تصدير الثورة كمفهوم...

2019.11.22 | 19:16 دمشق

11201917141228829476167.jpg
+A
حجم الخط
-A

على الدوام كانت الدول الإقليمية الكبرى تسعى لفرض نموذجها على الدول الإقليمية الصغيرة والمجاورة، تارة عبر القوة العسكرية وتارة عبر القوة الناعمة وتارة عبر الانقلابات والتآمر الاستخباراتي، بداية من تجربة جمال عبد الناصر الثورية القومية العربية والتي حاولت فيها إدارة الرئيس عبد الناصر فرض الأنظمة القومية الثورية العربية ودعمها بشتى الطرق في مواجهة ما سماه وقتها بالرجعية والتخلف والتعامل مع الاستعمار فدعم الانقلاب في ليبيا بقيادة القذافي ودعم الانقلاب في سوريا 1963 ودعم الثورة الفلسطينية بقيادة عرفات والجمهوريين في اليمن والعسكر في السودان والقوى الوطنية في لبنان والعراق والجزائر.

بينما حاولت السعودية على الدوام دعم ما سمته بالاستقرار، عبر تكريس مفهوم أن الاستقرار في المنطقة يعني الاستقرار في الخليج، فعادت عبد الناصر وقوميته وعادت ثورة إيران الخمينية وصدام وقوته العسكرية المنفلتة وضربت بيد من حديد

إيران التي كانت أشد دولة إقليمية حاولت نشر فكرها الإيديولوجي عبر شعار واضح وحاسم ألا وهو مفهوم (تصدير الثورة)

في البحرين واليمن ولبنان وفلسطين، وكان سلاحها دوماً هو نشر التنمية الاقتصادية لكسر أي طموح انقلابي عسكري لدى القوميين من دعاة الفوضى على حد قول سياسييها ودبلوماسييها.

أما إيران التي كانت أشد دولة إقليمية حاولت نشر فكرها الإيديولوجي عبر شعار واضح وحاسم ألا وهو مفهوم (تصدير الثورة) عبر نشر الثورة الإسلامية بالقوة في دول الجوار ومن ثم العالم من أجل تحقيق النموذج الإسلامي العادل الذي طمحت إليه..

ولكن الحقيقة كانت على الدوام أن جميع الدول الإقليمية الكبرى لم تصدر إلا الشعارات، فهذه الدول مضاف إليها تركيا أردوغان وإسرائيل الاستيطانية والتي هي الدول الكبرى الإقليمية في الشرق الأوسط، لم تستطع نهائياً أن تطبق في بلدانها ما تدعو إليه في بلدان الجوار، وعلى رأس تلك الدول إيران، التي حاولت جاهدة نشر وتصدير ثورتها في دول الإقليم مثل لبنان والعراق وسوريا وفلسطين واليمن وحتى البحرين والكويت وعمان وباكستان وأفغانستان.. ولكن كل ما حصلت عليه هو سيطرتها العسكرية على أغلب هذه الدول، ذاك الذي أتاح لها نفوذاً كبيراً في تلك الدول، لم يستطع أن يقنع شعوب تلك الدول بنظريتها الإيديولوجية التي لم تجلب لشعوب المنطقة إلا الدم والحروب وتسعير مبدأ الطائفية المرة، بل هي حتى لم تقدر على زرع التنمية في إيران ذاتها التي منذ أربعين عاماً تعاني من احتجاجات معيشية ومظاهرات متواترة في كل سبع سنوات على الأقل.

فالمبدأ يقول: لا يمكنك أن تبشر بشيء لا تملكه أنت أصلاً، فالفكرة الإيرانية وقبلها الناصرية كانت تعتمد على سحق الشعب في مقابل الاهتمام بنشر الإيديولوجيا في الإقليم، مما سبب فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق، وبين الممارسة والشعار، فلا مقاومة بينما بطون الشعب خاوية، ولا حرية وتحرير فيما المعتقلات متخمة بالأحرار وأصحاب الرأي والسياسيين، استمرت إيران على ذلك الحال أربعين عاماً وهي تحاول إسقاط العراق في شباكها حتى سقط ومثله لبنان واليمن وسوريا وأفغانستان، ولكن ما ابتلعته من غنائم كان أكبر من حجمها ومن قدرتها على استيعاب إدارته، فانقلب السحر

لم يحتاج الأمر إلا لأسابيع حتى بدأت الدول الواقعة تحت نير النفوذ الإيراني بتصدير الثورة الحقيقية إلى المحتل ذاته

على الساحر واندلعت المظاهرات في عموم البلدان الخاضعة للنفوذ الإيراني مطالبة بالتنمية والحرية والخدمات الأساسية وما هي إلا أسابيع حتى أصبحت العراق ولبنان وسوريا ميادين للمظاهرات ضد الفساد من جهة وضد إيران من جهة أخرى..

مئات آلاف نزلوا للشوارع يهتفون من أجل رغيف الخبز بيد ومن أجل حرية بلادهم باليد الأخرى.

ولم يحتاج الأمر إلا لأسابيع حتى بدأت الدول الواقعة تحت نير النفوذ الإيراني بتصدير الثورة الحقيقية إلى المحتل ذاته، فاندلعت المظاهرات في 60 مدينة على الأقل في إيران، مطالبين بالتغيير والحرية ورفع العقوبات ورفع الظلم عن الناس، كانت هذه الثورة التي صدرت هي الثورة الحقيقية، ثورة دون إيديولوجيا، ثورة دون شعارات كاذبة، ثورة حقيقية لشعوب الشرق الأوسط الذي ضاق ذرعاً بكل أنواع الإيديولوجيا الدينية والقومية والسياسية والاقتصادية.

ثورة تنتقل عبر الحدود بين الشعوب التي لا تكره بعضها وإنما فرضت العداوة عليها بسبب الأنظمة المتصارعة، شعوب تريد ثورتها التي تنقذها من وحشة الشرق الأوسط وظلامه، لقد كان الخميني على حق فالثورة أمر معد، ولا يمكن أن ينجو من تلك العدوى أي جسد غير محصن ومنيع. ولنا في إيران نموذج عن الثورة وتصدير الثورة المعاكس.