icon
التغطية الحية

تعريف بـ فنّ العتابا

2021.12.10 | 08:52 دمشق

taba.jpeg
تعريف بـ فنّ العتابا (kataeb.org)
+A
حجم الخط
-A

 العتابا، فن من الفنون الغنائية الشعبية اشتهر بصورة أساسية في أرياف وبوادي بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين)، وفي جزء من العراق المحاذي للديار الشامية حيث تسمى العتابا في العراق (الأبوذيّة). وهناك فروقٌ في صياغة العتابا بين العراق والشام، وفي الحالتين لها أساليبها وأصولها التي لا تتاح لأي مؤلّفٍ شعبيّ سواء كتابةً أم ارتجالاً.

وقد اشتهرت العتابا بمصاحبتها لآلة (الربابة) في سوريا أكثر من غيرها. والعتابا اصطلاح فني يطلق تحديداً على مقطع غنائي يغنّيه فرد واحد، مقطع مؤلف من أربعة شطرات تتجانس الثلاثة الأولى منها من خلال الجناس نفسه الذي رأيناه في الموال البغدادي، وتتحرر الشطرة الأخيرة من الجناس فتأتي مستقلة، وشكل العتابا هو:

 

أ     أ

أ   ب

 

ولأن العتابا تنتهي عند (ب) فيمكن لـ (ب) أن تأتي بأشكال مختلفة هي:

1- تنتهي بألف سواء أكانت ممدودة أم مقصورة:

 

النَّواهي عذّبنّ القلب عامات
 

 

عليهن نحل جسمي وصار عامات
 

يَصاحب لا تلوم العينْ عامات
 

 

كثر ما هلّت العبرة دما . . .
 

 

دما: ألفها ممدودة، ويمكن أن تأتي مقصورة مثل النوى – الجوى – الهوى...

2- تنتهي بياء مشدودة تأتي بعدها هاء ساكنة (سنيَّة – هنيّة – رديّة – منيّة). وهذه النهاية تشتهر في العراق.

3- تنتهي بباء ساكنة مثل (الشباب – ضباب – عذاب – تراب).

والعتابا جميعها تكون على البحر الوافر (مفاعلَتن – مفاعلَتن – فعولن). ولكن التفعيلة الأخيرة (فعولن) لا تأتي كاملة دائماً في الشطرة الرابعة المستقلة، وذلك عندما تكون هذه الشطرة منتهية بياء ساكنة أو ألف، وعندها تكون التفعيلة (فعو). كما في المثال السابق (دما = فعو) فقط. وقد يكون مغني الربابة مع العتابا يعوض هذا السبب المحذوف (/ هـ) من التفعيلة بأن يمدّ الحرف الأخير عدة حركات تنوب مناب ما تم حذفه.

ومن خصوصيات هذا اللون الغنائي اشتراك شطرين منه بكلمة واحدة، بحيث يكون القسم الأول منها في نهاية الشطر الأول والقسم الثاني في مطلع الشطر التالي. شريطة أن تكون حروف القسم الأول محققة لشرط الجناس مع الشطرات الأخرى، وهذا يعتبر من صعوبات هذا الفنّ، الذي يحتاج في مثل هذه الحالة إلى مهارات فنية وحسّ عالٍ بالمفردات المنتقاة، وذخيرة قاموسية معتبرة.

هذا ويسمّى انقسام الكلمتين إلى جزأين بين نهاية الشطر الأول وبداية الشطر الثاني، أو بين نهاية الشطر الثاني وبداية الشطر الثالث يُسمّى (الحدرة):

 

كيف أسلى عشير صباي وانسى الْـ
 

 

ليَالي الكنت ويّا الولف وانسَلْ
 

كثر ماونّ قلبي انحلّ وانسَلْ
 

 

عليهن والدمع دايم سريَّه
 

 

أما إذا كانت الكلمة مشتركة بين نهاية الشطر الثالث وبداية الشطر الرابع والأخير فتسمى الحالة (الردفة):

 

يَصاحب لا تلوم الدهر ونعال
 

 

وقلبي صار بيه الوجع ونعال
 

لجلكم لذرف العبرات وانعى الـ
 

 

ليالي الكان بطرافه هنا . . .
 

 

هذا وللعتابا أنواع مختلفة تتوزع باعتبارات المنطقة والبيئة الجغرافية التي تنتشر فيها. ففي البيئة البدوية للجزيرة بين الفرات وبادية العراق تسود العتابا الشرقية بلفظها وأدائها البدويين المحض، ومثلها العتابا الواردة من العراق تسمى (العراقية). ويتفرع عن ذلك العتابا (الجَبورية) نسبة إلى (الجَبور) وهي من القبائل الشهيرة في العراق. وبعكس العتابا الشرقية تسود في المناطق القريبة من الساحل الشامي واللبناني، عتابا من نوع أسهل وأوضح (الغربية) .

أما مناطق الداخل فأشهر أنواعها عتابا أهل (السلمية). ويقال إن العتابا السلمونية تعود إلى أيام (السومريين).

وهناك كذلك العتابا التي يرددها أهل ريف حمص. ومن عتابا أهل السلمية اشتهر بغنائها (صادق حديد – محمد صادق حديد - حمادي الصالح).

