icon
التغطية الحية

تطوير القصة الموجهة للطفل العربي

2022.04.26 | 06:05 دمشق

adl_altfl-_tlfzywn_swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما يزال القسم الأكبر من قصص الأطفال العربية متواضعَ المستوى مضموناً وأسلوباً، قاصراً قصوراً واضحاً أمام احتياجات أطفالنا، رغم أننا في الألفية الثالثة حيث الاطلاعُ على تجارب الآخرين المتقدمة صار سهلاً عبر الكتب المترجمة، والإنترنت، والمعارض، ورغم أن تجربة الكتابة في قصة الطفل العربية تجاوز عمرها عدة عقود من السنين.

ولا شك في أن رداءة القصة التي نضعها على رفوف المكتبة ليقرؤها أبناؤنا الصغار تلعب دوراً في إضعاف رغبتهم في القراءة، وتزيد من صعوبات التواصل بينهم وبين الثقافة عامة، لذلك فالسعي إلى تطوير قصص الأطفال له هدفان نبيلان: تقديمُ قصة جيدة مشوِّقة للجيل الصغير، ومحاولةُ إغرائه بالعودة إلى عالم الكتب.

أسباب المشكلة

لتقصي أسباب المشكلة لا بدَّ من العودة إلى الوراء قليلاً مع النظر في الواقع الراهن أيضاً.

بدأت المحاولات الأولى في تأليف قصص عربية مخصصة للأطفال في نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، وقد أخذتْ هذه المحاولات في النمو التدريجي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، غيرَ أنَّ القصة الناضجة التي لفتت الأنظارَ إليها، وشكَّلتْ لها جمهوراً من الصغار أو ما يشبه الجمهور لم تظهر تقريباً إلا في الستينيات من القرن الماضي.

ما ساعد على هذا النضج أن عدداً من المجلات الجادة المتخصصة بالطفولة كانت قد برزتْ إلى الساحة قبل هذا التاريخ، وأخذتْ تُشجِّع الأدباءَ على الكتابة، وتستقبل إنتاجهم كمجلات: (سندباد، سمير، ميكي) في مصر، ثم ظهرت في سوريا مجلة: (أسامة) عام 1969، وفي العراق، والأردن، وبلاد المغرب العربي ظهرتْ مجلات أخرى، ثم توالى ظهور المجلات في هذا القطر أو ذاك، ولكل مجلة إهابها الفني، وأفقها الخاص، ومنها: (العربي الصغير، ماجد، أحمد، وسام)، كما عُرف بعض الأدباء بتوجههم إلى القصة الطفلية، ومعظمهم لم يقصر إنتاجه عليها، من هؤلاء:( زكريا تامر، عادل أبو شنب، دلال حاتم، عبد التواب يوسف، ناجح المعموري، روضة الهدهد، مصطفى غَزَال، أحمد عبد السلام البقَّالي)*.

 

أسامة.jpg

 

ولاحقاً، جاء جيل آخر من كتَّاب القصة أكمل جهودَ سابقيه، ودخلت القصة على يديه في طور من التنوع النسبي ومقاربة حاجات الطفل النفسية، والاجتماعية، والترفيهية، ويمكن القول: إنَّ الخط البياني الصاعد للقصة سواء من جهة الإنتاج الأدبي أو من جهة إقبال الصغار على القراءة استمر تقريباً إلى الثمانينيات، وما بعدها بقليل  من القرن العشرين.

 

مجلة_العربي_الصغير.jpg

 

إلا أنَّ الحال أخذ يتغير بعد ذلك، فالصعود صار خطاً مستقيماً، وبدأ الخط المستقيم يتحول إلى خط هابط تدريجياً باستثناء بعض التجارب المحدودة، كما أنَّ الأطفال أخذوا ينفضُّون عن القصة، وهذه التغيرات سببها ما يلي:

1- وجدَ كتَّابُ هذه القصة أنفسَـهم شبه معزولين عن الدعم الحقيقي، وواجهوا معاناة مادية مُرَّة، إذ إنَّ مكافآت النشر التي تصلهم لا تسدُّ إلا أقلَّ القليل من احتياجاتهم، كما أن فرص النشر بحد ذاتها ضئيلة جداً لوقوع معظم المجلات تحت الوصاية أو الروح الشللية أو كليهما معاً.

2- اقتصر كثير من الدول العربية على المجلات التابعة لوزارات الثقافة، وهي محدودة العدد لا تتناسب مع الزيادة في تكاثر الأطفال، في سوريا مثلاً مجلة واحدة منذ أربعين عاماً هي: (أسامة)، رَفَدتْها قليلاً مجلة: (الطليعي) التي يقتصر توزيعها على المدارس، إلى جانب هذا الشح في المجلات الرسمية نرى عدداً من الأقطار العربية مازال يتردد في منح التراخيص للمجلات الخاصة، وكأنه يعمل بالقول السائر: (لا أرحمه، ولا أترك الرحمة تصل إليه)!

3- تأثر بعضُ كتَّاب القصة بالانكسارات العربية وحركة الردة إلى الوراء المرتبطة بها، فعادوا إلى زيادة جرعات الوعظ والتلقين في قصصهم بعد أن خفَّتْ حدُّتها، وسار الفن القصصي شوطاً في تحقيق ذاته.

4- لم تنتبه الجهات الرسمية التي تطبع كُتبَ القصة إلى مسائل الغلاف، والصور الداخلية، ونوعية الخط، والإخراج عموماً بصورة كافية، هذه المسائل توفِّر للكتاب جاذبيةً فنية ضرورية للأطفال، ولا سيما في عصر التلفاز الذي يضع أمام أبصارهم عوالمَ من السحر أو مما فوق السحر.

