icon
التغطية الحية

تعهدات بروكسل واستحقاق المساعدات عبر باب الهوى.. الجدوى والبدائل

2021.04.01 | 09:38 دمشق

jklhjl.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعهد المشاركون في مؤتمر بروكسل الخامس لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، بتقديم 6.4 مليارات دولار أمريكي مساعدات إنسانية للسوريين داخل بلدهم وفي دول الجوار، منها 4.4 مليارات  دولار خُصصت لعام 2021، ونحو ملياري دولار لعام 2022.

لوحظ انخفاض حجم التعهدات في المؤتمر، مقارنة بمؤتمر بروكسل الرابع، في حزيران / يونيو 2020، حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم مساعدات إنسانية للسوريين بقيمة بلغت أكثر من 7 مليارات دولار، منها 5.5 مليارات دولار لعام 2020، و2.2 مليار دولار لعام 2021.

وسعت الأمم المتحدة لجمع مبلغ قياسي قدره 10 مليارات دولار خلال مؤتمر بروكسل الخامس، مع وجود إجماع من رؤساء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على أن الحاجة للدعم الدولي ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، والتدهور الاقتصادي في سوريا، وتأثر مئات آلاف اللاجئين في دول الجوار بفعل جائحة كورونا.

 

تعهدات غير كافية

لم يكن حجم التعهدات بالقدر المأمول من جانب الأمم المتحدة، إذ أكدت منظمة "ميرسي كوربس" الأمريكية، أن التعهدات ضرورية للحفاظ على الجهود الإنسانية، لكنها "غير كافية بشكل محزن".

ويحتاج ما يقدر بنحو 13.4 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في عام 2021 داخل سوريا، بزيادة تقدر بنسبة 20 في المئة عن عام 2020، وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى وجود 6.7 ملايين نازح داخلي في سوريا، و 5.6 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار.

وتأتي التعهدات الحالية في مؤتمر بروكسل، تزامناً مع ظروف أكثر مأساوية يعيشها السوريون مقارنة بالعام الماضي، بعد أن نزح نحو مليون شخص نحو الحدود السورية التركية هرباً من الهجمات الروسية، بالتزامن مع انهيار اقتصادي غير مسبوق في البلاد، ما انعكس سلباً على السكان، خاصة في مناطق سيطرة النظام، كما لا يمكن إغفال معاناة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، بسبب جائحة كورونا وسياسات الحظر والإغلاق.

ويقول المدير التنفيذي لمنظمة بنفسج، هشام ديراني، إن التعهدات من المانحين "مشكورة ومقدرة" خصوصاً بعد 10 سنوات من المأساة السورية، لكن حجمها هذا العام شهد انخفاضاً كبيراً، وخصوصاً من بعض المانحين الأساسيين.

وأفاد "ديراني" لموقع تلفزيون سوريا بأن انخفاض قيمة التعهدات يأتي بالرغم من ازدياد الاحتياجات بسبب كورونا والإغلاقات في الدول المجاورة، إلى جانب نزوح مليون نسمة في بداية العام الماضي إلى شمالي إدلب وحلب، ويضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية وتدهور العملة السورية.

بدوره قال مدير وحدة تنسيق الدعم، محمد حسنو، إن التعهدات المقدمة في مؤتمر بروكسل حاجة ملحة ولكنها "غير عادلة وغير كافية".

وستساهم هذه التعهدات -والتي من المفترض أن تترجم إلى استجابة إنسانية- في تخفيف معاناة السوريين الإنسانية، سواء النازحين أو اللاجئين، لكنها بالطبع لن تحل الكثير من المشكلات الكارثية التي عاشوها وما زالوا منذ عقد من الزمن، حسب "حنسو".

ولن يكون مؤتمر" بروكسل" بنسخته الخامسة أفضل من النسخة الرابعة والذي تعهدت فيه الدول بتقديم دعم مماثل، وفقاً لما يروي "حسنو"، وذلك لعدة اعتبارات، أولها انتشار جائحة كورونا وانكماش الاقتصاد العالمي، إضافةإلى "النسب الإدارية والتشغيلية المقتطعة من قبل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية"، وغياب الخطة الاستراتيجية الشاملة، وضعف التنسيق بين الدول في الاستجابة، والآلية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الاحتياجات السورية، حيث تقتصر على المساعدات الإنسانية، ما يساهم في مزيد من البطالة وجمود حركة السوق المحلية واستنزاف وهجرة الموارد البشرية.

