تركيا والناتو وإحباطات ماكرون

2019.12.03 | 16:27 دمشق

t6mkjsw6sw56kw567kw567kk.jpg
+A
حجم الخط
-A

طفت على السطح قبيل انعقاد قمة الناتو 2019 في لندن هذا الأسبوع بعض ملامح التوتر بين تركيا وفرنسا في صورة تراشق تصريحات بين الرئيسين التركي والفرنسي، حيث قال الرئيس الفرنسي بأن حلف شمال الأطلسي يعاني من موت إكلينكي، وقد رد أردوغان على هذا التصريح باعتباره تصريحا يعكس فهما مريضا وضحلا، وأن عليه أن يتأكد مما إذا كان ماكرون نفسه يعاني من موت إكلينيكي/سريري.

وقد فسر ماكرون الموت الإكلينيكي/ السريري بعدم وجود تنسيق بين الولايات المتحدة وحلفائها بخصوص القرارات الاستراتيجية، وهو يقصد بشكل مباشر قرار ترمب التخلي عن دعم قوات بي واي دي في سوريا، وانسحاب القوات الأمريكية مما أفسح المجال لتركيا ببدء عملية نبع السلام.

وقد أعاد أردوغان الكرّة إلى ماكرون بتصريحاته لكن باريس لم تسكت على هذا حيث اعتبرت التصريح إهانة لها، وقالت إنها ستستدعي السفير التركي للاستيضاح حول هذه التصريحات. وعلى كل الأحوال تشير هذه التصريحات إلى وجود توترات كبيرة بين الطرفين وفي عدة قضايا. وليس آخرها الموقف الفرنسي الرافض للعملية التركية في شمال سوريا، حيث اعتبرت فرنسا العملية التركية عدوانا وعدم التعاطي مع دعوات تركيا لتسليم مقاتلي التنظيم الأجانب إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، وربما يرجع استخدام مصطلح الموت الإكلينيكي لحلف الناتو لعدم قدرة الحلف على منع تركيا من تنفيذ العملية بالرغم من رفض فرنسا.

وكان ماكرون قد أشار بشكل مباشر إلى أنه لا يمكن لتركيا أن تنتظر دعما وتضامنا من الناتو لعملية تهدد التحالف الدولي لمكافحة داعش، وهذا قد استدعى ردا من رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، حيث قال إن بلاده أحد أهم أعضاء حلف الناتو، وتؤدي دورا حيويا في الحلف. وتواصل الوفاء بالتزاماتها داخل الحلف. مؤكدا في الوقت ذاته أنه يتعين على كل دولة مسؤولة في الحلف، عرض

من الواضح أن الرئيس الفرنسي يعاني من خيبات أمل متعددة ليس أولها تراجع مستويات طموحه في تقوية فرنسا وجعلها القوة الأوروبية الأولى

مقترحها الخاص بالإصلاح مع احترام المصالح المشتركة والأمن لجميع الدول الأعضاء، مضيفا أنه من الإجحاف على فرنسا إلقاء اللوم على حلف الناتو، جراء مشكلاتها الخارجية واختياراتها الخاطئة وحساباتها الداخلية.

من الواضح أن الرئيس الفرنسي يعاني من خيبات أمل متعددة ليس أولها تراجع مستويات طموحه في تقوية فرنسا وجعلها القوة الأوروبية الأولى، وذلك بسبب تعارضه مع سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه أوروبا عموما، وبسبب أحداث ومظاهرات السترات الصفراء التي هزت فرنسا، والتي أحيت الشهر الماضي الذكرى السنوية الأولى لها مما جعل صاحب القرار الفرنسي مهددا من الداخل وبالتالي فإن حديثه عن أي قضية خارجية في ظل عدم اطمئنانه إلى وضعه الداخلي يعتبر ضربا من ضروب العبث ولا تتعامل معه الدول الأخرى بجدية.

حاول الرئيس الفرنسي التقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ولكن ذلك لم يكن مفيدا في التأثير على قرار الأخير وخاصة في دعم حزب العمال الكردستاني وبي واي دي في سوريا، وبالرغم من كل محاولات ماكرون

هناك عدة نقاط اختلاف أخرى بين تركيا وفرنسا أهمها دعم الأخيرة لحزب العمال الكردستاني في سوريا، والخلاف حول قبرص وكذلك اختلاف المعسكرات في ليبيا

استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إقناع نظيره الأمريكي بضرورة بدء عملية نبع السلام شرق الفرات وهو ما مثَّل خيبة أمل أخرى لماكرون.

هناك عدة نقاط اختلاف أخرى بين تركيا وفرنسا أهمها دعم الأخيرة لحزب العمال الكردستاني في سوريا، والخلاف حول قبرص وكذلك اختلاف المعسكرات في ليبيا، ولعل الاتفاق الأخير بين تركيا وليبيا حول ترسيم الحدود البحرية والاتفاق الأمني والعسكري مع الحكومة الشرعية التي يرأسها فايز السراج قد أساء إلى الرئيس الفرنسي ماكرون كثيرا، لأنه من شأنه أن يقضي على طموحاته شرق المتوسط.

يتجه قادة دول الناتو إلى قمة 2019 في وقت يشتكي فيه ماكرون من الموت السريري للناتو وهو يقصد تركيا على وجه الخصوص، ولكن في نفس الوقت لم يقف الحلف مع تركيا في حين تعرضت للتهديد من روسيا في 2015 ومع تهديد نظام الأسد لها، في حين أن المادة الخامسة لحلف الناتو وهي أساس الحلف تنص على الدفاع المشترك عندما تتعرض أي دولة من دول الحلف للاعتداء. ومن هذا يتضح أن تركيا هي أحق بالشكوى من فرنسا لكن تركيا عرفت من أين تؤكل الكتف واستطاع أردوغان من خلال علاقاته مع ترمب أن يؤمن حلاً ما في سوريا.

لعل الرئيس الفرنسي يدرك أن الولايات المتحدة وتركيا هما القوتان الأكبر في الناتو، كما أنه يدرك أن ألمانيا لا توافقه الرأي في تشكيل قوة دفاعية أوروبية مستقلة، ولعل الذي يقصده ماكرون هو أن قوانين الحلف لا تتيح لبعض دوله إخراج دولة من الحلف وبالتالي عبَّر عن هذا الأمر بالموت السريري.

ومع هذا تقع أوروبا في مأزق أسئلة الناتو والحاجة إليه والتناغم بين مصالح أعضائه وابتعادها عن الإجابات التي كانت عليه عندما أُسس الحلف في عام 1952، ولكن مع هذا ترتطم بعدم وجود البديل وترى أنه لا بد لها من التنسيق مع تركيا والتفاهم معها ولو بالحد الأدنى، ولهذا قد تكون تصريحات ماكرون تهدف إلى إثارة موضوع تركيا قبل قمة الناتو 2019 لوضع مزيد من القيود على تركيا حتى لا تزداد قوتها بما يكفي لمزيد من خيبات الأمل لطموحات ماكرون في الشرق الأوسط وتحديدا سوريا وليبيا.