icon
التغطية الحية

تضخم سرمدا.. الغرق بمياه الصرف يهدد الشريان الاقتصادي في إدلب (تحقيق)

2022.03.02 | 05:32 دمشق

12.jpg
صور لتداعي شبكة الصرف الصحي في مدينة سرمدا بريف إدلب، شباط/فبراير 2022 (تلفزيون سوريا)
إدلب - عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

مع تسارع النمو الكبير سكانياً وبشرياً لبلدة سرمدا، في ريف إدلب، والتي تحولت في غضون سنوات من بلدة صغيرة إلى مدينة، بعد أن ازدادت عشرة أضعاف، من دون استعدادات مسبقة وغياب التخطيط التنظيمي الذي يراعي هذا التضخم.

في غضون 11 عاماً باتت سرمدا المحاذية للبوابة الحدودية مع تركيا، خزاناً بشرياً ومركزاً تجارياً لمنطقة شمال غربي سوريا، بسبب عاملين أولهما قربها من باب الهوى، والثاني استقبالها آلاف العائلات المهجّرة من مختلف المناطق السورية.

ألقى التضخم العمراني والكثافة السكانية بأعباء كبيرة على البنى التحتية في سرمدا، وتسبب بضغطٍ هائل على الخدمات البلدية، وعلى وجه التحديد مشكلة الصرف الصحي والطاقة الاستيعابية لمجارير البلدة التي لم تصمم لاستيعاب هذا الضغط.

يحاول موقع "تلفزيون سوريا" في هذا التحقيق دق ناقوس الإنذار وتنبيه الجهات المسؤولة، وعلى رأسها "حكومة الإنقاذ السورية"، والمنظمات الإنسانية، بضرورة التحرك لاستبدال خط الصرف الصحي الرئيسي المهدد بالإغلاق والانسداد التام نتيجة الضغط السكاني خلال فترة قريبة.

ويهدد الانهيار المتوقع خط الصرف الصحي في سرمدا بحدوث "كارثة إنسانية"، قد تتسبب بغمر مئات المنازل والمحال والشركات التجارية في المدينة بمياه الصرف الصحي، كما حدث قبل ثلاثة أعوام، فضلاً عن خسائر مادية كبيرة تضرب المدينة الاقتصادية وتعرقل الحركة التجارية.

كثافة سكانية وشبكة صرف صحي قديمة

بحسب رئيس المجلس المحلي لمدينة سرمدا، أحمد قباع، فإن البنى التحتية في مدينة سرمدا كانت مجهزة قبل عام 2011، لنحو 15 ألف نسمة فقط.

ويقول قباع لموقع "تلفزيون سوريا"، لم يكن في الحسبان أن البلدة الصغيرة، ستتحول إلى مدينة تعداد سكانها أكثر من 150 ألفاً، فضلاً عن المخيمات العشوائية التي تحيط بها، وآلاف الزوّار يومياً، خلال ساعات النهار من عمّال وتجّار وموظفين إنسانيين.

ويوضح قباع أن "البنى التحتية القائمة في المدينة غير قادرة على استيعاب أعداد السكان الحاليين وهو ما عكس عجزاً واضحاً في مختلف الخدمات المقدّمة، إلا أنّ المشكلة الأكثر إلحاحاً، وتسبب حالة قلق سنوياً في فصل الشتاء، هي أزمة الصرف الصحي.

وتتلخص مشكلة الصرف الصحي في جانبين رئيسيين، الأبرز هو الخط الرئيسي المؤدي إلى مكب الصرف المهدّد بالإغلاق كلياً في وقتٍ قريب، إلى جانب إغلاق شبكة الصرف داخل المدينة.

1311_0.jpg
مياه صرف صحي تغمر أراضي زراعية على طريق سرمدا - الدانا (تلفزيون سوريا)

خط تصريف وحيد

يعدّ خط تصريف شبكة الصرف الصحي الرئيسي من أبرز الأزمات التي تواجه مدينة سرمدا، الشريان الاقتصادي في محافظة إدلب، لما يمكن أن يسبب إغلاقه كارثة حقيقية بعد أن تكرر انهيار أجزاء منه عدة مرات خلال السنوات السابقة نتيجة الضغط الكبير الذي يعاني منه.

