تركيا صباح الأول من نيسان

2019.02.23 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عناوين الصحف التركية والعالمية صباح الأول من نيسان وبعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية قد تصدر بأكثر من اتجاه: انهيار المعارضة التركية أو الناخب التركي يخيب آمال حزب العدالة والتنمية. الاحتمال الثالث الذي تعودنا عليه في العقد الأخير وما زال يردد كثيرا حتى اليوم نتيجة لا غالب ولا مغلوب والمواجهة الحقيقية تأجلت إلى موعد آخر هو مستبعد تماما هذه المرة.

أحد أبرز مؤشرات أهمية الانتخابات كان أزمة ما قبل 4 أشهر عندما أعلن عن إنهاء التحالف بين حزبي "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا و"الحركة القومية" اليميني، والذي كان له وقع الصاعقة على الحزبين، ثم عادت واقتنعت قياداتهما السياسية بضرورة التراجع عن القرار لأن ارتداداته ستكون مكلفة على الطرفين وعلى الشعار الذي رفعاه منذ أشهر "خوض معركة البقاء دفاعا عن تركيا".

الحزب الحاكم سيخسر المدن الكبرى إذا ما قرر دخول الانتخابات منفردا

غالبية تقارير شركات استطلاعات الرأي التركية كانت تقول إن الحزب الحاكم سيخسر المدن الكبرى إذا ما قرر دخول الانتخابات منفردا، واستطاعت أحزاب المعارضة التوحد، وأن حزب الحركة القومية سيفقد ما يملكه من ثقل ونفوذ حزبي وسياسي وشعبي إذا ما دخل في مغامرة من هذا النوع، وهذا ما دفع أردوغان وبهشلي لمراجعة قرار القطيعة والعودة إلى طاولة الحوار والتنسيق.

انتخابات البلديات التركية المرتقبة بعد 5 أسابيع تختلف عن سابقاتها كونها تجري بين تكتلين سياسيين كبيرين يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زعيم "حزب العدالة والتنمية " وشريكه الجديد رئيس "حزب الحركة القومية" دولت بهشلي التيار الأول فيه تحت شعار "اتفاق الجمهور"، ويتحرك الطرف المعارض الآخر الذي يجمع "حزب الشعب الجمهوري" اليساري الأتاتوركي و"ايي بارتي" اليميني القومي و"حزب الشعوب الديمقراطية" بغالبية كردية و"السعادة" الإسلامي تحت عنوان عريض هو "التحالف المللي".

انتخابات هذه المرة ستكون مختلفة أيضا لأنه سيكون لها شئنا أم أبينا تأثيرها على مسار ومستقبل الحالة السياسية والاقتصادية والحياتية اليومية في تركيا رغم أنها انتخابات محلية لا تطال قوة ونفوذ الحزب الحاكم تحت سقف البرلمان وفي إطار النظام الرئاسي. صباح الأول من نيسان سنتعرف إلى الإجابة على تساؤل مدى تأثير الأزمات الاقتصادية والحياتية على شعبية حزب العدالة والتنمية خصوصا وأن العديد من شركات استطلاعات الرأي تتحدث عن موجات غبن وعدم رضى واحتمال توجيه رسائل تحذيرية حزبية لقيادات العدالة.

الانتخابات ستجري في 81 مدينة تركية على مقاعد إدارة شؤون بلدياتها لكن المواجهة هي سياسية وحزبية وتتعلق بمسار ومستقبل المشهد السياسي في البلاد، خصوصا أمام أزمات مالية واقتصادية ونسب بطالة وتضخم مقلقة. نتائج الانتخابات المحلية التركية المزمع إجراؤها نهاية شهر آذار 2019، ستؤثر شئنا أم أبينا على الوضع السياسي والاقتصادي في تركيا، فالمعارضة ستسعى لإقناع الناخب التركي بأن وقت التغيير في البلاد قد حان بعد 17عاماً من حكم حزب العدالة. مقياس النتائج لن يكون المقارنة بين ما حققه حزب العدالة في آخر انتخابات محلية جرت عام 2014 حيث فاز يومها بـ 18 بلدية من أصل 30 بلدية وبنسبة 60 في المائة من الأصوات، بل ما سيحصده كل تكتل وفرص بقائه موحدا متماسكا قادرا على المنازلة بعد الأول من نيسان.

