تركيا والغاز الإيراني: صراع مع روسيا

2018.09.28 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تتقيد بالعقوبات الأميركية المفروضة على شراء النفط الإيراني. توازى موقفه مع محاولات أوروبية حثيثة للتحايل على هذه العقوبات من خلال اقتراح يقضي بإنشاء نوع من كيان قانوني، يتيح استمرار العلاقات التجارية مع إيران، ويسمح بشراء نفطها عبر آلية مقايضة لا تُدفع فيها الأموال بشكل مباشر.

في الوقت نفسه كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يكرر مواقفه التي يعتبر فيها إيران دولة الإرهاب الأولى الراعية في العالم داعيا كافة الدول للالتزام بالعقوبات المفروضة على تصدير نفطها، كما حرص مستشاره للأمن القومي جون بولتون على التأكيد على أن الضغط على القطاع النفطي الإيراني سيشتد في تشرين الثاني دون تحفظ.

وسط المنحى الأميركي التصعيدي ضد إيران يمكن أن يتجلى الموقف التركي على أنه إعلان مواجهة مباشرة مع أميركا في المنطقة، ولكن قراءة متأنية تظهر خلفيات أبعد غورا تربطه بالموقع الذي تحاول تركيا انتزاعه في المنطقة بشكل عام.

كان اتفاق إدلب فاتحة لحلف أميركي تركي فقد كانت تركيا صاحبة المبادرة العملية التي سمحت بإنجازه، قاطعة بذلك الطريق على مشروع روسيا وإيران والأسد لاستكمال السيطرة على الميدان السوري، واستخدامه كوسيلة ضغط في وجه أميركا ومساعيها الرامية إلى إخراج إيران من الساحة السورية.

سمح هذا الاتفاق من ناحية أخرى بإعادة الاعتبار إلى مشروع الانتقال السياسي الذي يخرج الأسد من معادلة الحكم الأبدي، ويمهد لخروجه من السلطة

سمح هذا الاتفاق من ناحية أخرى بإعادة الاعتبار إلى مشروع الانتقال السياسي الذي يخرج الأسد من معادلة الحكم الأبدي، ويمهد لخروجه من السلطة، وهو المشروع الذي ترى فيه أوروبا مدخلا أساسيا للحد من أزمة تدفق اللاجئين. لا يخرج كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حول محاسبة الأسد عن هذا الإطار العام الذي دفعت تركيا في اتجاهه عبر إنتاجها لاتفاق إدلب.

من هنا لا يتوقع أن يكون في خلفية الموقف التركي من الاستمرار في شراء الغاز الإيراني نية للتصعيد في وجه أميركا على الرغم من التوتر الذي يشوب العلاقة حاليا، بل البحث عن سبل لمواجهة روسيا الحليف اللدود والعدو التاريخي والمنافس الإقليمي. ليس لأميركا مطامع شرق أوسطية، بل يقتصر همها في المنطقة على لجم الحضور الإيراني فيه، ما يهدد بخروج تركيا من دائرة الاهتمام الأميركي في حال فقدها لأوراق تفاوضية ترتبط به.

ترتب كل من أميركا وروسيا معادلات النفوذ في المنطقة والعالم ولكن مع فارق كبير في النظرة الاستراتيجية إذ تهتم روسيا بالنفوذ الشرق أوسطي، بينما تسعى أميركا إلى استعمال حضورها في المنطقة كمدخل لتهديد أوروبا والصين.

استعملت روسيا قصة سقوط طائرتها في سوريا واتهام إسرائيل بالمسؤولية عن هذا الحادث لتثبيت منظومة صواريخ إس 300 في سوريا، وتوسيع دائرة حضورها الاستخباراتي والتجسسي الذي يطال دول المنطقة وبشكل خاص تركيا.

التصعيد الروسي المصطنع والمدروس يفتح الباب أمام رد فعل أميركي يرجح أن يعجل في نصب منظومة صاروخية أميركية تستهدف الأمن الأوروبي وتهدده تحت عنوان تفعيله، فبعد نشر منظومة صواريخ بالستية في رومانيا يبدو الباب مفتوحا أمام نشر منظومة مماثلة في بولندا وفي أوكرانيا. هكذا تربط روسيا نفوذها بتحولها إلى الضامن الفعلي لأمن إسرائيل - بغض النظر عن مسرحية التوتر بينهما- ما سيعمق من نفوذها في المنطقة الذي لا يمكن أن يكون إلا على حساب الدور التركي.

منح اتفاق إدلب دورا استثنائيا لتركيا في المعادلة السورية، بدت فيه القوة القادرة على لجم طموحات روسيا، وتحجيم حضور إيران الميداني

بقى ملف الحضور الإيراني عالقا بين روسيا وأميركا حيث تعلم روسيا أنه في حال لم تنجح في أن تكون المتحكمة الوحيدة في هذا الملف فإن مشروع نفوذها في المنطقة سيتضرر، وأن أميركا لن تسلمها مفاتيحه. يبرز هذا لواقع تنافس تركي- روسي، خصوصا بعد أن منح اتفاق إدلب دورا استثنائيا لتركيا في المعادلة السورية، بدت فيه القوة القادرة على لجم طموحات روسيا، وتحجيم حضور إيران الميداني الذي كانت تسعى من خلاله إلى انتزاع دور الشريك في مكافحة الإرهاب، وفتح باب التفاوض مع أميركا.

ورقة الغاز الإيراني إذاً ليست سوى ورقة تستعملها تركيا ضد روسيا، وهي لن تقبل بالتفريط المجاني بها، بل ستسعى إلى التفاوض مع أميركا بشأنها. وربما يجدر التفريق بين طبيعة الموقف التركي والمواقف الأوروبية من شراء النفط الإيراني، فالأوروبيون سعوا إلى نوع من التحايل عبر محاولة إنشاء صيغة قانونية، في حين كان الموقف التركي مباشرا وواضحا.

تريد تركيا فرض نفسها كشريك أساسي في معادلة النفوذ، وهي تلعب على هذا الملف بدرجة عالية من الحرفنة تجعلها في مواجهة روسيا في اللحظة التي تبدو فيها وكأنها قد فتحت معركة مع أميركا.

يعود ذلك إلى الفرق في حجم تأثير تركيا وأوروبا في الميدان السوري. تخشى أوروبا من تدفق لاجئين في حال بقي الأسد معتبرة أن ذلك سيعني استمرار الحرب، فيما لا تنظر بالعين نفسها إلى إيران، بل تعتبرها سوقا مغريا يضم 100مليون مستهلك، وتربطها بها علاقات اقتصادية واسعة، ما يجعل الحرب عليها وعلى نفوذها بمثابة ضرب للاقتصاد الأوروبي.

بعد اتفاق إدلب أمسكت تركيا بمفاتيح مهمة في قضية اللجوء، وباتت قادرة على الدفع في اتجاه مشروع الانتقال السياسي الذي تتوافق أميركا وأوروبا على أنه لا يجب أن يلحظ دورا للأسد، كما تعلم أن مناعة أوروبا وقدرتها على التصدي للعقوبات الأميركية ليست كبيرة.  تاليا فإن مشروع تحجيم إيران وضربها سيتحقق، وسيدار النفوذ في المنطقة على أساس الفعالية في المشاركة في تحقيقه.

تريد تركيا فرض نفسها كشريك أساسي في معادلة النفوذ، وهي تلعب على هذا الملف بدرجة عالية من الحرفنة تجعلها في مواجهة روسيا في اللحظة التي تبدو فيها وكأنها قد فتحت معركة مع أميركا.