icon
التغطية الحية

تغريدات ترامب حول سحب الجنود من سوريا وأفغانستان تُغضب البنتاغون

2020.10.16 | 16:55 دمشق

merlin_178119129_18ba7675-684a-456a-97ea-317952de469e-jumbo.jpg
نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم تكن تغريدة الرئيس ترامب المفاجئة التي نشرها في الأسبوع الماضي حول سحب كامل الجنود الأميركان من أفغانستان بحلول عيد الميلاد أول بعثة عسكرية مهمة يقلص عدد الجنود فيها فجأة أو يقوم بإنهائها مع اقتراب يوم الانتخابات.

فقد أخبر ترامب كبار مستشاريه بأنه يرغب أيضاً بالنظر في أمر مخططات سحب كل القوات الأميركية الموجودة في الصومال، بالرغم من تحذيرات كبار المسؤولين العسكريين والمعنيين بمكافحة الإرهاب من أن ذلك قد يعزز قوة فرع تنظيم القاعدة المجرم الموجود هناك، ويبدو كتخل عن أراض استراتيجية في شرق أفريقيا لصالح الصين وروسيا.

فقد أطلق الرئيس إشارات مختلطة خلال الشهر المنصرم عندما أعلن بأن القوات الأميركية " ستخرج من سوريا" باستثناء ما تتطلبه عملية حراسة حقول النفط الموجودة في المنطقة. وظهرت تعليقاته تلك في اليوم الذي أعلن فيه البنتاغون عن إرساله لمركبات برادلي المقاتلة، وقيامه بالمزيد من الدوريات عبر طائرات حربية، بالإضافة إلى زيادة عدد الجنود بنسبة 100 جندي في شمال شرقي سوريا بعدما صدمت مركبة مصفحة روسية دورية برية أميركية هناك في شهر آب المنصرم، ما أدى لإصابة سبعة جنود بجراح.

وفي مقابلة له على محطة فوكس بزنس خلال الأسبوع الماضي، قال ترامب "إننا في كل تلك المواقع المختلفة نحارب في بلدان لم يسمع عنها أحد، وذلك يضرنا لأننا بذلك نتعب جيشنا، كما يجب أن نكون على استعداد دوماً لمواجهة الصين وروسيا وغيرها من الدول. أي أنه يجب علينا أن نكون مستعدين".

ولكن حتى أرفع القادة العسكريين سعوا للنأي بأنفسهم عن توقعات انسحاب الجنود التي أطلقها قائد الأركان والتي أتت مفاجئة بالنسبة لهم. إذ يرى منتقدون بأنه خلال السعي لتحقيق التعهدات التي أطلقت خلال الحملة الانتخابية والتي تقضي بإعادة الجنود الأميركيين إلى وطنهم وإبعادهم عن "الحروب التي لا تنتهي"، أصبح الرئيس يعرض البلاد لتهديدات أكبر تطول أمنها القومي.

وترى كوري شاك وهي مديرة دراسات السياسات الخارجية والدفاع لدى معهد المشروع الأميركي بأنه "لا توجد أية استراتيجية، بل إنها مجرد دعاية انتخابية".

بيد أن آخر خبر تصدعت له الرؤوس حول احتمال سحب القوات ظهر خلال هذا الأسبوع، وذلك عندما ذكر مسؤولون رفيعون في الإدارة الأميركية بأن ترامب أخبر كبار معاونيه بأنه كان يرغب بسحب القوات الأميركية من الصومال، بما يؤكد ما ورد في تقرير سابق نشرته بلومبيرغ الإخبارية بالإضافة إلى بعض التفاصيل الأخرى.

 

 

ومن الأفكار التي أصبحت الآن قيد الدراسة هي تلك التي تقوم على سحب معظم أو كل الجنود في العمليات البرية من الصومال، ويشمل ذلك من يقومون بتدريب وتوفير الاستشارات للقوات الصومالية، إلى جانب وقف الغارات التي تهدف إلى محاربة وإضعاف تنظيم الشباب وهو أكبر وأنشط فرع لتنظيم القاعدة على مستوى العالم. وهنا يتضح لنا أنه ما يزال بالإمكان القيام بضربات لمكافحة الإرهاب، والاستعانة بطائرات بدون طيار، إلى جانب وجود الجنود في دول الجوار، واستهداف عناصر تنظيم الشباب بعينهم ممن يعتقد أنهم يعملون على التخطيط لهجمات إرهابية خارج الصومال.

يذكر أن البيت الأبيض عقد اجتماعاً داخلياً لكبار المسؤولين آخر الأسبوع الماضي لمناقشة مطالبة ترامب تخفيض عدد المزيد من القوات الموجودة هناك إلى حد كبير، والخيارات المتاحة لذلك، بحسب ما أورده ثلاثة مسؤولين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن أسمائهم.

وكان من بين المسؤولين الذين شاركوا في هذا النقاش وزير الدفاع مارك تي إسبير، والجنرال مارك إيه ميلي رئيس قيادة الأركان المشتركة، بحسب ما ذكر المسؤولون الثلاثة وأضافوا بأنه لم يتم التوصل إلى أية قرارات بهذا الشأن.