وأضاف أن الاستجابة لا تتماهى مع الاحتياجات الفعلية، إذ أنها في كثير من الأحيان تستجيب لاحتياجات "البقاء على قيد الحياة دون النظر في الاحتياجات الأساسية من تعليم وتعافيَ مبكر وتمكين اقتصادي وخدمات"، فضلاً عن "غياب العدالة في نسب الدعم، والذي يذهب جله للنظام السوري ومناطقه".

الأموال تبقى مجرد تعهدات

المستشار الاقتصادي أسامة القاضي، يقول إن النقطة المهمة التي يجب التوقف عندها، أن الأموال تبقى مجرد تعهدات، وقد لا يصل منها سوى 60 في المئة للأمم المتحدة في أحسن الأحوال.

واعتبر "القاضي" أن معظم الشعب السوري لم يستفد من التعهدات المقدمة في مؤتمرات بروكسل السابقة، مضيفاً أن "المستفيد الأكبر هو نظام الأسد، ويصل منها الجزء اليسير للسوريين، بعد أن تمر بالأقنية البيروقراطية".

ويرى المستشار الاقتصادي خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أنه لا يوجد طريقة ليستفيد الشعب السوري من المساعدات، إلا بوجود آليات محاسبة شفافة يمكن للشخص من خلالها معرفة حجم الأشخاص الذين تسلموا مساعدات واستفادوا منها بشكل حقيقي، وأن تسلم الأموال للشعب عن طريق مؤسسات معروفة.

 

كيف تصبح "مساعدات بروكسل" ذات جدوى؟

منذ الإعلان عن حجم الأموال المقدمة من المانحين في مؤتمر بروكسل، شكك سوريون على وسائل التواصل في مدى وصولها إلى مستحقيها، أو توزيعها على أفراد الشعب السوري بشكل عادل.

وأشار مدير وحدة تنسيق الدعم، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى عدم وجود آلية فعالة لتمكين السوريين من الاستفادة الأمثل من هذه المساعدات لعدة اعتبارات، منها غياب الإدارة الموحدة لتنسيق الدعم، وغياب التنسيق بين الدول الداعمة، وضعف التنسيق بين المنظمات المنفذة، وتعدد بنى الحوكمة على الأرض، والخطوط الحمراء للداعمين -سواء لقطاعات وأنشطة محددة أم لمناطق محددة-، يضاف إلى ذلك أن "سياسة الباب المفتوح للداعمين تخلق تنافسية غير مرغوب بها وبالتالي غياب عدالة اجتماعية".

ويكمن الحل بنمو "الوعي السوري والوطني لدى الجهات المنفذة من منظمات ومؤسسات سورية، لتعزيز التنسيق والتكامل فيما بينها، ولتفرض على المجتمع الدولي والجهات المانحة خطة عمل تتماهى مع الاحتياجات الفعلية"، ولفت "حسنو" إلى ضرورة توحّد الصوت السياسي والمدني للجهات المنفذة، من خلال مطالب واضحة، وأيضاً من خلال تقديم مشاريع ذات أثر فعلي وليس وفق متطلبات المانح، وإلا فلن يكون هناك أي تغيير في "العقلية وفي الأثر".

وأكد أن دعم التعليم الأساسي والعالي ورعاية الشباب تعتبر على رأس الأولويات التي يجب العمل عليها، بالإضافة إلى برامج التمكين الاقتصادي التي تعتمد على الموارد المحلية وتنشيط السوق المحلية والحفاظ على الكفاءات، وإعادة النسيج المجتمعي وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون كمرجعية لا سيما في حال الوضع السوري وتعدد قوى السيطرة.

ولاستفادة السوريين من تعهدات بروكسل بالقدر الكافي، يقترح "هشام ديراني" إعطاء دور أكبر للمنظمات المحلية، وتمويلها بشكل مباشر، مما يؤدي إلى توفير كلف كبيرة بسبب تعدد الشركاء، سواء كانت المنظمات الدولية أو الأمم المتحدة.

