ترمب ونفط سوريا

2019.12.07 | 14:24 دمشق

alyd_alamynt_.jpg
+A
حجم الخط
-A

سأعترف لبشار الأسد بجملة مفيدة واحدة فقط، تلك التي قالها واصفاً رئيس أمريكا- ترامب- بالصراحة والوضوح؛ إذ لا أظن أن ديبلوماسياً في هذا العالم قد يعلن بكل هذه الصفاقة الباردة سيطرته على مورد اقتصادي لبلد آخر، وأنه سيتصرف به كما يشاء. لا أحد غير ترامب يمكن أن يصرح بذلك، حتى إن مارس الفعل نفسه، ترامب هذا الذي منذ أن أصبح رئيس أمريكا لم يتوان عن الذهاب إلى قول ما يريد بوضوح لم تعرفه الديبلوماسية سابقاً؛ لذلك قال قوله باختصار شديد باتر: "سنتصرف بنفط سوريا كما نشاء".

بعيداً عن صراحة ترامب، إن الحديث عن مصادرة النفط السوري، يفتح الباب لسؤال لم يحضر بقوة في خضم الحرب الدائرة على الأرض السورية منذ سنوات، رغم أهميته البالغة: ما الذي يريده رئيس أقوى دولة من تصريحه بالسيطرة على نفط دولة ليست من الدول النفطية المهمة؟!

 لم يحظ الجانب الاقتصادي في الحدث السوري بما يستحق من الإضاءة، وقد يجوز القول: إن التعتيم عليه قد كان متعمداً، وإن المحللين قد استهانوا به كثيراً (بغض النظر عن النوايا). فما قيمة بلد مثل سوريا على صعيد الاقتصاد العالمي؟!

لقد كان معلوماً، أن العالم قد بدأ مرحلة جديدة في ترتيب أولوياته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؛ فالحرب الباردة التي عاش العالم على وقعها عقوداً طويلة قد انتهت، وثمة ما تقدم ليحتل مواقع جديدة بعد أن كان متراجعاً في سلم الأولويات، وثمة امبراطورية قد انهارت، وقد تصارع على تركتها الطامعون، وما أكثرهم! وقد تدافع عند جثتها الطامحون، وما أكثرهم أيضاً!

في عام 2000 وصل بوتين إلى رئاسة روسيا الاتحادية، وهي الوريث الأهم مادياً ومعنوياً للاتحاد السوفييتي السابق، كان الانهيار ماثلاً في كل التفاصيل اليومية للساسة وللاقتصاديين وللشعب الروسي، وبدت الإمبراطورية- التي كانت هيكلاً ضخماً- فارغة من الداخل وهشة، بل بدت فقيرة وتحتاج إلى المساعدة.

باختصار إذاً: لقد بنى بوتين استراتيجيته الاقتصادية على بيع الأسلحة، وعلى بيع الطاقة

وكان قد أعلن بوتين حلمه مراراً: حلمه باستعادة هيبة الدولة الروسية، ومكانتها، ونديتها مع غول العالم أميركا. لكن هذا الحلم بدا حينها ضرباً من الوهم؛ فهذه القوة العسكرية المتضخمة، والدولة البيروقراطية التي شاخت مؤسساتها، وتكلست، قد كانت أضعف من أن تحمل حلماً كهذا.

لقد بدأ بوتين مشروعه في إعادة إحياء دور روسيا في العالم واستعادة مكانتها، منطلقاً من ثلاث ركائز: الركيزة الأولى، هي قناعة بوتين العميقة المنسجمة مع تربيته الشيوعية، في أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي أوهام لا معنى لها في استراتيجيات بناء الدول، والركيزة الثانية هي أن القوة العسكرية الروسية نقطة قوة يجب تسخيرها لاستعادة دور روسيا، والركيزة الثالثة -وهي الأهم- هي أن الطاقة أهم من العسكرة، وهي المجال الذي يمكن روسيا أن تراهن عليه في معركتها القادمة، خصوصاً إذا اقترن بالإمكانات العسكرية الضخمة.

إن خبراء الطاقة يقدرون أن حاجة العالم ستبلغ في السنة القادمة "2020" إلى 96،2 مليون برميل نفط يومياً، وأن هذا الرقم سيصل إلى 100،9 مليون برميل يومياً في 2025، وللعلم فإن ما يعرف بدول الأوبك لا تنتج سوى 33،2 مليون برميل من حاجة العالم، وبالتالي: إن النسبة الأكبر تُنتج خارج هذه المنظمة.

