تزايد الضجيج الإسرائيلي الأميركي ضد إيران دون تنفيذ

2020.12.12 | 23:03 دمشق

906ed7cf-ab29-4d00-97f1-9cd87f413770.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب أفول عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدء العد التنازلي لتولي الرئيس جو بايدن، زادت التهديدات الإسرائيلية باتجاه استغلال ما تبقى من عهد الإدارة المنتهية ولايتها لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة ضد إيران، ومنشآتها النووية، خشية أن تحمل الإدارة الجديدة توجهات "تصالحية" مع طهران، والعودة للاتفاق النووي.

تزامنت زيادة هذه التهديدات مع تنامي الاستعدادات العسكرية والأمنية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، من أجل الأخذ بها، استعدادا لحرب واسعة مقبلة، قد تندلع في جبهات متعددة، لكنها تجرى على نار هادئة، مع العلم أن الجيش الإسرائيلي نفذ في منتصف نوفمبر، غارة واسعة علنية في سوريا، بعد العثور على عبوات ناسفة قرب استحكام 116 بهضبة الجولان، وزرعت بتوجيه من وحدة 840 في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

في هذا الهجوم الإسرائيلي المعلن، تم استهداف ثمانية أهداف بينها مخازن للوسائل القتالية، وبطاريات وصواريخ أرض-جو، وقيادة قوة القدس وقيادة الفرقة 7 السورية، وقتل جنود سوريين وإيرانيين، لكن الهجوم جاء في ظل تحفز مضاعف لقيادة الشمال حيال "حزب الله" بعد مقتل أحد عناصره في هجوم إسرائيلي في سوريا.

مع أن الحزب تعهد بالرد على قتل عناصره، وحاول عدة مرات "تصفية الحساب" مع إسرائيل دون نجاح"، وبالتوازي فإنها قامت بعدد آخر من الهجمات ضد قواعد قوات إيرانية في سوريا، وهي بمثابة إشارة للحزب بأن المعادلة التي طرحها لا تردع إسرائيل، لكن التوتر لم ينتهِ، وإن كان يدار حتى الآن على نار هادئة، وبات الطرفان على مسافة بضع خطوات من تصعيد كفيل بأن يتطور لحرب.

التخوف الإسرائيلي أن احتمال الضرر للتصعيد بالجبهة الشمالية مع سوريا وحزب الله، وفوقهما إيران، يفوق بقدر كبير حجم الضرر الذي من شأنه أن يحصل في جبهة أخرى، وقد يؤدي لصعوبة في التحكم بالتطورات، ومنعها من أن تتحول لمعركة واسعة.

الفحص الأمني والعسكري لوضع إسرائيل الاستراتيجي، يأخذ بعين الاعتبار أنه بجانب هذا التوتر المتواصل هناك متغيرات إضافية، بينها عملية الانتقال بين إدارتي ترامب وبايدن، وخلالها يمكن لواشنطن وتل أبيب أن تهاجم أهدافا إيرانية في المنطقة؛ وهذا تطور كفيل بأن يجر ردا إيرانيا ضد إسرائيل، وكل هذا في ظل كورونا وأزمة سياسية داخلية.

مع أن عملية اغتيال زاده، هي خطة نفذتها إسرائيل لإجبار بايدن، على التخلي عن النهج الدبلوماسي في التعامل مع إيران، واختيار النهج العسكري لمواجهة طموحاتها النووية، رغم أن عدم امتثالها لخطة العمل المشتركة وضع إدارة ترامب في مأزق، وبات جليا أن سياسة "الضغط الأقصى" القائمة على العقوبات والمطبقة منذ 2018 فشلت، ولم تنجح بإعادتها لطاولة المفاوضات، والتفاوض على برنامج نووي جديد أكثر تقييدا.

من وجهة نظر إسرائيل، فإن الهدف الأكثر أهمية من مقتل فخري زاده هو خلق سياسة الأمر الواقع من حيث الخيارات التي تنظر فيها إدارة بايدن المستقبلية

لقد كان اغتيال فخري زاده خطوة متعمدة من قبل إسرائيل، صحيح أنه لن يكون لوفاته تأثير حقيقي على أنشطة إيران النووية، لكن مقتله في وضح النهار، وفي قلب إيران، وجه طعنة لقيادة طهران، وأثبت مرة أخرى أن الذراع الممتدة للاستخبارات الإسرائيلية قد تطول أي هدف، وفي الوقت نفسه، سيكون لهذا الاغتيال التأثير الأكثر خطورة على فريق الأمن القومي المحيط ببايدن.

من وجهة نظر إسرائيل، فإن الهدف الأكثر أهمية من مقتل فخري زاده هو خلق سياسة الأمر الواقع من حيث الخيارات التي تنظر فيها إدارة بايدن المستقبلية، ولن توافق إيران على الشروط العديدة التي يسعى بايدن ومستشاروه لفرضها على إيران.

بالتزامن مع هذه التطورات المتلاحقة، كشف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، عن عدد الهجمات العسكرية التي نفذتها أذرع جيشه المختلفة، مستهدفا مئات الأهداف في الجبهات كافة، وعلى رأسها الجبهتان الشمالية في لبنان وسوريا، والشرقية في إيران والعراق.

يزعم كوخافي أن جيشه بمختلف أذرعه هاجم منذ مطلع 2020 قرابة 500 هدف على الجبهات كافة، بينها العديد من العمليات السرية، أسفرت بصورة إجمالية عن تباطؤ لافت في التموضع العسكري الإيراني في سوريا، نتيجة استمرار نشاط جيش الاحتلال، لكن الطريق ما زالت طويلة أمام استكمال أهدافه في هذه الجبهة.

