تركيا: صراع الدستور الجديد

2021.10.04 | 06:00 دمشق

0x0-1628242860211.jpg
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن نقاش الدستور الجديد الذي أطلقه الرئيس رجب طيب أردوغان قبل عدة شهور ثم أعاد ذكره في كلمته التي ألقاها في البرلمان التركي ستشكل الأجندة الأولى للأحزاب الرئيسية الكبرى في تركيا قبل الانتخابات المزمع إجراؤها عام 2023. وبات الجميع يتناول بالفعل طبيعة الدستور الجديد الذي يمكن أن يحل محل الدستور القائم وخصوصًا أنه سيعرض للاستفتاء من الشعب التركي مباشرة في ظل احتدام الصراع السياسي بين الائتلاف الحاكم والمعارض بكثير من التفاصيل حتى أن نظام الحكم القائم في تركيا (النظام الرئاسي) مازال أحد محاور الجدل بين الأحزاب السياسية بل حتى أن ميرال أكشنار رئيسة حزب الخير وبدعم من أحزاب المعارضة طالبت بترشيح أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء وليس لرئاسة الجمهورية دلالة على رفضهم حتى الآن النظام الرئاسي في البلاد.

انطلاق معركة الاستفتاء على الدستور الجديد ربما تغير بوصلة الائتلاف المعارض من الأحزاب التركية التي كانت تعمل جاهدة على تقوية دورها في الشارع التركي

في الواقع، تشهد تركيا نقاشات حول الدستور الجديد منذ أعوام كثيرة، وتجمع الأطراف السياسية كافة على أن الدستور المصاغ عقب انقِلابي 1960 و1980 لا يقدم حلولًا لمشكلات تركيا بشكل كافٍ ومستدام وبدأت هذه النقاشات في عهد الرئيس الأسبق تورغوت أوزال، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وقد اقتصر الأمر في الحكومات التي تولت السلطة خلال السنوات الـ30 الماضية على إجراء بعض التعديلات في مواد الدستور فقط. وبدوره أيضاً قام حزب العدالة والتنمية في هذا الصدد بإجراء تعديلات في مواد الدستور عبر استفتاءينِ شعبيين، الأول في 2010 والثاني في 2017 بدعم من حليفه حزب الحركة القومية لكن على الرغم من إجراء هذه التعديلات، ظل الدستور عائقًا أمام الأحزاب الحاكمة.

انطلاق معركة الاستفتاء على الدستور الجديد ربما تغير بوصلة الائتلاف المعارض من الأحزاب التركية التي كانت تعمل جاهدة على تقوية دورها في الشارع التركي عبر أعضائها من رؤساء البلديات الكبرى والصغرى وعبر رفضها للكثير من سياسات الحكومة وإسقاطها وربطها بالواقع الداخلي التركي من تراجع في أمور اقتصادية ومعاشية ومشكلات اجتماعية، لتكون بذلك جاهزة للفوز بالانتخابات القادمة، لكن كل هذه الاستعدادات قد تتبخر لأنها أمام معركة الدستور الجديد، فهل ستستطيع أن تفرض رؤيتها الدستورية القادمة وعليه ستدخل الانتخابات وفق الدستور الجديد المقدم من قبلها أم أن الائتلاف الحاكم سيفوز بدستوره الجديد وتدخل المعارضة وفق هذا الدستور أم أن الطرفين سيتفقان على كتابة دستور مشترك بينهما وهذا يعني أن مسألة رفض النظام الرئاسي التركي قد انتهت إلى الأبد.

الشهور القادمة ستشهد استحقاقات كثيرة في الداخل التركي فالبرلمان على شفير حرب القوانين بين الائتلافين المعارض والحاكم

في قراءة تاريخية للدولة العثمانية فإن أول نظام دستوري في عهدها أُقر مع دخول القانون الأساسي حيز التنفيذ عام 1876. ويقول الكاتب التركي الشهير طارهان أردم، في كتابِه "الدساتير والوثائق / 1876-2012" - الذي جمع فيه كل الدساتير منذ الدولة العثمانية ولغاية العصر الحالي، يقول: إن الإجراءات المتعلقة بالدستور بدأت بالفعل مع فرمان التنظيمات عام 1839. وبعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية، أجريت لغاية اليوم 4 تعديلات دستورية في تركيا التي اعتمد واحدة منها فقط عام 1921 الدستور (التشكيلات الأساسية)، تمت بقرار المجلس المؤسس عام 1924 فيما قام الانقلابيون بتفعيل دستور 1961 و1982.

الشهور القادمة ستشهد استحقاقات كثيرة في الداخل التركي فالبرلمان على شفير حرب القوانين بين الائتلافين المعارض والحاكم ابتداءً من تخفيض العتبة الانتخابية إلى سبعة بالمئة بدلاً من عشرة، مروراً بإقرار الدستور الجديد وعرضه على الشعب التركي للتصويت عليه، انتهاءً بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية والاستعدادات لها من كلا الجانبين فالعيون سواء في الداخل أو في الخارج على أُهبة الاستعداد ترقباً لتلك النتائج.