تصعيد ما قبل الصفقة.. والعين على بايدن

2022.06.17 | 05:55 دمشق

أميركا وإيران
+A
حجم الخط
-A

كل مؤشرات التصعيد التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، تأتي في سياق تحسين الشروط السياسية والتفاوضية. على الرغم من الإيحاء بأن المنطقة تقف على شفير حرب كبرى، سواء بين إسرائيل وإيران أو بين إسرائيل وحزب الله، فإن ذلك لا يبدو واقعياً، إنما يندرج في سياق رفع الصوت للجلوس على طاولة التفاوض، فلا الإسرائيلي يريد الحرب ولا الإيراني كذلك. ومن خلفهما ثمة حرص أميركي وأوروبي على ضرورة إرساء الاستقرار وإبقاء الهدوء لأن الهدف الأكثر أهمية واستراتيجية هو توفير الغاز وموارد الطاقة إلى أوروبا على مشارف الشتاء.

وبالتالي أي حرب قد تندلع في جنوب لبنان مثلاً على خلفية بدء العمل الإسرائيلي لاستخراج النفط من حقل كاريش ستؤدي إلى تعطل كل الأعمال ما يؤدي إلى تضرر إسرائيل ومن خلفها أوروبا.

غالباً ما يكون استخدام لغة الحرب والتهديد بها له هدف آخر تماماً، يتعلّق بمحاولة استدراج العروض لأخذ حصّة من أي اتفاق سياسي، الأمر نفسه ينعكس على التصعيد الإيراني الإسرائيلي في ضوء المواقف الإسرائيلية التي تسعى إلى تحشيد أكبر كم من المواقف الدولية ضد طهران باعتبار أنها أصبحت قريبة من امتلاك القنبلة النووية.

يأتي ذلك على وقع التعقيدات التي تصيب مسار التفاوض النووي. إذ يوم بعد آخر تبتعد آفاق الوصول إلى اتفاق نووي، بينما يتحوّل الصراع إلى داخل الإدارة الأميركية نفسها حول جهات متعددة ترفض توقيع الاتفاق مع إيران وتقديم أي تنازلات لها، وجهات أخرى تضعف وجهة نظرها لكنها ما تزال متمسكة بالاتفاق وتوقيعه. أحد تجليات تعرقل الاتفاق النووي هو إطلاق مسيرة جديدة باتجاه القنصلية الأميركية في أربيل.

أمام هذه الوقائع تبدو إيران كأنها تعيش في حالة حصار وتضييق يضعف موقفها في المنطقة ككل، فلم تعد قادرة على اتخاذ إجراءات تقريرية بل تعطيلية كما هو الحال بالنسبة إلى الوضع العراقي المستمر، منذ أشهر، وهو نفسه سينعكس على الساحة اللبنانية أيضاً، فيما تستمر الهدنة باليمن وهو أمر يعود بالنتائج الإيجابية على السعودية. هنا تبرز الحماسة الإيرانية إلى نسج تفاهمات مع السعودية والمسارعة إلى الإيحاء بموعد قريب لعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين، في حين الموقف السعودي لا يزال واضحاً وهو أن لا تقدم حقيقي وجدّي في المفاوضات مع إيران.

ما تعانيه إيران أيضاً، هو التنافس الاستراتيجي بينها وبين روسيا على بيع النفط بطريقة ملتوية للالتفاف على العقوبات، سابقاً كانت إيران وحدها تسعى إلى تحقيق ذلك بمساعدة الروس

ما تعانيه إيران أيضاً، هو التنافس الاستراتيجي بينها وبين روسيا على بيع النفط بطريقة ملتوية للالتفاف على العقوبات، سابقاً كانت إيران وحدها تسعى إلى تحقيق ذلك بمساعدة الروس، أما اليوم وبعد العقوبات على موسكو أصبحت روسيا بحاجة إلى القيام بما كانت تقوم به طهران، هذا التجاذب  بين الطرفين والذي انعكس في مفاوضات النووي، ينعكس أيضاً في سوريا، على وقع الانسحابات الروسية من مناطق استراتيجية بينما تبدو إيران عاجزة عن سدّ الفراغ خصوصاً في الجنوب السوري بسبب الخوف من الضربات الإسرائيلية التي ستتكثف، وهنا لا يمكن فصل مساعي الأردن والولايات المتحدة الأميركية على تشكيل فيالق من المعارضة للإمساك بواقع الأرض في الجنوب وصولاً إلى معبر التنف الحدودي.

ضعف إيراني في الجنوب يقابله ضعف في الشمال أيضاً، إذ على وقع الانسحابات الروسية من مناطق شمالية تبدي تركيا الاستعداد للدخول وفرض سيطرتها على مناطق أوسع وتكريس المنطقة الآمنة، هذا يأتي على وقع لعب تركيا دوراً أساسياً في التفاوض الروسي الأوكراني، وفي ظل التقارب التركي مع السعودية بانتظار زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أنقرة ولقاء الرئيس رجب طيب أردوغان.

كل الصراعات المشهودة لها نتيجة واحدة، وهي أن الجميع يتصارع على الفوز بالحلف الأميركي، وتعزيز العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، وهذا من أساسيات السعي إلى إنجاح زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، والتحضير لعقد قمة خليجية معه تبحث في إعادة تعزيز العلاقات الاستراتيجية ونسج تفاهمات من شأنها أن تضعف إيران أكثر وتعزز موقع السعودية ويحقق من خلالها بن سلمان أهدافاً استراتيجية متعددة. هي قمة إن حصلت، ستكون لها أبعاد وتداعيات متعددة الاتجاهات في المرحلة المقبلة، وستنتج عنها تحولات كثيرة.