وفي إطار الأنشطة العسكرية الإسرائيلية ضد الجبهة الإيرانية، تندرج استراتيجية "المعركة بين الحروب"، التي شهدت ارتفاعا في وتيرة العمليات، ونوعيتها ضد إيران، وزيادة في عدد النشاطات بالنيران، وتوسع نطاق الأنشطة السرية.

بناء على ذلك، يشهد التموضع الإيراني في سوريا حالة تباطؤ على مدى العامين المنصرمين، نتيجة نشاطات قوات جيش الاحتلال ضد الإيرانيين والمضيف السوري على حد سواء، وكجزء من ذلك، انخفض عدد النشطاء الإيرانيين في سوريا والميليشيات التابعة لها بشكل واضح، وقد أدت هذه الهجمات لإخلاء قواعد ومعسكرات ومقرات إيرانية من منطقة دمشق، كجزء من حملة لإبعادها إلى شمال شرق سوريا، كما أن محاور نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا تضاءلت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.

من جانب آخر، تبدو المخاوف الإسرائيلية قائمة بشأن عودة إيرانية محتملة إلى "المشروع النووي العسكري"، مما قد يقرب المواجهة المسلحة المباشرة بين طهران وتل أبيب، مما يعني أن عملا عسكريا إسرائيليا ضد المشروع النووي الإيراني يحوم مرة أخرى في الأفق.

هذا لا يعني أن إسرائيل في مرحلة القرار للضغط على الزناد، لكنها تقترب من هناك بسرعة؛ وهذا ليس منوطا بها، فليست هي من تملي وتيرة الأحداث، لأنه لو كان لديها حكومة تؤدي مهامها ومجلس أمني مصغر يعمل بشكل مرتب، فهذا سيكون الموضوع الأساسي الذي سيغرقون فيه اليوم وخلال الأشهر القريبة القادمة.

هناك يمكن النظر إلى اغتيال "أبو المشروع النووي الإيراني" محسن فخري زاده، بأنه محفز آخر لهذا التوتر، لأنه بعد يومين من تصفيته، اتخذ البرلمان الإيراني سلسلة قرارات تلغي عمليا القيود التي فرضتها على نفسه في إطار الاتفاق النووي، ومما ينبغي أن يشعل الضوء الأحمر في إسرائيل تلك القرارات التي توجه خطى لجنة الطاقة الذرية في إيران لاستئناف العناصر التي تعود للمشروع النووي العسكري.

ترجح التقديرات أن إيران لن تتردد بتوجيه ضربة لأهداف إسرائيلية، لولا أن قدرتها تظل محدودة

التأكيدات الإسرائيلية تتحدث أنه حتى وصول الأيام التي ستمر حتى دخول بايدن للبيت الأبيض، ستكون حرجة، وتوجد هنا خطوات دينامية، وكل واحدة منها قد تخلق سوء فهم وتدهورا سريعا لمواجهة مسلحة، ولكن في حال هاجم ترامب، في أواخر ولايته إيران، فعلى إسرائيل أن تقرر خطوطها الحمراء في ضوء إمكانية عودة طهران للمشروع النووي العسكري، ويبقى السؤال حول طبيعة تلك الأعمال، فهل ستكون على غرار قتل فخري زاده، أو ضرب منشآت نووية، أم خطوات كاسحة وصاخبة أكثر بكثير، وهل إسرائيل مستعدة لتنفيذ هذه الخطوات، مع أنها حاولت جر إيران للحرب من خلال الاغتيال، لكنها لم تفلح حتى الآن.

في الوقت ذاته، ترجح التقديرات أن إيران لن تتردد بتوجيه ضربة لأهداف إسرائيلية، لولا أن قدرتها تظل محدودة، فهي لا تريد إطلاق صواريخها بعيدة المدى من داخل أراضيها، لعلمها أن إسرائيل ستنتقم بقبضة حديدية، ولأن ذلك سيترك الولايات المتحدة بلا خيار سوى المسارعة لنجدة حليفها، أما الإجراء العقابي الآخر المتاح أمام إيران فهو إطلاق صواريخها من داخل سوريا، وحتى هنا فإن أياديها مقيدة، فلن يوافق الروس والسوريون على ذلك، وهنا سترد إسرائيل بعنف على أي استهداف لها.

الاحتمال الآخر أن تشن إيران حرباً سيبرية ضد المواقع والبنى التحتية الاستراتيجية الكبرى في إسرائيل، إلا أن القدرات السيبرية الدفاعية والهجومية أكثر تفوقاً، وأعلى قدرة، مما تملكه إيران، مع العلم أن إيران حاولت قبل عام ضرب البنى التحتية الحرجة في إسرائيل، لكن الأضرار التي سببتها محدودة جداً، ولم تتجاوز عدداً صغيراً من مضخات المياه، وإن نجحت قبل ذلك بسنوات قليلة بإلحاق أضرار كبيرة بأجهزة الكمبيوتر التي تتحكم بقطاع النفط في السعودية.

الخيار الآخر أمام إيران أن تأمر وكيلها المعتمد، حزب الله، بإمطار إسرائيل بالصواريخ من لبنان، لكن الحزب والحكومة اللبنانية الضعيفة يعلمان يقيناً أن أي رد إسرائيلي سيكون سريعاً ومؤلماً للغاية بما قد يتسبب في انهيار لبنان بأسره، وبذلك لا يبقى أمام إيران سوى محاولة استهداف الإسرائيليين في الخارج، وهي محاولات أحبطتها المخابرات الإسرائيلية، ولا يوجد ما يشير أنها ستكون الآن أفضل حظاً.