ويبلغ طول الخطّ الرئيسي الواصل من المدينة إلى مجرى الصرف (جنوب المدينة قرب مزرعة تدعى برج النّمرة)، نحو 1900 متر، بقطر يبلغ 70 سنتيمتراً وعمق تحت الأرض يتراوح من 3 إلى 4 أمتار.

وبحسب تقديرات المجلس المحلي فإن 70% من الخط مغلق ويعمل بنسبة 30% فقط، وفي طريقه إلى الإغلاق التام في حال استمرار هذا الوضع، الأمر الذي يهدد المدينة بالغرق بمياه الصرف الصحي.  

ويلخص حمزة حمد، مهندس في المكتب الخدمي في المجلس المحلي، أسباب إغلاق المجرى الصرفي الوحيد، بالنقاط الآتية:

  • الخط قديم ومنشأ منذ خمسين عاماً، وهو عبارة عن (مجار بيتونية مسقوفة بقشرة إسمنتية فقط) وليس قساطل إسمنتية حديثة.
  • الانهيارات المتكررة في مواقع مختلفة من المجرى.
  • الكثافة السكانية الضخمة في المدينة والمخيمات المحيطة بها.
  • اعتماد المزارعين على مياه الصرف الصحي، ولذا كان يخسر المصرف المياه وتترسب الفضلات في داخل المجرى ما يؤدي إلى تراكمها مع مرور السنوات والزمن.

وما يزيد من تفاقم أزمة الخط الرئيسي لشبكة الصرف الصحي اعتماد منطقة الدانا بكاملها وما يحيط بها من بلدات حزرة وتل الكرامة وترمانين على الخط ذاته، إضافةً إلى موسم الأمطار، إذ يزداد الضغط عليه.

غرق منازل وأسواق تجارية في 2019

في آذار/مارس من 2019، شكّل انهيار جزء من الخط الرئيسي قرب السوق التجارية، في مدخل مدينة سرمدا الجنوبي، كارثةً حقيقية بعد غرق أحياء سكنية ومستودعات تجارية في المدينة.

وأدى طوفان مياه الصرف الصحي إلى غرق أكثر من 200 منزل بمياه الصرف الصحي والأمطار، إلى جانب غرق نحو 15 مستودعاً، بحسب إحصاءات المجلس المحلي.

كما انهارت أجزاء من الخطّ الرئيسي خلال السنوات القليلة الماضية، 3 مرات، إلا أنّ الانهيار الذي حدث في 2019، كان الأكثر ضرراً على السوق التجارية ومنازل المدنيين.

وتعد المناطق المنخفضة هي الأكثر تضرراً بإغلاق الخطّ الرئيسي "القرية القديمة وحي الحديقة" والجزء الجنوبي من المدينة.  

وعلى إثر ذلك، أطلق المجلس المحلي في مدينة سرمدا، نداء استغاثة قبل عامين بضرورة تحرك المنظمات الإنسانية والجهات المسؤولة عن تنفيذ خطّ تصريف رئيسي بديل عن القديم، لإنقاذ المدينة من غرق محدق بأية لحظة.

كيف غرقت المحال؟

أدى هبوط مدخل المبنى السابق لجامعة الشمال الخاصة (أكسفورد حينذاك)، الذي يمر تحته جزء من الخطّ الرئيسي للصرف الصحي، قبالة أوتوستراد باب الهوى، إلى انسداد الصرف الصحي عند منطقة السوق التجارية (وهو سوق حديث خاص يقع على بعد أقل من كيلومتر من الجامعة)، ومع كثافة الأمطار في نهاية شهر آذار/مارس من العام 2019، غرقت مستودعات ضخمة داخل السوق.

واعتبر متابعون للحادثة حينذاك أنه بسبب إقامة مدخل للجامعة على خطّ الصرف الرئيسي ونتيجة الضغط المتزايد عليه، انهار جزء من الخطّ وتراجعت قدرة التصريف إلى أقل من الربع، ما أدى إلى حالة الاختناق وغرق السوق ومن خلفها أحياء سكنية كاملة داخل مدينة سرمدا.