أما العتابا القريبة من الساحل فنظراً لسهولة لفظها وليونة ألفاظها ورشاقة مواضيعها فقد عرفت كثيراً في الأغنيات، والحواريات، كما في الغناء الجبلي، فكانت جزءاً يأتي إما في مطلع الأغنية أو في سياقها وهكذا غنتها (فيروز – وديع الصافي – نصري شمس الدين – صباح – مروان محفوض وأميرة). ويلاحظ أن العتابا لدى هؤلاء متخفّفة من شروطها الصارمة في أنواع العتابا الشرقية، حتَّى إنه قد يتم الإطاحة الكاملة بالجناس التام. أو شرط قافية الشطرة الأخيرة.

ونقرأ من أمثلة العتابا السلمونية (الشرقية) هذه العتابا لمؤلفها سليمان داود من السلمية:

 

أريدك واستحي لومك وعَتْبَكْ
 

 

وحبّْ دارك وجيرانَكْ وعْتبَكْ
 

أظنّ بخاطري الفرقَةْ وعتبَكْ
 

 

مِن أجلَكْ ناخت العلاّت بيّه
 

 

أمّا من أمثلة العتابا الغربية السهلة فنقرأ هذه العتابا التي يغنيها وديع الصافي :

 

جبلنا بدمنا ترابو جبلنا
 

 

ومهما الدهر غضباتو جبلنا
 

بنبقى هون ما بنترك جبلنا
 

 

تراب الأرز أغلى من الدّهب
 

 

نلاحظ هنا الشطرة الأخيرة منتهية بباء ليس قبلها ألف ممدودة، وهو شرط يتوافر في العتابا الشرقية البدوية. ولكن غناءها يتم بمد وإشباع الهاء بحيث يتولد لدينا حرف الألف مع اللحن من أصل الكلمة، وهذا مشهور وروده في العتابا الجبلية والغربية.

بين الموال البغدادي والعتابا

أول فارق أساسي بين اللونين ما نشاهده من اختلاف في موضوعات اللونين. فكثيراً يسود موضوع مديح الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الموال البغدادي، ومديح صحابته. وذلك كما يغنيه أهل حمص ومنشدو حلب. أما في العتابا فيكاد لا يرد هذا الموضوع.

مع أن بعضاً من منشدي المدائح النبوية استفاد من شكل العتابا في نظم عتابات خصصت للمديح النبوي، لكن الأصل مختلف. حيث إن هؤلاء المنشدين دائماً من أهل المدن الذين لا علاقة لهم بفلكلور الريف والقرى.

في حين يشترك اللونان في بقية الموضوعات من حب وغزل وفراقيات وحكمة ووصف وفخر وحزن... الخ مع اختلاف الأداء اللغوي لكل من اللونين (بدوي – جبلي – ريفي مديني – ريفي). وغلب على العتابا الشرقية والسلمونية موضوعات التغزل الحسي بالمرأة وجمالها وأشيائها، بينما تتخفّى المرأة في الموال البغدادي بذكر الخالق، مانحنا هذا الجمال الذي يذكّر ببدائع صنع الله. وهذا يؤثر طبعاً على سوية الصور الفنية لكلا اللونين، حيث إن عالم المرأة المحسوس والممتع يثير المخيلة ويوقظها، فتتدفق صور الجمال المثيرة للتشبيهات الحسية، وتشتهر العتابا الشرقية بهذا النوع من التشبيهات المغرقة في المتعة واللذة الجميلة. لكن المرأة في الموال البغدادي علاقة مرصودة ومدروسة، ونادراً ما تخرج إلى مجال التلذذ الحسّيّ بها. فكأن الاتجاه من الرجل إلى المرأة في (البغدادي) يكون باتجاه الأعلى، ويكون نحو الأسفل (ليس بمعنى التدني في المستوى) في العتابا.

فُروق فنية بين الموَّال والعتابا

وهناك فروق في طريقة استخدام اللغة. ففي حين تشترك العتابا مع الموال في مسألة الجناس الكامل، فإنها تختلف عنه على أنه يضيف على الكلمة حروفاً أو يدمج كلمتين معاً كما رأينا، أو يحذف حروفاً وذلك لتحقيق شرط الجناس. لكن اللونين يشتركان في صعوبة أسلوب الجناس، فباستثناء العتابا (اللبنانية) فإن العتابا مع البغدادي يحتاجان إلى ثروة لغوية معجمية واسعة، وقاعدة في معرفة الفروق بين المفردات والمترادفات، وإحساس بالمعاني المختلفة للكلمة الواحدة. ويشترك اللونان في موضوع كيفية تأديتهما، إذ يؤدي المغني أو المنشد الموال أو العتابا بشكل يسبق الأغنية أو بشكل منفرد. وقد تتناوب مجموعة مغنين على أداء مجموعة مواويل وعتابات.

وأخيراً، إذا كانت العتابا مشهورة بشكلها الحالي أربع شطرات فقط، فقد رأى (إبراهيم الفاضل) –الباحث في الغناء والموسيقى الشعبية والفلكلور – أن العتابا قد تصل إلى خمسة أشطر أو ستة وهكذا ... فتغدو مخمسة أو مسدّسة أو مسبّعة..

ولكن هذا كما يبدو غير شائع، يبقى إذاً على الواقع، أن الموال البغدادي الذي يسمى (السبعاوي) سباعي الأشطر له تقنية معقدة في بناء قوافي شطراته أكثر من تقنية العتابا. فالعتابا حتَّى لو أصبحت سداسية الأشطر فإن أشطرها جميعاً يحكمها جناس واحد، أما في السبعاوي فيحكمه جناسان ثم عودة إلى الجناس الأول. ولا نغفل أن الإتيان بجناسات عديدة في العتابا السداسية (المفترضة) يحمل هو الآخر صعوبة فنية ودقة في معرفة أكبر بمعاني الألفاظ.