في عام 2011 أصبحت روسيا أكبر منتج للنفط متجاوزة المملكة العربية السعودية بذلك، وإذا أضفنا اعتماد العالم على الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة الذي يزداد باطراد (يتوقع أن يغطي الغاز 24% من حاجة البشرية للطاقة في 2025) فإن روسيا ستصبح مصدر الطاقة الأهم عالمياً، فهي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم أيضاً.

باختصار إذاً: لقد بنى بوتين استراتيجيته الاقتصادية على بيع الأسلحة، وعلى بيع الطاقة.

المشكلة التي تواجه إنتاج الغاز تكمن في عقبتين رئيستين: الأولى هي في أن إنتاجه يتطلب بنية تحتية، قد لا تتمكن من إقامتها الدول ذات الإمكانات الضعيفة، والثانية هي في عملية نقله؛ فالنفط الخام قد يُنقل بواسطة ناقلات نفط ضخمة، غير الغاز الذي يجب تسييله أولاً، قبل نقله بواسطة الناقلات، أو يجب نقله عبر أنابيب من أماكن إنتاجه إلى أماكن استهلاكه.

 ولأن أوروبا من أكبر أسواق استهلاك الغاز عالمياً؛ فإن كواليس السياسة تشهد معارك ضارية بين الأطراف الدولية من أجل رسم مسارات أنابيب نقل الغاز إليها. وما دمنا لسنا هنا بوارد الحديث عن مشكلة أوكرانيا، ولا عن خط السيل الجنوبي الذي يمر في تركيا، ولا عن الصراع الخفي حول دول بحر قزوين، ولا عن بقاء الأمريكي في أفغانستان، رغم أن كل هذا ضروري لفهم الحرب المستعرة بخصوص الطاقة وإنتاجها وتسويقها، فإن ما يهمنا هنا، هو: علاقة هذا بالحدث السوري.

لماذا رمى غازي الغزاة ترامب عباءته على الجزيرة السورية؛ فحق له الحق في قوله للعالم بفمه الواسع، بحسب أعراف الجزيرة العربية: هذه السبية لي.

حتى الآن، ليس هناك معطيات دقيقة عن حجم الغاز الطبيعي في الجزيرة السورية، بل إن هناك تعتيماً متعمداً حول هذا الأمر، مع أن معظم التسريبات المتداولة تتحدث عن احتياطي كبير للغاز في الأرض السورية، أضف إلى ذلك أهمية الجغرافية السورية في خطط نقل النفط الخليجي عبر أنابيب إلى أوربا، هذا بالإضافة إلى الصراع الخفي حول مخزون الحوض الشرقي للبحر المتوسط من النفط والغاز.

وبناء على ما سبق لابد من السؤال: إذا كان من مصلحة الأطراف، التي تتقاسم الغنيمة السورية، أن تتستر على المعلومات المتعلقة بحقول الغاز والنفط في الأراضي السورية وفي مياهها الإقليمية، فما هي مصلحة الجهات السورية- المطّلعة- في أن تتواطأ، وفي أن تتستر، وفي أن تمنع المعلومات؟!

وبالتالي: ألا يحق للسوريين معرفة الوجه الاقتصادي للحرب الدائرة على أرضهم كمقدمة لفهم دور الدول المتحاربة وللإحاطة بخططها؟ وألا يحق للسوريين معرفة السبب الذي من أجله لا يهتم العالم بدمهم، الذي يسفك، وبمصيرهم وبحقوقهم وبمستقبلهم؟

لقد كان الغزو في أيام العرب القديمة أحد أوجه حياتهم الاقتصادية شديدة الأهمية، وكان العائدون من الغزو يتقاسمون الغنائم، وكانت السبايا جزءاً مهماً من تلك الغنائم، وكان ثمة عرف متفق عليه بين المتحاربين، هو أن يتجول قائد الغزو العسكري بين السبايا؛ ليختار أجملهن، فيخلع عباءته ثم يرميها على تلك السبية؛ لتصبح له وحده.

وأنا لا أدري حتى اللحظة، لماذا رمى غازي الغزاة ترامب عباءته على الجزيرة السورية؛ فحق له الحق في قوله للعالم بفمه الواسع، بحسب أعراف الجزيرة العربية: هذه السبية لي، وأنا وحدي من يحق له التصرف بها؟