صباح الأول من نيسان سنعرف حجم التنسيق الجديد بين حزبي "العدالة والتنمية" الحاكم و"الحركة القومية" اليميني وهل ستصدق استطلاعات الرأي التي تقول إن نسبة 63 بالمئة من قواعد هذا الحزب ستلتزم بالتصويت لحزب أردوغان وتسهل له الفوز والبقاء على رأس غالبية بلديات المدن التركية.

الانتخابات المحلية قد لا تؤثر على شكل الحكم والإدارة تحت سقف البرلمان والوزارات والحكم الرئاسي الذي يقوده أردوغان لكنها لن تكون حتما معركة لي ذراع فقط. هي معركة تخاض تحت شعار حرب البقاء بالنسبة للحكم، لكنها حرب بقاء أهم بالنسبة للمعارضة وقياداتها التي تلقت أكثر من ضربة في العقد السياسي الأخير وهي أمام احتمال تلقي هزيمة أخرى رغم توحدها الأوسع بين تفاهم 4 أحزاب مهمة بشرائح وميول وتوجهات مختلفة كان هدفها الأول توجيه ضربة موجعة لحزب العدالة وحليفه الحزب القومي.

نتائج انتخابات البلديات مهمة أيضا لأنها ستساعدنا على معرفة قوة حزب العدالة والتنمية وقدرته على الإمساك بأهم موقعين هما العاصمة التركية أنقرة والمدينة التركية الأكبر والأغنى والأكثر كثافة سكانية إسطنبول. خسارة أردوغان وحليفه بهشلي لأحد المكانين سيعني حتما توجيه ضربة موجعة لـ"تحالف الجمهور" وشعبيته في المرحلة المقبلة.

صباح الأول من نيسان أيضا ستتكشف حقيقة فرص ولادة حزب يميني تركي جديد يجري الحديث عنه منذ عامين

صباح الأول من نيسان أيضا ستتكشف حقيقة فرص ولادة حزب يميني تركي جديد يجري الحديث عنه منذ عامين ويقال إن الرئيس عبد الله غل يقوده بالتنسيق مع المنظر القديم لحزب العدالة الأكاديمي ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو وبعض القيادات المغبونة أو المبعدة أو المهمشة في حزب العدالة مثل علي باباجان وحسين شليك ومحمد شيمشاك. تراجع أصوات وحصص العدالة والتنمية رغم تحالفه مع حزب آخر تصل نسبة أصواته اليوم إلى 10 بالمائة من مجموع أصوات الناخبين سيعني كارثة على قوة ونفوذ الحزبين تشعل الضوء الأخضر أمام أكثر من سيناريو محير ومقلق في صفوف اليمين التركي بينها فتح الطريق أما سيناريو الحزب البديل حتما.

صباح الأول من نيسان سيساعدنا على معرفة حجم الضربة التي وجهت لقوى إقليمية ودولية راهنت دائما على إضعاف أردوغان وحزبه في السلطة ولعبت أكثر من ورقة اقتصادية وأمنية وسياسية ضده. خروج العدالة والتنمية أقوى مما هو عليه اليوم سيسهل له الحكم في السنوات الدستورية الأربعة المتبقية دون أية اعتراضات تهدد موقعه ودوره في السلطة وستزيح هذا العائق الخارجي الذي لعب أكثر من ورقة تحت ذريعة المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان والحريات من طريقه، لكنه سيطلق يد الرئيس التركي لمواصلة برامجه وخططه السياسية والإنمائية والاستراتيجية في الداخل والخارج.

هي معركة بقاء بالنسبة للقيادات الحزبية ولمسار السياسات الحالية في البلاد ومواجهة كسر عظم من العيار الثقيل بعد أكثر من أزمة اقتصادية ومالية وسياسية تعصف بتركيا منذ عام. كثر هم الذي سيرصدون الانتخابات التركية المقبلة ونتائجها. إذا لم يخرج تحالف الجمهور أقوى مما هو عليه اليوم فهي أزمة كبيرة له وإذا تراجعت أصوات تكتل المعارضة الرباعي فهي كارثة على قياداته وفرص احتفاظها بمقاعدها. التعادل قد يرضي البعض لكنه قد لا يرضي الناخب التركي هذه المرة.