ترويض الفوضى.. تغيير سلوك النظام السوري أصعب من إسقاطه

2022.01.09 | 06:09 دمشق

tdwyr2.jpg
+A
حجم الخط
-A

عملت المعارضة السورية طويلا قبل الثورة السورية لتغيير ظنته ممكنا في سلوك النظام ونمط حكمه وتسلّط جماعته على رقاب السوريين لمدة أربعة عقود، وكانت وثيقة إعلان دمشق 2005 أبلغ من دعا لتغيير النظام الأمني السوري باتجاه الديمقراطية، تغييرا سلمياً ومتدرجاً ومبنياً على التوافق.

وتفجرت الثورة السورية التي كانت أهم مطالبها إسقاط النظام المستبد، بعدما عجزت المعارضة عن إحداث أي تغيير في سلوك النظام أو دفعه لانتهاج أسلوب منطقي أو حتى إنساني في تعامله مع المعارضة أو مع الشعب السوري.

لم تشر الوثيقة الشهيرة آنذاك إلى تغيير الأشخاص، تحوطاً على الأغلب من اعتقال جميع الموقعين، إنما صرّحت بضرورة تغيير النهج الاستبدادي. لكن مهلاً.. فكيف يمكن لرجل حاكم أو هو في موقع سلطة لعقود أن يغير في نهج حكمه؟ إنه أمر صعب، بل ربما مستحيل لاسيما بالنسبة لحاكم أو جماعة حكم شرقية مستبدة.. وهذا أمر بدهي، فلا يمكن تغيير نظام الحكم إلا باستبدال شخص الحاكم بآخر أو جماعة الحكم بجماعة أخرى، ولئن كان الرجل هو سلوكه، فالسلوك هو الرجل، في المقابل، وهو ما ينطبق على الجماعة الحاكمة أيضا.

فحتى في البلاد الغربية من الصعب على نظام قائم أن يجري تغييرات في أسلوبه وأهدافه من غير إجراء تغيير في أشخاصه، فما با لنا بالنسبة لنظام استبدادي شرقي مثل نظام الأسد؟

في الذهنية الشرقية يوجد مفهوم أساسي بهذا الخصوص، فالرجل متطابق مع سلوكه يحلان في بعضهما، فلا ذات ولا موضوع، بل اتحاد أقرب ما يكون إلى انحلال الذات بالموضوع. ولهذا فتغيير سلوك الفرد بدافع إكراه خارجي غير وارد أصلا في ذهنية الشرقيين، والسوريون من ضمنهم بطبيعة الحال.

نحن هنا أمام مجموعة من الأسئلة التي ربما لم يكلف أحد من المعنيين الإقليميين أو الدوليين الراغبين بتغيير سلوك النظام بدلا من تغييره أو إسقاطه، أن يجيب عنها..

أولا: كيف يمكن تغيير سلوك النظام؟ هل يعني ذلك تربية النظام أو تدريبه على انتهاج طريق جديد غير الطريق الوحشي الذي سار عليه عقودا؟

وثانيا: من هي الجهة التي ستوكل لها مهمة تغيير سلوك النظام؟ وما هي الرشيته أو دليل السلوك الذي ستسير وفقه عملية التغيير؟

وثالثا: هل توجد جهة دولية ترغب بتغيير النظام حقا بغضّ النظر عن رغبتها بتغيير رأس النظام أم لا؟

ورابعا: هل تستطيع هذه الجهة الدولية إن وجدت تغيير سلوك النظام من دون تغيير أشخاصه القياديين وتغيير النظام الذي يعمل وفقه؟

استحالة تغيير السلوك المتصلّب:

في علم النفس ثمة مبدأ معروف يقول إن أفكار وقناعات الإنسان وبالتالي سلوكه، تتبلور (التبلّر عملية كيميائية) بعد سن الأربعين، بحيث يصعب أن تتغير ذاتيا أو موضوعيا، والتبلّر هنا يعني التصلّب الذهني، بحيث لا تنفع في تغيير القناعات المتبلّرة، نظريات وحقائق وعلوم، الشيء الوحيد الذي يغير حالة التبلّر والتصلب هي الصدمات الكهربائية ربما؟؟

و"شخصية مجموعة سلطوية" بلغت من عمرها النصف قرن، إذا جاز القول "بشخصية" ما للجماعة، تشبه شخصية الفرد من حيث تبلّرها وتصلبها، أكثر من ذلك، فالجماعة السلطوية المستقرة لعقود تتوهم أنها "ضرورة تاريخية" وأنها حتمية اجتماعية، بل إنها جماعة مختارة تنصرها السماء!!

