تركيا كورونا: أبعد من مغادرة الحجر

2020.05.09 | 00:12 دمشق

2020-05-04t183832z_1741163992_rc2uhg9mzc6r_rtrmadp_3_health-coronavirus-turkey-erdogan.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعلنت السلطات التركية قبل أيام انتهاء المرحلة الأولى من أزمة كورونا التي بدأت في 11 آذار المنصرم وانطلاق المرحلة الثانية اعتبارا من 30 نيسان المنصرم. العنوان العريض للحقبة الجديدة هو توسيع مساحة الحجر من المنزل إلى الحي والمدينة ثم الأراضي التركية بأكملها.

الخطة ستتقدم بشكل مدروس وبطيء ومراقب من قبل وزارة الصحة التركية والمجلس العلمي الذي يساهم في تقديم التوصيات ورسم السياسات.

وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة يقول إن المرحلة الجديدة التي ستبدأ فعليا صباح الإثنين المقبل ستكون تحت عنوان  "حياة اجتماعية منضبطة"، مرتبطة بشروط وضرورات أبرزها مواصلة ارتداء الكمامات، والمسافة الاجتماعية. وستشمل فتح أبواب مراكز التسوق وبيع الملابس وصالونات الحلاقة والتزيين والمصانع.

سباق في تركيا بين الفيروس الذي يواصل التصعيد والتحدي وبين القيادات السياسية التي تريد الخروج من حياة العزل بأسرع ما يكون لمواجهة المخاطر الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية المحدقة. كل شيء سيبقى مرهونا بتحولات أرقام الوباء في الأيام القليلة المقبلة.

 الرئيس التركي أردوغان يكرر باستمرار أن العالم ما بعد كورونا سيكون غير ما كان عليه قبل الوباء. وهو يريد منذ اليوم تحضير المواطن التركي لأكثر من سيناريو ينتظر الجميع.

حزب العدالة والتنمية قبل عام كان يتمسك بخطط وبرامج عملاقة يريد إنجازها خلال 3 سنوات مقبلة موعد مئوية إعلان الجمهورية وحقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية الجديدة. كيف ستكون استراتيجية تحركه في الأشهر المقبلة أمام مأزق الفيروس الذي يقضم باستمرار في الموازنة العامة والاحتياط النقدي التركي؟

تركيا تريد أن تستعد باكرا لمواجهة مخاطر وارتدادات المرحلة المقبلة اقتصاديا وإنمائيا ومعيشيا. لكن تراجع أرقام التجارة وارتفاع نسب البطالة وزيادة الأسعار والتضخم وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار سيكون لها ارتداداتها السلبية على أكثر من قطاع في البلاد. الموسم السياحي يبقى الهاجس الأكبر في تركيا. مليارات الدولارات قد تحرم البلاد منها إذا لم تتحرك سريعا لفتح أبواب الفنادق في المدن السياحية الجنوبية.

المعارضة ستبذل جهدها لاستغلال كل فرصة سانحة وحزب العدالة والتنمية الحاكم لن يتردد في لعب كل الأوراق التي يملكها لمحاصرة أحزاب المعارضة ومنعها من تجيير الأزمات إلى فرص سياسية وانتخابية وشعبية. عودة النقاشات حول الانقلابات العسكرية في هذه الأجواء والظروف الصعبة سببه الأول اقتصادي حياتي معيشي قبل أن يكون سياسي أو أمني.

صديقنا الأول سيبقى وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة وما سيعلنه يوميا حول أرقام الوباء والوفيات وتراجع الإصابات. لكن مسائل كثيرة تنتظر التعامل معها في المرحلة المقبلة وتعكس هاجس المواطن التركي وأولوياته: نظام العمل اليومي في القطاعين العام والخاص، التنقل بين المدن والأماكن، التعليم والحياة المدرسية والجامعية.

