تغييبُ الشعوب العربية.. عُمان تطبِّع مع بشار ومع الاحتلال

2023.02.28 | 06:13 دمشق

هل سترعى سلطنة عمان مشروع التطبيع مع الأسد؟
+A
حجم الخط
-A

ليس غريباً على أرباب السلطة المستبدِّة أن يمعنوا في تغييب رأي شعوبهم، فهذا معنى الاستبداد، ولكن اللافت هو تجاهُل دولٍ ديمقراطية، وعلى رأسها أميركا، ومن تدِّعي الديمقراطية، كدولة الاحتلال، لهذه الحقيقة؛ وهي أنَّ هذه النُّظُم السياسية التي يجري التعاون معها، هي فاقدة للأهليَّة التمثيليَّة، وفاقدة للأهليَّة الرِّعائيَّة.

وأوَّلُ ما يقفز من الأسباب الداعية إلى هذه المفارقات هو مراعاة المصالح الدولية، وما يسمَّى باستقرار المنطقة العربية؛ من جانب الولايات المتحدة، أما إسرائيل، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو فإنها لا تتورَّع عن أفدح معاني الانتهازية؛ من أجل دمجها في المنطقة العربية، كما حصل في اصطيادها في المياه العكِرة، وتمرير التطبيع مع السودان، منتهزةً وجود الحكَّام العسكريين. وكذا في استغلال فرصة قبول سلطنة عُمان، بعلاقات سمحت لطيرانها بالتحليق في أجواء السلطنة، برغم رفض الشعبين في السودان، وفي عُمان لمثل هذه العلاقات التطبيعية.

الحاصل أنَّ الحكَّام المفتقِدين للشرعيَّة الحقيقية تجمعهم الأوضاع نفسها، ويتقاسمون النظرة المستخفِّة بشعوبهم نفسها، وقد اعتادوا تغييبهم  لسنين  وعقود، عن أهم القضايا التي تؤثِّر على مصالحهم، والتي تمَسُّ تكوينهم الوجداني..

وكذلك، حصل من جانب حكَّام عُمان، حين استقبلوا بشار الأسد، وهو الذي ما يزال يقيم سلطته على أشلاء السوريِّين، وعلى أنقاض حياتهم.

والحاصل أنَّ الحكَّام المفتقِدين للشرعيَّة الحقيقية تجمعهم الأوضاع نفسها، ويتقاسمون النظرة المستخفِّة بشعوبهم نفسها، وقد اعتادوا تغييبهم لسنين وعقود، عن أهم القضايا التي تؤثِّر على مصالحهم، والتي تمَسُّ تكوينهم الوجداني.

هذه العقلية الميكافيلية، والبراغماتية النفعية، بأقبح تجليَّاتها، تستقر في أذهان هؤلاء المسؤولين، كأقوى مُحرِّك، للمواقف والتحالفات، حتى نتنياهو المتبجِّح، دوماً، بدولته ذات المؤسسات الديمقراطية، وأنه يمثِّل الأغلبية، انساقَ وراء اندفاعاته السُّلْطوية، ومعه نظراءُ له، شديدو الطموح للزعامة، ولفرْض أجنداتهم الحزبية العنصرية، مِن أمثال الوزيرين المستوطنَيْن، العنصريَّيْن؛ إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموترتش، نجحوا في الخطوة الأولى (بإقرار مشروع قانون الإصلاحات القضائية)؛ في السيْر نحو تقليص صلاحيات المحكمة العليا، لتُطلَق أيديهم سياسيّاً وحزبيّاً، ولتحصينهم، وبالذات نتنياهو، من تُهَم الرِّشوة الاحتيال وإساءة الأمانة.

لكن الفارق بين حكَّام عرب مستبدِّين، وبين نتنياهو وحلفائه، يكمن في أنَّ الأخير لا ينفكُّ، على علّاته، عن خدمة المصالح القومية لدولته، في حين يعمل الحاكم العربي المستبدّ على الحفاظ على مكتسباته، بالدرجة الأولى، ولو تعارضت، وأضرّت بالمصالح القومية العليا. وهو مطمئنٌّ إلى دعْمٍ خارجي  - أميركي بالدرجة الأولى - يتغاضى عن ارتكاباته بحقِّ شعبه، مِن سوء الرعاية والفساد، ومِن تغييب تمثيلٍ عادل؛ هذا الدعم الخارجي الذي يقبل، ويتجاوز، ولا يحمل على محمل الجِد، استحقاقات الإصلاح المطلوبة.

هذه الحالة تثير التساؤل عن صدق تلك الشعارات الديمقراطية الغربية والأميركية، حين تقارَن بقوَّة المصالح، وحضورها في المواقف، والدعم، السياسي، وغيره؛ ذلك أن هذه القوى الخارجية، ومنها إسرائيل، تفضِّل نُظُمًا مِطْوَاعة، على نظُمِ منتخَبة، ودولة ذات مؤسسات، لا يتمكَّن الحاكمُ فيها من احتكار القرار، فمع هذا الحاكم المتفرِّد؛ ما أسلسَ الانتقالات المفاجئة، وما أسهلَ الانخراط في السياقات الخارجية!