ويؤكد أن التوجه إلى المشاريع الإنتاجية مثل المال مقابل العمل، والتدريب المهني والربط بسوق العمل ودعم الزراعة والثروة الحيوانية، سيكون له أثر كبير في تخفيف معاناة الفئات المتضررة، مع تفعيل مشاريع سبل العيش والمساعدات النقدية عوضاً عن مشاريع السلل الغذائية، وذلك لتعزيز فرص العمل المدر للدخل للمجتمع المحلي، إضافة إلى إشراك أكبر للمجتمعات المحلية بتصميم المشاريع والأنشطة بما يضمن أن تكون تلك المشاريع قابلة للتنفيذ وذات فعالية عالية.

 

استحقاق باب الهوى

صوّت مجلس الأمن الدولي في شهر تموز عام 2020 على مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا، لإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

وسرى القرار، بعد أن عرقلت روسيا والصين 4 محاولات لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عن طريق معبري باب الهوى وباب السلامة.

وسينتهي العمل بالقرار في شهر آب / أغسطس المقبل، وتشير التوقعات إلى نية روسيا استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع تمديد آلية دخول المساعدات من باب الهوى، وهو ما يضع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أمام استحقاق جديد، للحيلولة دون تفاقم معاناة نحو 4 ملايين شخص بينهم مليون نازح في منطقة شمال غربي سوريا.

وفي كلمته خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الحالي، حثّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مجلس الأمن على إعادة فتح المعابر والسماح بوصول المساعدات للسوريين شمال غربي البلاد.

وقال بلينكن: "دعونا نعيد الترخيص للمعبرين الحدوديين اللذين تم إغلاقهما (اليعربية الحدودي مع العراق، وباب السلامة الحدودي مع تركيا) ونعيد ترخيص المعبر الحدودي الوحيد الذي لا يزال مفتوحاً (معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا)"، مؤكداً على ضرورة ضمان حصول السوريين على المساعدات التي يحتاجون إليها، من خلال المعابر الحدودية باعتبارها "الطريقة الأكثر فعالية".

وفي هذا السياق، قال محمد حسنو، "حتى في وضع التمديد لستة أشهر أخرى، فإن حصر المساعدات في معبر باب الهوى يعني تكاليف إضافية ولوجستية سيتم اقتطاعها من الاستجابة، ومن احتياجات السوريين، وبالتالي إنقاص عدد المستفيدين أو جودة المساعدات المقدمة أو مدة الدعم".

وحصر المساعدات عبر باب الهوى، يعني أيضاً -وفق حسنو- أن منطقة نبع السلام (تل أبيض ورأس العين) ستكون من المناطق المحرومة من المساعدات الأممية لأسباب "غير منطقية تتنافى مع أخلاقيات الأمم المتحدة في نهجها المفترض بتقديم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها بغض النظر عن العرق والدين والإثنية".

المدير التنفيذي لمنظمة بنفسج، ذكر أن استخدام روسيا للفيتو لإغلاق باب الهوى أمام المساعدات، سيكون "كارثياً بكل معنى الكلمة"، وسيعني حصار 4 ملايين نسمة في شمال غربي سوريا، وتحويل المنطقة إلى معتقل جماعي كبير.

وتابع: "لدينا ولدى المجتمعات المحلية تخوفات كبيرة من الأمر، ومن أي اهتزاز في العمل والمساعدات الإنسانية".

الحلول البديلة في حال إغلاق باب الهوى

وعن البدائل أوضح ديراني، "نظرياً تستطيع الدول تخصيص الأموال للمنظمات المحلية والدولية، لكن على المستوى العملي الأمر صعب جداً ويخضع لعدة محددات، من شأنها انخفاض الدعم بشكل حاد جداً، حيث إن معظم التمويل الدولي يتم عن طريق الأمم المتحدة، وهذا لن يكون متاحاً عبر الحدود، وسيعني ذلك تحول الدعم إلى مناطق سيطرة النظام، وحرمان المناطق الخارجة عن سيطرته".

ويعني ذلك أيضاً أن "القرار سيصبح في دمشق"، بالتالي إغلاق وكالات الأمم المتحدة شراكاتها وعملياتها عبر الحدود.

وفي هذه الحالة، يتوجب على المانحين الدوليين إيجاد آلية بديلة بشكل عام للمحافظة على تخصيص الدعم للمحتاجين، وذلك من خلال -على سبيل المثال- تفعيل صندوق تمويل بإدارة مباشرة من المانحين وتعزيز إمكانيات الشركاء وتمويل مباشر للمنظمات المحلية، وفقاً لرؤية "ديراني".