وبعد وقوع الحادثة، تبرع تجار من المدينة لإصلاح الجزء المتضرر من الخط بإشراف من المجلس المحلي، وتم إنشاء ساقية إسمنتية رديفة تخفف الضغط عن الخط المنهار، تجنباً لتكرار حالة الغرق التي أدت إلى خسائر مالية لدى تجّار في السوق.

وقدرت قيمة الخسائر في السوق التجارية نتيجة غرق البضائع بأكثر من 260 ألف دولار أميركي.

فيضان مياه الصرف الصحي قرب السوق التجارية في سرمدا بريف إدلب، آذار 2019 (أرشيف المجلس المحلي)

خسائر مادية

تواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع أحد التجار المتضررين، ولكنه فضّل عدم الكشف عن اسمه، للحديث عن الأضرار والخسائر التي لحقت بمستودعه الذي تبلغ مساحته نحو 1000 متر، نتيجة انفجار خط الصرف الصحي داخله بعد انسداد الشبكة الصرفية، موضحاً أنّ خسائره بلغت 200 ألف دولار.

ويقول التاجر إن فرق الدفاع المدني عملت على سحب المياه التي طافت بارتفاع متر ونصف، لمدة ثلاثة أيام وسحبت مياهاً بمقدار 600 صهريج مياه.

ويرجع التاجر أسباب الأضرار التي لحقت بمستودعه، إلى بناء مدخل الجامعة على جزء من مجرى الصرف الرئيسي ما أدى إلى تضرره وانهياره.

ومنذ تاريخ وقوع الحادثة، ينتظر التاجر المتضرر، القرار القضائي، بعدما رفع دعوى على مالك الجامعة من أجل حصوله على التعويض.

مياه صرف صحي تغمر أراضي زراعية على طريق سرمدا - الدانا (تلفزيون سوريا)

ضحايا مدنيون

كما تلقي مشكلة الصرف الصحي في سرمدا بظلالها على المحاصيل الزراعية في الحقول والمزارع المحيطة، لا سيما أن المزارعين يستخدمون مياه الصرف الصحي في سقاية الأراضي الزراعية، ما أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين.

وكان من جملة الأسباب التي أدت إلى إغلاق المجرى الرئيسي لجوء عدد من مزارعي الأراضي الواقعة جنوبي المدينة إلى إفراغ أكياس رملية في قاع فتحات الصرف الصحي الواقعة في الأراضي الزراعية، الأمر الذي يسهم في إغلاق مجرى المياه وطوفانها نحو الأعلى ما يسهّل عملية سحبها عبر المضخّات (مواتير المياه) وسقاية الأرض الزراعية فيها.

لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الفعل الذي ما زال منتشراً حتى اليوم في أجزاء من الأراضي الزراعية لكن بالخفاء، إنما تسببت هذه العملية في وفاة 4 أشخاص خنقاً خلال محاولتهم النزول إلى الفتحات المصرفية لتنظيفها لتسهيل عملية سحب المياه.

ويروي شقيق أحد الضحايا، ثلجي الثلجي، الحادثة التي أودت بحياة شقيقه حسين واثنين من أبنائه، محمد ويزن، خنقاً، خلال محاولتهم النزول في فتحة الصرف الصحي لتنظيف الأنابيب المستخدمة في عملية سحب المياه لسقاية الأراضي.

ويقول ثلجي في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إنّ الحادثة بدأت من نزول أحد أبناء شقيقه للقيام بعملية التنظيف واختناقه، وخلال محاولة أخيه الآخر ثم الأب إنقاذه ماتوا جميعاً خنقاً داخل الفتحة.

ويملك الضحية حسين الثلجي أرضاً زراعياً مساحتها 15 دونماً وتقع خلف السوق التجارية المتضررة، ويزرعها منذ سنوات، إلى أن أودت الحادثة بحياته واثنين من أبنائه عام 2018.