5- أما من جانب الأطفال، ففضلاً عن تأثرهم برداءة الإنتاج القصصي، أحاطتْ بهم ظروف جديدة أبعدتهم عن المكتبات وما فيها من القصص، وجميعِ كتب الأدب والعلم، فالأجيال الجديدة من المعلمين والمعلمات لا يشجعون التلاميذ على ارتياد المكتبة وهم أنفسهم لا يقرؤون، ولا يقرأن، والآباء والأمهات لا يتابعون أبناءَهم في هذه الناحية، فقد انخرطوا وانخرطن إلى الآذان في المشكلات الاقتصادية، كما أن الظلال السوداء للأوضاع السياسية في المنطقة تغلغلتْ في القلوب، فشعر الجميع بالإحباط ولا جدوى الثقافة.

6- ملأت برامجُ التلفاز المساحات الفارغة في حياة الأطفال، ثم جاء الحاسوب بألعابه العجيبة المذهلة، وعلا ضجيج ملاعب الكرة، والنتيجة: اعتاد الصغار أجواءَ التسلية والإثارة والضجيج، وباتت القصة وغيرها من منسياتهم.

قصص الأطفال والمستقبل

إذا أردنا أن نضع قصة الطفل على طريق التطور، فعلينا أن نعي أننا أمام مشروع كبير لا تنهض به الكلمات المعسولة ولا النوايا الحسنة وحدَها، بل لا بد من تعانق الإرادات على أرضية من محبة الطفل والثقافة.

إن الجهات الرسمية مطلوب منها اتخاذ القرارات المناسبة وتقديم الدعم، والجهات غير الرسمية ممثَّلة في الأدباء ودور النشر الخاصة مطلوب أن تضع إطاراً للعمل يراعي ما يلي:

  • إن الطفل اليوم يختلف كثيراً عن طفل الأمس في وعيه ومزاجه، فهو يعيش في عصر مفتوح يعج بالبريق والألوان، ولم تعد القصص الساذجة قادرة على جذبه إليها.
  • من الأفضل لقاص الأطفال أن يتخصص في عمله ليعرفه من ألفه إلى يائه، ويتابع تطوراته، ويتماهى معه صبحاً ونهاراً وليلاً لينهمر القص منه كما ينهمر المطر من السحابة.
  • تقليص المسافة بين قاص الأطفال وبين جمهوره من الصغار لتكون صفراً.. أي أن عليه أن يستمع إلى هؤلاء، ويشجعهم على نقده، وأن يوجد حيث يوجد الأطفال.. في المدارس، والنوادي الأدبية، ومعسكرات الكشافة.
  • عند الكتابة على الأديب أن يخلص لحقيقة بسيطة هي أنه قاص بالدرجة الأولى يقدِّم شخصيات قصصية ووقائعَ مجبولة بطينة الفن وأبعاده، ولا يجوز أن يصبح واعظاً أو معلِّماً. إنَّ القصة الفنية تكشف عن مكنوناتها القيمية بطريقة غير مباشرة، وهذه الطريقة هي الأفضل والأجدى لأطفال اليوم.
  • من الممكن استثمار مسابقات القصة التي تقيمها جهات رسمية أو خاصة لرفع قامة قصص الأطفال والنهوض بشأنها من خلال اختيار لجان أكثرَ نزاهةً وتخصصاً، وقد يكون من المفيد أن يُوجَد في كوادر التحكيم أطفال موهوبون تؤخذ آراؤهم ولو بصورة أولية، كما يُستحسن أن تُقدَّم دراساتٌ نقدية وافية في مزايا النصوص الفائزة تُنشر في وسائل الإعلام، بينما نجد مردود المسابقات الحالية لا يصب بصورة جيدة في خدمة الفن القصصي، إذ الهدفُ منه لدى الجهة المنظِّمة هدف دعائي على الأغلب، ومن جهة الفائزين ينحصر الهدف في القيمة المادية للجائزة.

9- تستطيع دور النشر الخاصة أن تتخذ خطواتٍ أوسعَ في مجال صناعة الكتاب الطفلي، إضافةً إلى ما قام بها بعضها في السنوات الأخيرة، وكأنها تخوض في كل مرحلة تحدياً مع نفسها من أجل الأفضل، وتستطيع أن تستفيد بطريقة أكبر من تجارب دور النشر في الدول المتقدمة التي أنتجتْ كتابَ الطفل الباهر بمضمونه ورسومه، وأنتجتْ لصغار الأطفال: كتاب الفلين، والكتاب الناطق، والكتاب اللعبة، والكتاب الملحَّن.

أخيراً.. إنَّ قطار القصص والحكايات الذي كان الصغار ينتظرونه بلهفة ليوزِّع عليهم بضاعته اللطيفة المفيدة المسلية صار قطاراً متعَباً شائخاً يصل متأخراً أو لا يصل، وبضائعه تحتاج إلى تجديد نفسها، وإلى بهاء وظلال وألوان مبتَـكرة تجذب أطفالَنا الذين يعيشون عصراً مختلفاً وحياةً متغيرة، ولكي نصلح حياةَ هذا القطار المحبوب ونرتقي بأدائه، فجميع من لهم صلة به مدعوون إلى بذل الجهد بإخلاص ومحبة، وأعتقد أننا على حق إذا قلنا لهؤلاء في نهاية المطاف: أعطونا قصةً جيدة وثقافة جيدة، وخذوا منا طفلاً جيداً.


هامش:

* عبد التواب يوسف: كاتب مصري.
زكريا تامر، عادل أبو شنب، دلال حاتم: كتَّاب سوريون.
 ناجح المعموري: قاص من العراق.
 روضة الهدهد: كاتبة من الأردن.
 مصطفى غزال، أحمد عبد السلام البقَّالي: مغربيان.