الراعي وأخيه أعطاهم الجنود جهازاً وصفه الراعي بأنه "قلم ليزري"، وقالوا له بأن يبتعد عن المنطقة وأن يمسك بهذا الـ "قلم" كي لا تستهدفه الطائرات.

وبعد أن قدّم الراعي روايته بحضور عدد من الجيران الآخرين، قال الجيران لمراسلنا بأن الراعي قدّم شهادة منقوصة، وأنه أخبرهم فور انتهاء العملية بأنه سمع خلال الساعتين اللتين قضاهما معتقلاً، عمليات تصفية داخل المنزل وأن الجنود قاموا بتعريته مع أخيه بالكامل، وقبل إطلاق سراحهم أعطوهم 3 أطفال من داخل المنزل ليأخذهم معه بعيداً.

 

 

وقال الجنود للراعي بأنهم يمكنهم العودة إلى خيمتهم بعد أن يسمعوا صوت قصف سيستهدف المكان وبذلك تكون العملية قد انتهت، وذهب الراعي إلى البلدة ودخل إلى أحد المنازل لحين انتهاء العملية.

وكشف أحد الأهالي في البلدة لمراسل تلفزيون سوريا بأن سبب خوف الراعي وأخيه من التصوير والظهور وإعطائهم معلومات منقوصة عن التي ذكروها سابقاً، هو أن عناصر من هيئة تحرير الشام اعتقلوا الراعي وأخيه ساعات للتحقيق معهما وأطلقوا سراحهما ومن بعد ذلك، وسادت حالة من الذعر في البلدة من بعد هذه الحادثة، وأصبح الجميع يخشى التحدث مع وسائل الإعلام.

وأوضح المصدر الذي شدّد على عدم ذكر اسمه، بأن اثنين من بين الأطفال الثلاث هما طفلا أبي محمد بينما من المرجح أن يكون الثالث، هو ابن البغدادي، والذي بقي في حوزة تحرير الشام، بينما نُقل طفلا أبي محمد إلى مكان يتحفظ تلفزيون سوريا عن الكشف عنه حالياً.

وأكّد ثلاثة شهود عيان لمراسل تلفزيون سوريا، بأن الجنود قاموا بخنق أحد الأشخاص في ساحة المنزل قبل مغادرتهم، وأخبر جميع الجيران تلفزيون سوريا بأنهم لم يقوموا بتصوير أي فيديو للعملية من داخل منازلهم، لأنهم كانوا في حالة ذعر وصدمة شديدة ولم يكونوا يعلمون ماذا يجري وسط تحليق طائرات مروحية على بعد أمتار قليلة فقط عن غرف منازلهم.

وبالعودة إلى الراعي وللتأكد من فرضية وجود أنفاق في المبنى، أشار إلى أنه لم يسمع أصوات حفر على الإطلاق، ولم يشاهد أي عملية إخراج ركام من المنزل، وتطابق توصيف الراعي لأبي محمد مع توصيف المقاول صاحب المنزل سابقاً.

 

رواية الجار الثاني مصطفى

تطابقت رواية الجار الثاني لأبي محمد واسمه مصطفى القصير، مع رواية المقاول، بأن أبا محمد اشترى المنزل من المقاول مع قطعة من الأرض حوله، وتعرف مصطفى على أبي محمد عندما بدأ بإكمال بناء المنزل، وقدّم لتلفزيون سوريا نفس المواصفات التي قدمها المقاول وأضاف بأن أبا محمد لديه 5 أطفال الكبيران منهما بعمر 14 و 12 عاماً.

وكرر مصطفى رواية المقاول بأن أبا محمد أقام وليمة غداء للجيران بعد الانتقال إلى المنزل وتجهيزه، وعندما لم يلبِ مصطفى الدعوة لانشغاله بأمر آخر عاتبه أبو محمد، ليزوره مصطفى في عيد الفطر الماضي، ويصف مصطفى أبا محمد بأنه رجل كريم ومضياف ورجل طبيعي ولا يتكلم بالثورة السورية أبداً، وميسور الحال مادياً.

وتتطابق رواية مصطفى مع رواية الراعي، وقال بأن الجنود فور هبوطهم على الأرض انتشروا في المكان وكانوا يرتدون خوذاً عليها أضواء، ويخرج من بنادقهم ضوء ليزر أحمر اللون.

وعلى الفور نادى الجنود عبر مكبر الصوت "أبو محمد سلامة سلم نفسك.. البيت محاصر.. الكل يطلع بلا ملابس رجال ونساء وأطفال".

ولم يكن مصطفى قادراً على تحديد ما إذا حصل تبادل لإطلاق النار لأن صوت الطائرات المروحية حال دون ذلك، وأكد على أن الجنود أعطوا الراعي 3 أطفال وطلبوا منه الابتعاد عن المكان.

وبيّن مصطفى بأن العملية استغرقت ساعتين ونصف تقريباً، تخللها مناوشات حيث ضربت إحدى المضادات الأرضية للفصائل الطائرات وردت الطائرات على مصدر النيران، وبعد 10 دقائق تم استهداف منزل أبي محمد بالصواريخ ودمرته بالكامل.

وبقي جميع الجيران في منازلهم لحين صلاة الفجر، وبدأ الأهالي بالقدوم إلى المكان، وعلى الفور عثروا على جثث لامرأتين إحداهما ممزقة وأخرى غير ممزقة، وجثة طفل عمره بين 13-15 عاماً مخنوقٍ بحبلٍ كان ملفوفاً على عنقه، وجثة ممزقة لرجل سمين جداً.

وبعد ذلك وصل عناصر من هيئة تحرير الشام إلى المكان، ولم يقترب أحد من الجثث لحين قدوم فرق الدفاع المدني الذين وضعوا الجثث الموجودة على الأرض والجثث التي استخرجوها من تحت الأرض، في أكياس، ورفضوا الإدلاء بأي تصريح أو معلومة على الإطلاق.

 

 

وحتى الآن يبقى تحديد ما إذا كان أبو محمد مدنياً عادياً، أو عنصراً من تنظيم الدولة، أمراً صعباً جداً، ويتطلب تحقيقاً طويلاً لتحديد هويته بشكل أدق، لكن جيران أبي محمد وبحسب ما يعرفونه عنه، ما زالوا في صدمة بعد أن استوعبوا الصدمة صباحاً مع ظهور الأخبار العاجلة بمقتل البغدادي في هذه العملية.