تساؤلات حول مستقبل الوجود الروسي في سوريا

2022.09.25 | 06:59 دمشق

تساؤلات حول مستقبل الوجود الروسي في سوريا
+A
حجم الخط
-A

تحوّلت روسيا بعد تدخلها العسكري السوري في عام 2015 إلى أقوى الفاعلين الدوليين في الصراع السوري. بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، لم يكن الهدف الوحيد لهذا التدخل حماية حليف وثيق له من السقوط، بل شكل بوابة لموسكو لإبراز نفسها كقوة دولية جديدة تسعى للعب دور كبير في الشرق الأوسط. مع انخراط روسيا في حرب استنزاف تبدو طويلة الأمد في أوكرانيا، فإنّ موسكو تجد صعوبة في الحفاظ على زخم وجودها العسكري في سوريا. الشهر الماضي، قال مسؤولون أوكرانيون إن روسيا استخدمت سفن شحن تجارية في السابع والعشرين من أغسطس آب الماضي لنقل منظومة الدفاع الجوي S300 من ميناء طرطوس إلى البحر الأسود. في حال صحّت هذه المزاعم، التي تدعمها صور الأقمار الصناعية، فإنها تُعد مؤشراً إضافياً على أن موسكو تعمل على تقليص مواردها العسكرية في سوريا من أجل الاستفادة منها في أوكرانيا، وهي بطبيعة الحال مؤشر أيضاً على الاستنزاف العسكري الذي يُعانيه الجيش الروسي في الحرب.

منذ اندلاع الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير شباط الماضي، أغلقت تركيا مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية العسكرية الروسية من سوريا بعد أن أثارت كييف مخاوف من أن روسيا تستخدم طرق الطيران لنقل مقاتلين إلى أوكرانيا. كما فرضت قيوداً على حركة السفن العسكرية الروسية عبر مضائق البحر الأسود بموجب معاهدة مونترو. عندما زار بوتين طهران لعقد قمة ثلاثية مع نظيره التركي والإيراني في يوليو تموز الماضي، حرص على إظهار أن الدور الروسي في سوريا لم ولن يتأثر مستقبلاً بفعل الحرب في أوكرانيا. في حين أن تقليص العمليات العسكرية الروسية في سوريا خلال السنوات الأخيرة بفعل اتفاقات وقف إطلاق النار، جعل موسكو أقل حاجة للحفاظ على زخم كبير لوجودها العسكري في الساحة السورية، فإن أي تراجع هذا الزخم، قد يؤدي إلى تحوّلات كبيرة في ديناميكية التأثير الخارجي في سوريا في المستقبل المنظور.

تواصل موسكو الاحتفاظ بنشاطها العسكري في المنطقة بشكل فعال، وأبدت مؤخراً معارضة شديدة لخطط تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب

على الرغم من انخفاض النشاط العسكري الروسي في سوريا بشكل حاد في الأسابيع الأولى من الحرب الأوكرانية، إلا أنه بحلول أبريل نيسان الماضي، عادت الضربات الجوية الروسية إلى مستويات ما قبل الحرب. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك بعض التقارير عن قيام روسيا بسحب قواتها من جنوب سوريا إلى الجبهة مع أوكرانيا، ما يترك فراغاً ستسعى إيران للاستفادة منه من أجل زيادة وجودها العسكري في الجنوب السوري. على العكس من ذلك، لم يطرأ حتى الآن تحول كبير على الوجود الروسي في الشمال السوري منذ اندلاع الحرب. تواصل موسكو الاحتفاظ بنشاطها العسكري في المنطقة بشكل فعال، وأبدت مؤخراً معارضة شديدة لخطط تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية. بالنظر إلى الحاجة الروسية المتزايدة للمزيد من الموارد العسكرية على الجبهة مع أوكرانيا، فإنه من المرجح أن تلجأ في نهاية المطاف إلى سحب بعض الأسلحة الرئيسية التي لديها في سوريا.

