althania

ترمب القلق إقليمياً.. إذ يتوجس من نتنياهو ويحجم إيران

2025.01.30 | 06:13 دمشق

آخر تحديث: 30.01.2025 | 06:12 دمشق

ترمب
+A
حجم الخط
-A

خرج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من سلسلة خسائره في غزة بعد الاستعراض العسكري لحركة حماس في وسط القطاع، وبات نتنياهو اليوم المحاصر بظروف سياسية داخلية صعبة باتت تشد الخناق حول عنقه مع استقالة قادة الجيش والوزراء بسبب تقييم نتائج معركة طوفان الأقصى. هذا الواقع الصعب، والذي يضعه أمام احتمال سقوط حكومته، ويبدو أن افتتاح معركة مبكرة في جنين في الضفة الغربية لن تطيل في عمر حكومته مع تعنته وعدم انسحابه من جنوبي لبنان.

وكما أخطأ في تقدير الموقف في غزة عبر استمرار معركة الاستنزاف وانتقامه بقتل المدنيين، أخطأ اليوم للمرة الثانية في لبنان مع إصراره على البقاء في الجنوب وتحديداً جنوب نهر الليطاني، واليوم خضع نتنياهو أخيراً لهدنة ولو مؤقتة ولتبادل الأسرى في غزة، لكن حركة حماس، والتي كان من المفترض أن تكون منهكة ومهشمة، ظهرت في مشهد معاكس وفي صورة متقنة. فهي نفذت استعراضاً لافتا وحمل عناصرها أسلحة إسرائيلية كان جرى الاستيلاء عليها خلال عملية 7 أكتوبر.

لتنجح بإرسال رسالة قوية إلى الشارع الإسرائيلي. ومعه سجلت "حماس" نقطة معنوية قوية ضد نتنياهو الذي بدا في موقف داخلي صعب، والذي كرست حماس نفسها طرفا رئيسيا في قطاع غزة وفي عموم المشهد الفلسطيني وخاصة مع مشهدية إطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

وقد يكون نتنياهو فكر بالتعويض في لبنان، فارتكب خطأه الثاني على التوالي ليزيد من التهشيم اللاحق بصورته. فهو ربما احتسب بأن الانهيار والإنهاك حلا بحزب الله، مضافاً إليهما شعور الخسارة لدى الحزب وفقدان عوامل المناورة الداخلية، بعد كل ما حصل والتبدل الذي أصاب الخريطة السياسية في المنطقة.

لكن نتنياهو صدم بطوفان سكان القرى الجنوبية اللبنانية المدنيين المدعومين من خلف الستار من حزب الله، والذين تقاطروا للعودة وتفقد منازلهم وقراهم، والذين واجهوا الرصاص والقتل الإسرائيلي. ومرة إضافية سيضطر نتنياهو تحت الضغط الحاصل إلى الخضوع لقرار الانسحاب وبالتالي مضاعفة خسائره، وخاصة مع إعلان إدارة ترمب تمديد الخطة لأسبوعين إضافيين مقابل إطلاق سراح أسرى حزب الله، وهذه نقطة سيسعى الحزب لاستغلالها في الواقع الداخلي والسياسي.

وخلال الأيام التي سبقت، أبلغ لبنان على لسان رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى واشنطن، أن أعذار إسرائيل بتأجيل انسحابها غير مقنعة وغير مقبولة. فالتأخير لأسباب تقنية يحتمل أياماً معدودة وليس أسابيع، ما يعني أن إسرائيل تختبئ وراء ذرائع وهمية بهدف البقاء في جنوبي لبنان لفترة أطول لتعويض خسارتها في غزة والضفة، وهو ما لن يقبله لبنان بأي شكل من الأشكال.

ومع تسلم ترمب منصبه رسمياً، بدت صورة السياسة الأميركية تجاه المنطقة غير واضحة المعالم. فعلى رغم من الرعاية الأميركية المباشرة لاتفاق وقف الحرب في لبنان، والذي اطلع عليه ترمب نفسه وشارك فيه، ساد في الكواليس السياسية الأميركية ما يؤشر للقبول على طروحات إسرائيلية بتمديد الوجود وتأجيل الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان خلافاً للاتفاق الحاصل. وفي انتظار ظروف إقليمية في المستقبل تسمح بعودة عسكرية إسرائيلية حتى الليطاني، هو ما يعتبره اليمين الإسرائيلي الحدود الفعلية لإسرائيل، ربما في إطار تغيير وجه الشرق الأوسط والذي كان نتنياهو قد دعا العالم لدعمه.