في حين أحال الناطق باسم البنتاغون الأسئلة التي تتصل بالمداولات إلى مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهنا رفض الناطق الرسمي التعليق على ما جرى.

يذكر أنه يوجد حالياً حوالي 700 جندي أميركي في الصومال، معظمهم من قوات العمليات الخاصة التي تم فرزها وتوزيعها على عدد من القواعد العسكرية التي أقيمت في تلك البلاد، وتتضمن مهامهم عمليات التدريب وتقديم المشورة للجيش الصومالي وقوات مكافحة الإرهاب إلى جانب القيام بغارات ضد عناصر تنظيم الشباب يتم من خلالها إما قتل تلك العناصر أو القبض عليهم.

هذا ولقد أصدر تنظيم الشباب خلال الأشهر الماضية تهديدات محددة جديدة ضد الأميركيين في شرق أفريقيا، بل حتى في الولايات المتحدة. فبعد الفجوة التي حدثت خلال هذا العام، زادوا من عدد السيارات المفخخة في الصومال، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب.

وثمة إشارات مشؤومة عديدة تشير إلى أن حركة الشباب تسعى لتوسيع نطاق عملياتها الفتاكة خارج حدود مقرها الرئيسي، وإلى الهجوم على الأميركيين إن أمكنها ذلك، وقد دفعت تلك التهديدات إلى القيام بـ46 غارة نفذتها طائرات أميركية بدون طيار خلال هذا العام في محاولة لتعقب المتآمرين. أما في العام الماضي، فقد وقعت 63 غارة جوية بواسطة طائرات بدون طيار، معظمها نفذت ضد مقاتلي تنظيم الشباب، وعدد قليل منها نفذ ضد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال.

وخلال السنوات الأخيرة الماضية خسر تنظيم الشباب الذي يقدر محللون استخباراتيون أميركيون بأن عدد مقاتليه يتراوح ما بين 5000 إلى 10 آلاف مقاتل، كثيرا من المدن والقرى التي كانت تحت سيطرته. وبالرغم من الرقم القياسي لعدد الغارات الأميركية التي نفذتها طائرات بدون طيار، إلا أن هذه المجموعة تحولت إلى تنظيم أكثر رشاقة وفتكاً، حيث نفذت هجمات واسعة النطاق على أهداف مدنية وعسكرية في مختلف أنحاء الصومال والدول المجاورة.

وهنا ترى تريسيا باكون وهي مختصة بالملف الصومالي لدى الجامعة الأميركية بواشنطن ومحللة سابقة لملف مكافحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأميركية بأن "سحب القوات الأميركية من الصومال سيمنح تنظيم الشباب فرصة استراتيجية حاسمة في النزاع القائم بالصومال كما سيزيد من خطر الإرهاب في شرق أفريقيا بحيث سيشمل ذلك الأميركيين والمواقع الأميركية إلى حد كبير".

إلا أن الكولونيل كريستوفر بي كارنز، وهو كبير الناطقين باسم قيادة الجيش في أفريقيا رفض التعليق على الضغوطات التي يمارسها ترامب لسحب الجنود من الصومال، بل عرض عوضاً عن ذلك دفاعه عن المهمة الحالية، حيث قال في بيان له: "تواصل القيادة الأميركية بأفريقيا تدريب القوات الصومالية ومراقبة حركة الشباب وتفريق صفوف شبكة تنظيم الشباب الإرهابية الخطرة وإضعافها والتي تأمل أن تهاجم الولايات المتحدة على المدى البعيد".

كما أشار الكولونيل كارنز إلى استراتيجية البنتاغون الأوسع والتي تسعى لمكافحة التهديدات على المستوى العالمي والتي تأتي من قبل موسكو وبكين، وذلك عندما قال: "عندما تنظرون إلى سباق القوى العالمية في أفريقيا، يتبين لكم أنه المكان الأنسب بالنسبة للصين وروسيا لتسعى كل منهما أن تحقق عظمتها وأن تواصل تحديد أولويات نشاطاتها، خاصة على الجبهة الاقتصادية".

بل حتى إن أكثر حلفاء ترامب إخلاصاً وولاء من الحزب الجمهوري داخل الكونغرس حذروا من خفض عدد الجنود بشكل كبير في الصومال، إذ ذكر السيناتور جيمس إم. إنهوف من الحزب الجمهوري في أوكلاهوما، ورئيس لجنة الأجهزة المسلحة في بيان له: "لقد آتت هذه الاستراتيجية أًُكُلها، فقد منع استمرار وجودنا هناك حركة الشباب من توسيع موطئ قدمها في المنطقة". كما عبر السيد إنهوف عن تفاؤله بأن السيد ترامب: "لن يتخذ أي إجراء يتسبب بخسارتنا للأراضي التي كسبناها، وذلك بفضل الاستراتيجية التي رسمها".

لقد أتت هذه الضربة التي تعرض لها الجيش عبر سحب عدد كبير من قواته الموجودة في الصومال بعدما نأى الجنرال ميلي بنفسه عن البيانات المتناقضة والمفاجئة التي صدرت عن البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضي حول سحب القوات من أفغانستان.