يُضاف إلى ذلك أن العقوبات الاقتصادية الغربية التي تتعرض لها روسيا، تحد من قدرتها على مواصلة تقديم الدعم المالي للنظام السوري بالوتيرة التي كانت قبل حرب أوكرانيا. في الوقت الراهن، يبدو أن التأثيرات المباشرة للحرب في أوكرانيا على الدور الروسي محدودة. على المدى القصير، من غير المرجح أن يقوض التركيز العسكري الروسي في أوكرانيا الوجود العسكري الروسي في سوريا بسبب أن هذا الوجود يتركز على قوات الدفاع الجوي والشرطة العسكرية بدلا من القوات البرية الكبيرة. كما لا تزال موسكو تنظر بأهمية استراتيجية للحفاظ على قواعدها الجوية والبحرية في سوريا ضمن استراتيجية تعزيز الحضور الروسي في شرق البحر المتوسط، والذي أصبح أكثر أهمية في المواجهة مع الغرب وحلف شمال الأطلسي.

مع ذلك، تواجه موسكو منذ أشهر مشكلة تتمثل في زيادة التكاليف اللوجستية لنقل القوات والإمدادات العسكرية من وإلى سوريا بفعل القيود التي فرضتها تركيا. سبق أن طالب مسؤولون روس أنقرة برفع القيود على حركة الوصول الجوي إلى سوريا، لكنها لم تلقى استجابة. يتركز الاهتمام الروسي في الوقت الحالي على عزل الدور الروسي في سوريا عن تداعيات حرب أوكرانيا. لتحقيق ذلك، لجأ بوتين إلى إعادة تنشيط منصة أستانا ومحاولة تطوير الشراكة الثلاثية مع تركيا وإيران إلى تعاون في مكافحة الإرهاب بما في ذلك تحجيم المشروع الانفصالي الكردي والضغط لإخراج الولايات المتحدة من شمال شرقي سوريا. علاوة على الاستقرار الأمني النسبي، الذي يجعل روسيا أقل حاجة إلى الاحتفاظ بوجود عسكري كبير في سوريا، فإن موسكو وأنقرة عزلتا تعاونهما في الملف السوري عن تضارب مصالحهما بشأن أوكرانيا. كما نجح بوتين في إقناع أردوغان بتأجيل خطط العملية العسكرية الجديدة ضد الوحدات الكردية وإبداء الرغبة في إقامة حوار سياسي مع دمشق.

تعمل طهران على توظيف الانشغال الروسي بعيدا عن سوريا لتعزيز بصمتها في هذا البلد وتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي

تعمل روسيا على أكثر من مسار للحد من تداعيات حرب أوكرانيا على دورها في سوريا. فمن جانب، تبدي اهتماما في الحفاظ على الترتيبات القائمة مع إيران وتركيا. ومن جانب آخر تعمل على مواصلة دور ضابط الإيقاع بين الفاعلين الإقليميين الذين لديهم مصالح متضاربة كتركيا وإيران من جهة وإيران وإسرائيل من جهة ثانية. لكن قدرتها على مواصلة ذلك ستتقلص كلما طال أمد الحرب في أوكرانيا. تعمل طهران على توظيف الانشغال الروسي بعيدا عن سوريا لتعزيز بصمتها في هذا البلد وتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي. من شأن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها موسكو بفعل العزلة الغربية واحتمال رفع العقوبات عن طهران في حال إعادة إحياء الاتفاق النووي أن تمنح طهران وسائل إضافية لتعزيز أهدافها الجيوسياسية في سوريا على المدى البعيد. بالنظر إلى أن المصالح الروسية في سوريا تتركز على موانئ البحر المتوسط والقواعد العسكرية على الساحل السوري، فإنها لا تتضارب مع مصالح إيران طالما تبدي الأخيرة التزاما بها.