شبيهة بذلك الجماعة الحاكمة التي نسميها "النظام السوري" أو النظام الأسدي، فسلوك هذا النظام كما يعلم الجميع من الصعب تغييره -إضافة لتصلبه الذاتي- طالما أنه مدعّم بمرجعية إيرانية روسية عسكرية وسياسية فاعلة فيه، ومرجعية إماراتية مالية رافدة له.. تجعل لتصلّبه بُعداً موضوعياً أيضا..

هل تغيير رأس النظام هو الحل؟

رأس النظام في الحالة السورية هو رمزه "الوطني" و"الأخلاقي" و"العصبوي"، وتغيير رأس النظام هو بمنزلة تخلّ دولي عن الذين يمثلهم، ربما كان ذلك نتيجة مؤتمر يالطا وتوصيات كيسنجر اللاحقة وما استقرّ عليه النظام العربي (الخليج ومصر)، من الاعتماد في حكم بلاد الشام على الأقليات أو الأسر التي ليس لها جذور في المنطقة.. وعلى كل حال فتغيير رأس النظام لا يعني تغيير النظام، لأن النظام السوري ولد نتيجة لترتيب دولي إقليمي سابق، وهنا ستكون الخسارة مضاعفة للسوريين، فهذا يعني أن الحل الذي يسعى له كل السوريين ويتمنونه ويحلمون به (أي إسقاط بشار الأسد) سيفضي إلى بقاء النظام واستعادته سيرته المعتادة في النهب والقهر والقمع، رغم كل الدمار الذي حلّ بسوريا على الرغم من تهجير نصف أهلها وعلى الرغم من مليون ضحية قدمها الشعب السوري وعلى الرغم من كل الآلام وكل التضحيات التي دفعها هذا الشعب المعذب خلال عقد من الزمن..

نعم إن تغيير رأس النظام بما هو رمز ليس تغييرا للنظام، بل هو تغيير لمن يشغل موقع الرمز فيه فحسب (بشار الأسد) والأسوأ هو أن يأتي رئيس على شاكلة بشار الأسد يشغل منصبه ليبقى الرمز بما يعنيه من تمثيل للاتفاقات الدولية القديمة والإقليمية الجديدة، وما يعني للسوريين من قهر وإذلال وتمييز.. أو عقاب دولي لإثم تاريخي ارتكبه السوريون - المعروفين بقوة شكيمتهم وعزة نفوسهم- بحق النظام الدولي الجديد المستجد بعد الحرب الثانية ومخرجات هذا النظام (بالخصوص تأسيس إسرائيل على حساب أرض فلسطين التاريخية وعلى حساب الشعب الفلسطيني)..

لكن هذه الأهمية الكبيرة لرمز النظام وما يمثله دوليا وإقليميا تجعلنا نفكر بطريقة معاكسة، فلماذا إذاً لا يتم تغيير النظام نفسه مقابل الإبقاء على رمزه؟ إذا كان الرمز على غاية الأهمية للنظام الدولي والإقليمي..!

فتغيير النظام يعني تغيير السيستم-المحتوى-الآلة الضخمة التي تمارس النهب والقهر والقمع وكل الجرائم، بحيث يجري إدخال جيل جديد غير ملوث أو أقل تلوثا ووحشية، وتستبدل الآلية أو السيستم الحالي بسيستم جديد منضبط أخلاقي وإنساني، أو على الأقل بسيستم لا يقوم على التوحش والنهب والكراهية. فهذا هو ما يهم الشعب السوري أصلا، وهذا ما على المعارضة أن تفكر فيه كمحاولة للخروج من المستنقع الكارثي الذي يسحب سوريا إلى الأسفل، إلى الغرق الكامل الذي لا نجاة لها بعده.

إن تغيير النظام السوري سيكون نتيجة لتغيير معادلات واتفاقات النظام الدولي بما يخصّ منطقة الشرق الأوسط على الأقل.

كلمات مفتاحية