تغيُّر سلوك "النظام" يعني نهايته

2021.07.26 | 06:26 دمشق

myswn2.jpg
+A
حجم الخط
-A

سلوك المخلوق، بشراً كان أو حيواناً أو نباتاً أو مؤسسةً أو نظاماً، هو ترجمة لبنيته العضوية الموروثة أو المكتسبة، ولتطبيعه أو برمجته بشكل أو اتجاه معين. صحيح أن جعل "بطة" تتوقف عن السباحة، أو تأكل اللحم بدلاً من النباتات والحبوب، وتلد لا تبيض، لا يجعلها ثعلباً؛ وصحيح أن إفقادَ "الأسد" قوته العضلية، وسحبَ أنيابه، وجعله يعوي بدلاً من أن يزأر؛ لا يجعله كلباً؛ إلا أن البطة والأسد- بفقدهما أو بتغييرهما سلوكهما الطبيعي- يفقدا الصفة الأساس في تكوينهما، ويلغيهما حتماً. رغم أن للسلوك معايير وروائز وقياسات في الحسن والسوء، إلا أن تلك المعايير تغيب في حال منظومة الاستبداد الأسدية؛ لأن هذه العصابة ظاهرة غريبة فريدة نادرة لا شبيه لها.

دأبت أميركا على استخدام مصطلح "تغيير السلوك" كمطلب من"نظام الأسد" وكتعبير عن موقفها أو سياستها تجاهه. وأراد، وتوقّع من ينتظر أميركا أن تغيّر له "النظام" وضوحاً أكثر في تصريحاتها وفِعْلِها. فهي أولاً قادرة، وثانياً لها سوابق؛ حيث لم يستلزم إخراج "النظام الأسدي" ذاته من لبنان- حسب تصور البعض- إلا اتصالاً هاتفياً..

أميركا من جانبها تُصِرُّ على مصطلح "تغيير السلوك"؛ ولذلك، بالتأكيد مبرراته؛ حيث يسود الاعتقاد والتسويق الإعلامي، بأن تغيير نظامٍ بالقوة مسألة منبوذة دولياً؛ فمهما كان المُراد تغييره على درجة من الإجرام أو المناكفة الدولية، هناك خشية من تحوّل عالمنا إلى غابة وحشية، تضيع بها الطاسة، كما يُقال.

روسيا وقوى أخرى تراقب وتسجل؛ وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين الكبار ألا يحدث هكذا فعل، بشكل مفضوح…. فتجربة العراق، والتدخل الأميركي، وتغيير النظام بالقوة لا تزال ماثلةً في أذهان سبعة مليارات إنسان على كوكبنا. القوى تعرف ذلك؛ فتراقب، وتسجل؛ وتعتبره سقطة ما بعدها سقطة. وفي الوقت ذاته، تغفل أو تنسى روسيا تحديداً أن تدخلها للإبقاء على المنظومة الأسدية المجرمة عنوة، وإخراجها الشعب السوري من أرضه عنوة، لا يختلف عن التدخل لوقف هذا الإجرام عنوة۔ ((سأفصّل بهذه النقطة في المقال القادم)).

 يرى البعض أن مَن يتحدث عن "تغيير سلوك" النظام؛ وهو يعلم استحالة ذلك دون أن تكون نهاية له كنظام؛ إما أن يكون جاهلاً، أو خبيثاً، أو مخططاً استراتيجياً. إذا كان الاحتمال الأول بعيداً، فيبقى الأمر المحتمل هو الخبث؛ كأن يكون بقاء النظام- بحكم استحالة تغييره لسلوكه- مسألة مفيدة لأميركا؛ لأن ذلك يخدم أغراضها الاستراتيجية، ويريح ربيبتها إسرائيل.  وإن كان الاحتمال الثالث- وهي فعلياً جادة بتغييره- فلأنها ربما تعبت من تجارة الخراب، ولا بد من وقف هذا الاستنزاف. وبحكم معرفتها باستحالة بقاء النظام، إذا تغيّر سلوكه، وبصعوبة ومخاطر تغييره بالقوة، فمن هنا قد تكون اتّبعت خطة استراتيجية بتركيزها على "تغيير السلوك"؛ والذي يعني نهايته.