ويضيف ثلجي أن جاره ويدعى، حسين خربوط، توفي أيضاً بظروف مماثلة تماماً، خلال استخدامه مياه الصرف لسقاية الأرض الزراعية.

في هذا السياق، يؤكد المهندس، حمزة حمد، أنّ المجلس المحلي عمل جاهداً على مكافحة استخدام مياه الصرف الصحي نتيجة أخطارها سواء على حياة المزارع، وعلى شبكة الصرف الصحي وأيضاً على المزروعات.

ويضيف المهندس أن "المجلس سير دوريات مكثفة وصادر عدة مضخّات وفرض غرامات مالية على أصحاب الأراضي الزراعية الذين لجؤوا إلى هذه السقاية، الأمر الذي أسهم في تخفيف الظاهرة إلى حدٍ كبير".

وتحت هذه الأراضي الزراعية تحديداً الواقعة بين حدود المدينة من الجهة الجنوبية إلى حيث نهاية مجرى التصريف الوحيد، يكمن الخطر المحدق بشبكة الصرف إذ إنّ أجزاءً منه مهددة بالانهيار والهبوط.

إغلاق شبكات الصرف الصحي

لا تقتصر أزمة الصرف الصحي في المدينة على الخط الرئيسي، إنما تبدأ من الخطوط الخلفية، بين الأحياء والشوارع، إذ تعاني شبكة الصرف الصحي من إغلاق مزمن نتيجة الضغط والتّوسع العمراني.

وفي شهر شباط/فبراير الجاري، أطلق المجلس المحلي بالتعاون مع منظمة "سوريا للإغاثة والتنمية"، مشروع "تسليك" لتنظيف وفتح الأنابيب في خط الصرف الصحي، شملت نحو 900 متر من شبكة الصرف الصحي المغلقة بعد تراكم الفضلات.

 وبحسب المهندس تشكل عملية التنظيف هذه تحدياً كبيراً ستواجهه المدينة، لا سيما أن 900 متر يعني إغلاق خط الصرف على العديد من أحيائها.

ويضاف إلى المشكلة التي يعمل مشروع "تسليك" على حلها للشبكة التي خارج المدينة، ما زالت شبكة الصرف الصحي الداخلية مغلقة في أحياء بكاملها ويعتمد سكانها على "الجور الفنية" وطرق تصريف بدائية وغير صحية.

وتقدّر حاجة شبكة الصرف الصحي إلى مشروع مدّ يصل إلى 2000 متر، ويتركز في الحيين الشمالي (طريق الجبل) والغربيّ، وهما حيّان جديدان من التوسع العمراني الذي شهدته المدينة خلال السنوات القليلة الماضية.

وتجدر الإشارة إلى أن غياب حالات الغرق اليوم في المدينة، من طوفان الأحياء السكنية أو المستودعات التجارية، لا يعني أنّ أزمة الصرف الصحي انتهت، إنما الكارثة بأية لحظة من الممكن أن تقع على المدينة، مع انهيار أجزاء من خطّ التصريف الرئيسي واختناق شبكة الصرف الصحي.

ويوصي مَن التقاهم موقع "تلفزيون سوريا" من معنيين ومتضررين وسكان المدينة لتفادي حدوث "كارثة" ذات أبعاد صحية واقتصادية وإدارية بـ:

  • الإسراع في إطلاق مشروع إنشاء خط تصريف رديف للخط الرئيسي وبمواصفات قياسية.
  • إطلاق حملة مناصرة إعلامية للفت انتباه الجهات المانحة والمنظمات في ظل عزوف عدد كبير منها عن تبني المشروع بسبب ارتفاع تكاليفه.
  • مد خط تصريف مستقل لمنطقة الدانا إلى المجرى الرئيسي حتى يخفف الضغط عن المدينة.
  • منع المزارعين من استخدام مياه صرف الخطّ الرئيسي.
  • متابعة النقاط المهددة بالانهيار وقياس مدى تأثيرها على محيطها سواء أكان أسواقاً تجارية أو أحياء سكنية تجنباً لوقوع حادثة السوق التجاري.