أولويات تركيا التي ستستعد لها ستكون باتجاه إعادة بناء نظامها الصحي ودعم مؤسسات البحث العلمي وأجهزته وكوادره، التحضير لنظام اجتماعي اقتصادي جديد فيه الكثير من الشفافية والمرونة والعملية والقدرة على المناورة ، تنظيم سكاني جديد ياخذ بعين الاعتبار التوزيع السكاني بين المدن التركية والمناطق والأقاليم. ثم ملفات العلاقات الخارجية التي تحتاج الى إعادة ترتيب ومراجعة لا مفر منها.

تقول مؤسسة " متروبول " لاستطلاعات الرأي في آخر دراسة قامت بها في الداخل التركي إن وزير الصحة التركي تصدر لائحة ترتيب الأشخاص والمؤسسات الأكثر ثقة خلال أزمة كورونا وأن رئيس بلدية أنقرة المحسوب على المعارضة  منصور يواش حل في المرتبة الثانية متقدما على النسبة الممنوحة للرئيس أردوغان.

علي باباجان أحد كوادر حزب العدالة والتنمية القدماء وواضع السياسات الاقتصادية التركية الناجحة لسنوات والذي استقال من الحزب ليعلن تأسيس حزبه الجديد يقول إن البلاد تعيش مرحلة صعبة وحرجة أمام أرقام الغلاء والبطالة المعلنة وتراجع سعر صرف الليرة وأرقام الاحتياط النقدي في المصرف المركزي التركي من 136 مليار دولار قبل سنوات الى حوالي 30 مليارا في هذه الفترة.

حزب العدالة والتنمية يريد ولأكثر من سبب سياسي واقتصادي واجتماعي الخروج بأسرع ما يكون من أزمة كورونا لأنها تحولت بالنسبة له إلى تقاطع طرق حياتي

حزب العدالة والتنمية يريد ولأكثر من سبب سياسي واقتصادي واجتماعي الخروج بأسرع ما يكون من أزمة كورونا لأنها تحولت بالنسبة له إلى تقاطع طرق حياتي: إما مغادرة المحنة منتصرا وهذا سيمنحه فرصة استرداد ما فقده من شعبية في الانتخابات المحلية الأخيرة خصوصا في المدن الكبرى. وإما أن يفشل، ويدخل في مأزق التقدم نحو العام 2023 الانتخابي وسط سيناريوهات واحتمالات بالغة الصعوبة والخطورة.

أعلنت تركيا مثل غيرها من الدول حالة الاستنفار القصوى والاستعداد لمعركة طويلة وحرب مواجهة على مراحل مع الفيروس. الذي يوحدنا هو نصائح تكرار عملية غسل اليدين بالماء والصابون والمحافظة على المسافة الاجتماعية في الطرقات والمحافل والمتاجر، لكن ذلك لن يكفي للإطاحة بالفيروس. اليوم يقال لنا ابق في منزلك لنخرج من الأزمة منتصرين، غدا سيقال لنا ما الذي تفعلونه في منازلكم والجميع يتحرك في الخارج.

تركيا اليوم وسط حالة من الاستنفار الصحي والاقتصادي والاجتماعي. هي ربحت خلال الأزمة فرصة إعادة تنظيم مؤسساتها الصحية لرفع عدد الجهاز الطبي وإنجاز خطط المستشفيات العملاقة التي تبنيها في المدن التركية الكبرى لتنافس من خلالها أهم المستشفيات الأوروبية في الاستيعاب والحداثة والجاهزية. لكن هناك حقيقة أخرى تقول أن 40 مليون مواطن تركي لا يغادرون منازلهم منذ أسابيع وأن عجلة الاقتصاد والحياة يقودها النصف الآخر من السكان.

لن يكون سهلا رمي الكرة في ملعب الفيروس وتحميله مسؤولية ما يجري حتى ولو كان السبب الأول في الكثير من الأزمات. أيام جديدة تنتظر تركيا تعيدنا إلى أجواء أيام حروب التحرر والاستقلال في مطلع العشرينيات وضرورات تقديم الكثير من التضحيات والتضامن. العقبة دائما ستكون تقديم المصالح السياسية والحزبية والحسابات الضيقة على المخاطر الكبيرة المحدقة.