تعريب الأسد: المطلوب ليس أقل من استقالة الائتلاف

2023.05.26 | 06:05 دمشق

آخر تحديث: 26.05.2023 | 06:05 دمشق

تعريب الأسد: المطلوب ليس أقل من استقالة الائتلاف
+A
حجم الخط
-A

تعود مشكلة المعارضة السورية إلى بدايات الثورة السورية. وتتمثل في ثلاث نقاط: الأولى أن المعارضة الرسمية (المجلس الوطني ثم الائتلاف بنسخة المتعددة) عوَّل على المجتمع الدولي والدعم العسكري أكثر من تعويله على السوريين والحراك الداخلي. النقطة الثانية أن المعارضة الوطنية لا يجوز لها نهائيا أن تأخذ أموال ورواتب (بشكل دوري) من دول أخرى، لأنه في هذه الحالة ستتحول السياسة، بحسب ماكس فيبر، من موضع للكفاح ونيل الحريات إلى موضوع للتكسّب والتعيّش. النقطة الثالثة أن قياداتها كانت تعيش لعشرات السنوات في الخارج وأنها لم تكن تزور الداخل إلا ساعات قليلة، وشبه خلسة، الأمر الذي أبعدها عن معايشة أحداث الثورة ومعاناة الناس الرهيبة.

كل تلك النقاط أبعدت المعارضة الرسمية عن السوريين وقللت من قناعة السوريين بهكذا معارضة. وبالنتيجة الكلية عانى السوريون خلال أكثر من عشر سنوات من معارضة ضعيفة، ومؤسسة تعاني من المحسوبيات والفاسد وضعف الأداء، والأصعب من ذلك أنها أصبحت متمسكة السلطة ومنشغلة بالبقاء فيها أكثر من انشغالها بالثورة ونجاحها، ولم يعد لها أي قدرة على التأثير في الساحة السياسية، سواء في الداخل، أو في الساحة الدولية.

علاقة السوريين بالائتلاف وصلت إلى نقطة الافتراق الذي لا رجعة عنه. فهو مدعو إما أن يستقيل بشكل كامل، أو يحل نفسه لانعدام أي جدوى سياسية له

نقول مثل هكذا كلام لأن خطوة عودة الأسد إلى الجامعة العربية لا يمكن تفسيرها إلا بوصفها دلالة على فشل المعارضة الرسمية الذريع قبل أي تفسير آخر. فشل، دفع السوريون ثمنه كثيرا وقد آن الأوان لأن يتوقفوا عن دفع ثمن أخطاء ليس هم من ارتكبها. وبعد أكثر من أسبوع على زيارة الأسد للسعودية وعدم تحمل الائتلاف أي مسؤولية يمكن القول إن علاقة السوريين بالائتلاف وصلت إلى نقطة الافتراق الذي لا رجعة عنه. فهو مدعو إما أن يستقيل بشكل كامل، أو يحل نفسه لانعدام أي جدوى سياسية له، وفقدان أي قدرة له على التأثر في مجريات الأحداث في سوريا. لا سيما وأن غالبية السوريين شعروا بالإهانة والألم بسبب تلك الزيارة.

أصل السياسة بحسب حنة آرندت وفوكوياما وغيرهم من كبار فلاسفة السياسة هو الكرامة. ولا سياسة بدون كرامة. ولا أهمية لأي مؤسسة لا تضع لنفسها كرامة، ولا تضع في أولوياتها كرامة من تمثلهم. يضاف إلى ذلك أن الائتلاف يمارس السياسة بالمعنى الضيق لها؛ أي وصفها وسيلة للوصول إلى الحكم، وليس السياسة بالمعنى الحقيقي، أي العمل على تحقيق الحرية والحقوق والعدالة، وتحويل تلك الأهداف إلى هدف قائم بحد ذاته. فالسياسة هي التي تخدم النضالات والقضايا الكبرى في نهاية الأمر. ولا معنى للسياسة التي لا تنشغل بمثل هذه القضايا الأساسية. 