إذ بدون سابق إنذار للبنتاغون، خاطب مستشار الأمن القومي روبرت سي أوبريان الجمهور الموجود في لاس فيغاس في السابع من تشرين الأول وأخبرهم بأن الولايات المتحدة ستخفض عدد الجنود في أفغانستان ليصل عددهم إلى 2500 جندي بحلول بداية العام المقبل. وهذا التصريح أدهش المسؤولين في وزارة الدفاع وكبار القادة العسكريين الذين ذكروا بأنهم ما زالوا يعملون بموجب أوامر تقضي بتخفيض عدد الجنود ليصل إلى 4500 جندي بحلول أواخر هذا الخريف.

ثم أتى ترامب ليزيد الطين بلة عندما ناقض ما قاله أوبريان بعيد ساعات من تصريحه، فاقترح عبر تويتر جدولاً زمنياً ينتهي مع بداية موسم عيد الميلاد وذلك حتى تتم إعادة كامل الجنود إلى الوطن، حيث كتب في إحدى تغريداته "يجب أن يعود أصغر عدد من رجالنا ونسائنا الشجعان ممن ظلوا يخدمون في أفغانستان إلى الوطن بحلول عيد الميلاد".

وهنا عبر الجنرال ميلي عن سخطه من هذا الجدول الزمني السريع ومن الرسائل المتناقضة حول سحب الجنود على الرغم من أنه حاول بحذر ألا يعكر صفو علاقة العمل التي أقامها مع الرئيس، بيد أنه لم ينتقد قائد الأركان، بل ناقش تعليقات مستشار الأمن القومي، وذلك في مقابلة أجرتها معه محطة إن بي آر يوم الأحد الماضي، حيث قال: "أعتقد أنه بوسع روبرت أوبريان أو أي شخص آخر أن يخمن كما يحلو له، لكنني سأشارك بتحليل الوضع بشكل دقيق بناء على الظروف والخطط التي اطلعت عليها وكذلك بناء على الحوارات التي أجريتها مع الرئيس".

وفي شمال شرقي سوريا، أرسلت قيادة الجيش المركزية الأميركية تعزيزات إلى منطقة النزاع الساخن خلال الشهر الماضي بعدما قام جنود روس بصدم مركبة أميركية عمداً.

فقد انتقد مسؤولون في البيت الأبيض والبنتاغون الروس بسبب ما وصفه مسؤولون أميركيون بانتهاك طائش، إلا أن ترامب لم ينبس بكلمة حول تلك الحادثة، الأمر الذي دفع الديمقراطيين إلى استغلال تلك الفرصة وعرضها على أنها آخر مثال على فشل الرئيس في مواجهة الموقف العدائي المتزايد لروسيا تجاه الغرب، وهذا الموقف يتضمن تدخلها بالانتخابات، وعرض جوائز مالية سخية مقابل القبض على الجنود الأميركيين في أفغانستان.

يذكر أن نائب الرئيس الأميركي السابق جوزف آر. بايدن جونيور والمرشح الديمقراطي للرئاسة قام بتوجيه توبيخ لترامب بسبب فشله بمواجهة تلك المهاترة بشكل علني عندما وقعت في سوريا، حيث قال في خطاب له ألقاه في ولاية بنلسفانيا في 31 من شهر آب "هل سمعتم الرئيس يتفوه بكلمة واحدة؟ هل حرك ساكناً؟"

ولقد عبر قادة عسكريون أميركيون عن تفاؤل حذر تجاه فكرة الرئيس التي تدور حول سحب المزيد من الجنود الموجودين في سوريا والذين قد يصل عددهم إلى 600 جندي، حتى الآن على الأقل، إذ تقوم تلك القوات بمساعدة الحلفاء الكرد السوريين على تنفيذ مهامهم في مكافحة الإرهاب ضد فلول تنظيم الدولة.

إلا أن هؤلاء القادة أنفسهم يتذكرون جيداً مدى ولع الرئيس ترامب بنقل الأمور إلى تويتر حيث يفصح هناك عن أي تغيير جديد يطرأ على السياسة، كما حدث عندما أعلن عن سحب القوات السابق من سوريا في عام 2018 دون أن يقوم بإبلاغ البنتاغون، إذ دفعت تلك الحركة جيم ماتيز للاستقالة من منصبه كوزير للدفاع.

ومع اقتراب يوم الانتخابات الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى أقل من ثلاثة أسابيع، يستعد المسؤولون في البنتاغون للتعامل مع نتائج توقعات محتملة أخرى تترتب على أوامر رئاسية تخص القوات الموجودة هناك.

وفي هذا الصدد يعلق سيث جي. جونز مدير مشروع التهديدات العابرة للدول لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وهو مركز أبحاث أقيم في واشنطن فيقول: "كيف لنا أن نخفف من خطر سحب القوات الأميركية من تلك الأماكن؟ فأنا أسمع صوت الخطر وهو يتقدم، لذا فإن هذه ليست بوصفة جيدة لسياسة خارجية سليمة".

المصدر: نيويورك تايمز