ونحن واقعون فيما يشبه الدائرة الشِّريرة، إذ حين يخفق الحاكم في سياساته الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، يتَّجه إلى تحميل الشعب أعباء هذه الإخفاقات، بفرض مزيد من الضرائب التي تُفضي إلى رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، بالتوازي مع مضاعفة الديون الخارجية والاقتراض، كما حصل في مصر، مثلًا. فالشعب الذي غُيِّب، وصودر قراره، ولم يرجع إليه، في أي مرحلة، رجوعاً حقيقيّاً، بالاستفتاء، عند المفاصل والقرارات الاستراتيجية، أو بمراكز استطلاع الرأي، ذات النزاهة والكفاءة، أو بالرجوع إلى ممثِّليه المنتخَبين، في انتخابات نزيهة وشفَّافة، هذا الشعب هو الذي سيكون عليه تحمُّل أعباء ذلك الفشل ورداءة السياسيات.

هذه النُّظُم الراهنة المستبدَّة هي استمرار لنظُمٍ تجاوزَها الزمن؛ لم تتغيَّر بِنيتُها، وإنْ تغيَّرت الوجوه، وبعض الشعارات. وهي عاجزة عن تغيير ذاتها، ما لم تتبلور إرادة شعبية واعية لتغييرها..

وهنا، مسألة مهمة، هي أن هذه النُّظُم الراهنة المستبدَّة هي استمرار لنظُمٍ تجاوزَها الزمن؛ لم تتغيَّر بِنيتُها، وإنْ تغيَّرت الوجوه، وبعض الشعارات. وهي عاجزة عن تغيير ذاتها، ما لم تتبلور إرادة شعبية واعية لتغييرها، وهنا محلُّ النظر، والأمل؛ أنَّ هذه الشعوب العربية لم تعد على ذاك الانغلاق، والوعي المصنوع، حين كانت شبهَ خاضعة لسطوة الدولة في وسائل إعلامها الرسمي، وفي أجهزتها التعليمية والتثقيفية، فقد تعزَّزت قنواتُ الاتصال بين الشعوب العربية؛ ما عمِلَ على تظهير حالات التضامن، مع قضاياها العادلة، ومهما قيل عن الشعوب، ونكوصها، أو انكفائها على مشاغلها وهمومها الداخلية، وتغلُّب الخطابات القُطْرية، بالمعنى السلبي، الأناني، إلا أن المؤشِّرات على بقاء هذا الصوت الأصيل الذي يناصر المظلوم، ولا ينافق للظالم الداخلي، أو المحتلّ الخارجي.

أما الموقف من المحتل الخارجي، فقد تكاثرت الأدلَّة، وتتابعت على رفض التطبيع مع دولة الاحتلال، وكان مونديال قطر مِن آخر الدلائل وأوضحها فيما أشبه الاستفتاء الشعبي الواسع والمتنوِّع الخلفيَّات، جغرافيّاً وثقافيّاً.

وفي عُمان التقى طرفا الدائرة، فيما يفترَض؛ من استقبال بشار الذي طالما سُوِّقَ على أنه في صُلْب محور الممانعة والمقاومة، إلى السماح بطيران الاحتلال بالتحليق في أجوائها، وليس بين الحدَثين ما يزيد عن ثلاثة أيَّام!

فهل سُئِل الشعب العُماني عن استقبال الأول، فرحّب (؟!)، وهل استُفتي في هذه النقلة التطبيعية الخطيرة، (التي رفضَها واستهجنها مفتي البلد، الشيخ أحمد الخليلي، ودعا إلى إعادة النظر فيها)؛ فرضِيَ وفَوَّض (؟!).

نحن لا نملك مؤشِّرات علمية دقيقة عن حجم القبول الشعبي في عُمان لهذا الاستقبال لحاكم لمّا تجفّ يداه من دماء شعبه، وإنْ كنّا لاحظنا، من خلال وسائل التواصُل الاجتماعي أصواتاً عُمانيَّة ترفض وتدين هذا الاستقبال؛ وقد تعود هذه الصورة الغائمة إلى نقص الشفافية الإعلامية المتاحة في السلطنة، أو إلى تغييب الحياة السياسية الفعلية عن البلد، منذ عقود.

وهذا يعيدنا إلى العنوان أعلاه، عن خطورة تغييب الشعوب العربية، ومصادرة رأيها، إزاء قضايا بالغة الأهمية والأخلاقية، بل الإنسانية، والأخوية، وفق المفترَض، وإلى متى يصمد هذا التغييب؟