لنكن واضحين، غالبية الأطراف الدولية الفاعلة تنظر للائتلاف على أنهم مجرد ثلة من "الشحاذين" و"المتطفلين على السياسة"، مثلما أنه بات معروفا لدى الجميع أنه يمكن تجاهل مطالبه وفوده بشكل كامل دون أن يؤثر ذلك على الوضع السياسي قيد أنملة. وأن الائتلاف يرضى في النهاية بأي شيء، لأنه ببساطة " لا شيء" في نهاية الأمر.  وقد دلت المواقف والتطورات السابقة على صحة ودقة هذا الاستنتاج.

السياسة تقوم على وضع احتمالات والعمل على الدفع بالاحتمال الأفضل للفاعل السياسي. وفي حال ظهور خيارات مضادة عليك أن تجهز نفسك للعمل ضد هذا الخيار. الجامعة العربية بضغط من السعودية طبعت مع النظام. ولكن ما الخطوات التي أعدها الائتلاف لمواجهة هذا الحدث؟ الجواب وببساطة هو "لا شيء"، مجرد "تباك وعويل" وكلام فارغ.

يضاف إلى ذلك، ما الخطوات التي أعدها الائتلاف لمواجهة أي احتمالات أخرى تزيد من تعريب النظام وتدويله؟ الجواب هو "لا شيء"، بكل بساطة. ماذا يستطيع الائتلاف أن يقوم به بعد سنة أو سنتين أو خمس أو عشر..، الجواب هو "لا شيء". لقد فقد الائتلاف أي قدرة على التأثر لأنه في حالة من "الموت السريري". سنوات الفساد وتقاسم المناصب والمحسوبيات وشهوة السلطة لا بد من أن تفعل فعلها آخر المطاف.

الغالبية العظمى من السوريين يجادلون بأن ليس لدى الائتلاف أي خطط أو استراتيجيات واضحة. الاستراتيجية الواضحة هي "البقاء في السلطة" وانتظار ما تأتي به الأيام

أي معارضة في العالم لها ما لها وعليها ما عليها. هكذا كان ياسر عرفات ونيلسون مانديلا وغيرهم كثير. ولكن أن تتحول المعارضة إلى عبء على المعارضين، وتجعل من السياسة وسيلة للتكسب والوجاهة، من دون التفكير بالتضحية في سبيل تحقيق الأهداف، فهذا ليس بسياسة على الإطلاق، السياسة أن تصنع احتمالات في أحلك الظروف، وأن تلعب في ميادين أنت تختارها، لا أن تلعب في ملاعب الآخرين.

عندما لا تفكر بالخطة "ب"، ولا بوسائل فعالة لتنفيذها فعليك الجلوس في بيتك. الغالبية العظمى من السوريين يجادلون بأن ليس لدى الائتلاف أي خطط أو استراتيجيات واضحة. الاستراتيجية الواضحة هي "البقاء في السلطة" وانتظار ما تأتي به الأيام. يتهكم السوريون، بأسى وحرقة، ماذا لو طُلب من الائتلاف الصلح مع بشار الأسد دون أي مقابل على الإطلاق؟ وتم تخيير أعضائه بين هكذا خيار مهين أو الذهاب إلى بيوتهم؟ يقول أقل المتشائمين بأنهم سيطلبون ضمانات أمنية لأشخاصهم، وإذا كانت هناك بيوت ورواتب وما إلى ذلك فإنهم سيصالحون بدون تردد.  

لا نقول مثل هذا الكلام إلا خوفا من أن تضيع تضحيات السوريين في دهاليز السياسة وتبادل المصالح وعقد الصفقات السياسية. إن أول مسؤولية تقع على ممثل أي قضية هي جعل قضيته فوق الصفقات والتسويات المؤقتة. تحويلها إلى قضية وجودية، قضية حياة أو موت، ودون ذلك لا معنى للسياسة من أساسها.