قبل ذلك كانت الحكومة الإسرائيلية قد باشرت المرحلة الثالثة من حربها المفتوحة بحصار الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية انطلاقاً من العملية على جنين وقبلها في نابلس. لكن المفاجئ كان في موقف إدارة ترمب، ما يستوجب كثيراً من التدقيق والبحث في الخلفيات.

والإدارة الجمهورية أعلنت وقف كل المساعدات الخارجية، والتي وعلى سبيل المثال كانت بلغت العام الماضي نحو 68 مليار دولار. وإذا كان مفهوماً ومتوقعاً استثناء إسرائيل من هذا القرار، إلا أن استثناء مصر فقط منه شكل علامة استفهام. جاء بعده كلام ترمب وهو في الطائرة الرئاسية ليلقي الضوء على بعض جوانب هذه الخلفية. فهو دعا الأردن ومصر إلى استقبال مزيد من أعداد الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية، ومعللاً ذلك بأن قطاع غزة مدمر بكامله وهو في حالة فوضى. واقترح بناء مساكن في مواقع مختلفة في الأردن ومصر.

واللافت أن ترمب شدد أنه يمكن أن يكون نقل سكان غزة موقتاً أو طويل الأمد. لذا فإن استثناء مصر من قرار وقف المساعدات الخارجية الأميركية يصبح أوضح وأقرب إلى الواقع أنه في إطار الترغيب الأميركي للقاهرة، وخاصة أن مصر تعاني مصاعب اقتصادية كبرى، فاقمت من خطورتها تراجع الحركة عبر قناة السويس نتيجة لاستهداف الحوثيين للسفن التجارية في بحر الخليج.

ومن هنا أيضاً يمكن فهم الخلفية الإسرائيلية تجاه جنوبي لبنان والهدف الفعلي من تدمير كلي لكل القرى الجنوبية تمهيداً لإفراغ المنطقة الممتدة حتى الليطاني من السكان والإطباق عليها وضمها إلى منطقة الأمان الإسرائيلي.

وكان ترمب والفريق المحيط به وقبيل دخوله للمكتب البيضاوي قد أطلق مواقف متعددة أهمها أنه سيعمد فوراً إلى وقف كل الحروب في الشرق الأوسط وإنجاز تسوية شاملة مع إيران، إضافة لوقف الحرب الأوكرانية – الروسية، لذا بدأت إيران تحضير الأرضية لسياسة تشديد العقوبات، وذهب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو لمواجهة الضغوط القصوى المتوقعة. لكن الرئيس الإيراني لم يحصل على أي وعد يذكر من موسكو بسبب الموقف الروسي المسبق من أداء إيران الإقليمي والذي أدى لخسارة سوريا.

ويعزو بعضهم سبب تأخر ترمب في الإقدام نحو المنطقة هو في عدم اكتمال فريق إدارته الجديدة، وانشغاله في الملفات الداخلية الأميركية، عبر حديثه عن ضبط الحدود مع المكسيك وطرد المؤيدين لحماس وحزب الله من الولايات الأميركية، إضافة لملف إعادة ضبط إجراءات اكتساب الجنسية الأميركية.

ومناسبة هذا الحديث الملفات الدولية المفتوحة مع كل من إيران في الشرق الأوسط وروسيا في أوكرانيا. وأياً يكن الجواب إلا أن انطلاقة ولاية ترمب الثانية تبدو متعسرة وغير مترابطة حتى اللحظة، أضف إلى ذلك نجاح عملية البدء بسياسة احتضان السلطة الجديدة في سوريا، وهو ما تحدثت عنه صحيفة واشنطن بوست حول دور الاستخبارات الأميركية في مساعدة دمشق على اكتشاف محاولة تفجير مقام السيدة زينب جنوب غربي دمشق واعتقال أفراد خلية تابعة لتنظيم داعش.

كل هذه الملفات تحاوط ترمب مع صعود التواجد التركي في سوريا، وإمكانية تمدده للبنان، وتركيا التي تقدم لها الطرف الإقليمي الأكثر قدرة على عقد صفقات مع ترمب وإدارته، تندفع لنقاش مع المسؤولين الأميركيين حول دور تركي محتمل في غزة والعمل على استيعاب حماس بعد ابتعاد محتمل لها عن إيران مع سقوط مشروع وحدة وترابط الساحات.