تركيا وإخماد فتيل الأزمة بين طالبان وإيران

2023.06.03 | 07:25 دمشق

تركيا وإخماد فتيل الأزمة بين طالبان وإيران
+A
حجم الخط
-A

"خذوا كلامنا على محل الجد"؛ جملة هدد بها الرئيس الإيراني حكومة طالبان، فردت الأخيرة لتقول: "لا تختبرونا".

مُقارعة كلامية امتدت لأيامٍ بين الطرفين لينجرّا في النهاية للميدان؛ وحيثُ الميدان لا كلام بل أزيز رصاص ودوي مدافع. في الميدان قُتل من الطرفين وجُرح آخرون، والسبب هنا أمن المياه.

بين كابل وطهران وهج أزمة حول حصص المياه في نهر هلمند قابلة للانفجار. تركيا التي لا زالت على وقع نتائج الانتخابات الرئاسية والاستعداد لتأسيس حكومة جديدة، لم ينتظر رئيسها أردوغان تأسيس حكومته، بل مضى في دعوة رئيس الوزراء الباكستاني لمناقشة الأمر والسعي لنزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها.

تفاصيل الأزمة:

صراع الإنسان على المياه ليس وليد اللحظة بل هو أساس الصراع منذ فجر التاريخ البشري. الأمن الغذائي أو أمن المياه نقاط باتت في غاية الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للدول بدافع أن الكوكب يُقاسي فعلاً من موجات جفاف أساسها الانحباس الحراري الذي أدى إلى قلة في الأمطار.

نهر هلمند هو أساس الأزمة بين الطرفين. النهر هو مصدر مياه رئيسي لمقاطعتي سيستان وبلوشستان الإيرانيتين.

حصص أفغانستان وإيران من مياه النهر حُددت باتفاقية ثنائية وُقعت بين الطرفين عام ١٩٧٣. وفق الاتفاقية؛ يحق لإيران ٨٢٠ مليون متر مكعب سنوياً من مياه النهر.

الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كان في زيارة إلى جنوب شرق إيران، وهناك صرح بأن مجموع ما حصلت عليه إيران في العام الحالي لم يتجاوز ٤٪ من الكمية التي يجب أن تحصل عليها، وهناك تفوّه الرئيس الإيراني بتهديدٍ استفز حكومة طالبان؛ حيث قال: "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا. خذوا كلامنا على محمل الجد".

تصريح الرئيس الإيراني حمل تهديداً صارخاً بالنسبة لحكومة طالبان التي ردت بالقول: "استخدام هذه اللغة قد يضر بالعلاقات بين البلدين. لا تهددونا ولا تختبرونا". ولم يلبث الطرفان أن تركا منصات التصريح وانزلقوا في اشتباكات حدودية اندلعت في ٢٧ أيار/مايو ٢٠٢٣ واستمرت لثلاث أيام.

تاريخياً لم يحدث بين الطرفين أزمة من هذا القبيل، وعندما أنشأت كابل عام ٢٠٠٨ سد كاجاكي فوق النهر بهدف إنتاج الكهرباء، تعاهد الطرفان على الالتزام باتفاق ١٩٧٣.

الجانب الأفغاني أظهر الهدوء بعد الاشتباكات، وصرح بأنه مُنصاع لكافة الاتفاقات والمعاهدات المُبرمة بين كابل وطهران في هذا السياق، مضيفاً أنه لا مصلحة له بالوقوع في وحل نزاع مستمر مع طهران.

في أتون هذه الأزمة، يكمُن الدور التركي في تشغيل شركة تركية لسد كاجاكي.

كيف تدخلت تركيا وهل تستطيع حل الأزمة؟

ظهر التدخل التركي في محاولة أنقرة تطويع مهمة تشغيلها سد كاجاكي لصالح التواصل مع طرف إقليمي فاعل وإقناع طالبان بحل الأزمة عبر الحوار.

كان هناك تواصل صيني مع طهران وبيان صيني عام يدعوان إلى ترجيح طريق التسوية السلمية. التحرك الصيني ارتاحت إليه أنقرة لكونه (بحسب نظرتها) يسهّل مهمتها في إقناع طالبان للتوصل إلى حل.

ترغب أنقرة وبصفتها مشغلةً للسد في إيجاد حل تقني لتشغيل السد بما يوفر للأفغان والإيرانيين احتياجاتهما بصورةٍ مُتزنة. في سبيل تحقيق ذلك، وجهت أنقرة دعوةً إلى رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز نواز، كي يزورها يوم الأحد؛ ٤ حزيران/يونيو، أي بعد يومين على حلف الرئيس أردوغان اليمين الدستورية.

استعجال أنقرة في التحرك نبع من رغبتها في الإسراع قدر الإمكان لإخماد شرارة الأزمة قبل أن تهب رياح تصعيد متبادلة وتجعل حينذاك حلها صعباً.

أما بالنسبة لاختيارها إسلام آباد فالعلاقات متينة بين الطرفين، وكذلك تُدرك أنقرة أن إسلام آباد قد يكون لديها رغبةً في استمرار الأزمة بين طهران وكابل، نظراً لوقوع اشتباكات متقطعة بين قوات طالبان وباكستان خلال العام الماضي من جراء الخلاف حول طبيعة عمليات الجيش الباكستاني ضد قوات طالبان باكستان داخل الأراضي الأفغانية، لذلك رمت أنقرة إلى إقناع إسلام آباد بضرورة إرجاع التواصل الحي مع طالبان ليكون هناك قوة إقليمية على اتصال دائم مع طالبان بما يسهل التنسيق وحل الخلافات. وهذه الأهداف سهلة التحقق لوجود علاقات تقدير استراتيجي بين الطرفين التركي والباكستاني.

المبادرة التركية قابلة للنجاح في حل الأزمة، للعوامل التالية:

- الأزمة لا تزال في مهدها ولم تشتعل بصورةٍ يصعب حلها حتى الآن.

- هدوء التصريحات الإعلامية المُتبادلة بين الطرفين الأفغاني والإيراني مع تأكيد مُتبادل على رغبتهما في حل الأزمة سلمياً.

- إعادة طهران فتح الحدود مع أفغانستان بعد يومين من الاشتباك وقبول طالبان بالأمر في إشارة لرغبة متبادلة من الطرفين في تسوية الصراع.

- عدم عكس طهران أي تحرك فعلي حيال إعادة اللاجئين الأفغان كما هددت في السابق.

- وجود فرصة لتنسيق تركي مع الجانب الصيني في توفير الدعم اللوجستي والمعدات اللازمة لتطوير العمل في السدود على نحوٍ يكفل تحسين مستوى تخزين المياه في الشتاء وتنظيم ضخها في النهر خلال فصل الصيف.

- الاحتمال الكبير لتدخل الدوحة في مُساندة المبادرة التركية، ومعلومة طبيعة العلاقة الجيدة بين الدوحة وطالبان.

خلاصة القول هناك دور تركي فاعل في الأزمة، حيث إنها هي من تُشغل سد كاجاكي الذي بسبب وجود خلل تقني بسيط فيه اندلعت الأزمة، وبالتالي بعض الجهود الدبلوماسية مع حلول تقنية تموت الأزمة بين الطرفين في أرضها.