ويبقى بالنسبة للسوريين السؤال الأهم: ماذا يبقى من نظام الأسد، إذا تغيّر سلوكه

بداية، لو كانت بنية أو طبيعة النظام الأسدي غير تلك التي شهد العالم نتائجها خلال العقد المنصرم؛ لكان "النظام" سلك مسلكاً آخر تجاه ما حدث عام 2011؛ وكان بإمكانه اختيار التجاوب مع مطالب الشعب السوري؛ ولكنه – انسجاماً مع تلك الطبيعة والبنية- اختار ما أدى بسوريا إلى هذا الحال.

  • إذا كان العنف والعدوانية والاحتقار والاستغباء والتخوين هي ملامح أساسية متأصلة في سلوك نظام الأسد تجاه المواطن السوري؛ فماذا يبقى منه، إن هي تغيّرت؟!
  • إذا كان سلوكه تجاه مَن عارضه القتل والتدمير والاعتقال والتشريد واستخدام كل صنوف الأسلحة- بما فيها الدمار الشامل- وصولاً إلى استدعاء الاحتلال، ليحميه من "الشعب العدو"؛ فماذا سيتبقى منه، إن تغيّر ذلك السلوك؟!
  • إذا كان سلوكه تجاه العملية السياسية أو الحل السياسي التهرب والعرقلة، وعدم الالتزام والمراوغة والكذب- لاستشعاره بأن الحل يحمل نهايته- فما الذي يحدث له، إن تم تغيير هذا السلوك؟!
  • إذا كان نهجه التوءمية مع إيران الملالي، فما الذي يبقى منه، إذا تغيّرت هذه العلاقة؟! وإذا سلك مبدأ وهب كل شيء للروس مقابل حمايته، وتم تغيير هذا السلوك- حسب المطلوب- فهل يستطيع الاستمرار؟!
  • أخيراً وليس آخراً، إذا كان أخذُ الرهائن سلوكاً تتبعه العصابات لتحقق أهدافها، وإذا كان ذلك نهجاً متأصلاً في سلوك النظام الأسدي، كأخذه سوريا رهينة، ومعتقلي الرأي رهينة؛ فهل يبقى منه شيئاً، إن غيّر هذا السلوك؟!

مَن يفعل ما فعله النظام الأسدي في سوريا على مدار نصف قرن، وخاصة في العقد الماضي، رداً على ثورة السوريين؛ وآخرها خطاب الأمس الفارغ؛ لا يمكن أن يغيّر سلوكه. لننظر فقط إلى مسرحية "الانتخابات والقَسَم"، ومحاولة النظام المريضة بإقناع الشعب والعالم أنه "انتصر"، ولنسأل على مَن، وكيف، وبيد مَن؟ وإن صَحَّ ذلك، أليس كانتصار الرذيلة على الطهر، والمرض على الصحة، والخراب على العمار، والباطل على الحق، والعمالة على الوطنية، والخيانة والكفر على الإخلاص والإيمان؟ إن كان ذلك قد حدث، فيكون فقط في ذهن ذاك المنفصم المريض وفي الضمائر الميتة لِمَن حوله من عصابة. والمشكلة، كيف يمكن أن تتوقع من هكذا مرضى تغيير السلوك؟! لا عودة حياة لسوريا إلا باستئصال هذا الداء. والسوريون سيفعلونها؛ طال الزمان أم قَصُر. إن مجرد التجرؤ على الثورة، وكسر جدار الخوف هو نهاية هذه المنظومة المستبدة، والباقية للآن بفعل الخيانة العظمى؛ ولكن في غرفة العناية المشددة؛ حيث أضحت كلفة الإبقاء عليها تفوق تحمُّل حُماتها.