تركيا تضيق هامش المناورة الروسية في إدلب

2020.10.03 | 00:14 دمشق

thumbs_b_c_eb06122596182b0660e4f65964c0f1b3.jpg
+A
حجم الخط
-A

أجلت التطورات العسكرية المتواصلة بين أرمينيا وأذربيجان والمعارك المحتدمة في إقليم قره باغ، اللقاءات التقنية التركية الروسية المتعلقة بإدلب، والتي كان من المفروض إجراؤها في الأيام السابقة، بعد التوافق التركي الروسي على استمرار المفاوضات للوصول إلى التوافق الشامل في إدلب، ينهي معها التوترات المستمرة، ويؤدي إلى الاستقرار النهائي، رغم أن الطرفين رفعا من سقف مطالبها قبيل أي اجتماع مقبل، إلا أنهما اعتادا على التفاهم والتلاقي وتحييد التصادم الذي لن يؤدي سوى إلى الانزلاق إلى متاهات جدية هما بغنى عنها، ومع ذلك فإن احتمالات التلاقي قائمة وقريبة، خاصة أن وزيري خارجية البلدين التركي مولود جاويش أوغلو، والروسي سيرغي لافروف، يتبادلان الاتصالات للتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان، في مسعى لفصل الملفات وعدم ترابطهما وحل كل ملف على حدة.

ورغم التطورات الجارية والمحاولات الروسية الواضحة للضغط والتأثير على المواقف التركية، لإجبار أنقرة على الرضوخ وتقديم التنازلات في الملف السوري بعد التطورات المفاجئة في أذربيجان، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جدد في كلمة له أمام البرلمان الخميس، تمسك تركيا بإدلب وعدم التخلي عنها لعدة أسباب منها حماية حدود البلاد من تسلل الإرهابيين، وتوفير الأمن للمدنيين السوريين الموجودين في المنطقة والنازحين إليها، عبر تحويل المنطقة إلى منطقة آمنة، ووقف الهجمات على المدنيين والخطر المتواصل عليهم بالقصف البري والجوي، والقضاء على التهديدات الإرهابية، وهو ما يعني ويؤكد أن تركيا باستراتيجياتها الأخيرة، عملت على تقوية موقفها بشكل كبير جدا، أجبر روسيا على التراجع قليلا، وقلل من فرص المناورة وهامشها في إدلب، بفرض الانتشار والتوسع العسكري التركي، ورغم كل الضغوط الروسية والمطالب بسحب السلاح، والتصعيد الإعلامي، والخروقات المستمرة بالقصف، إلا أن تركيا وسعت وجودها العسكري في إدلب، وأدخلت ولا تزال تدخل يوميا التعزيزات العسكرية دون توقف.

تضييق هامش المناورة للروس في إدلب منبعه الأساسي فكرة الحسم العسكري الميداني من قبل تركيا، بعد أن ثبت خداع الجانب الروسي

تضييق هامش المناورة للروس في إدلب منبعه الأساسي فكرة الحسم العسكري الميداني من قبل تركيا، بعد أن ثبت خداع الجانب الروسي وعدم التزامه بالتعهدات والاتفاقيات، ولهذا يأتي الضغط الروسي حاليا من جبهة قره باغ، وأيضا محاولة ربط ملف شرق المتوسط بملف إدلب، حيث استطاعت تركيا عبر تفاهمات عسكرية مع الجانب اليوناني برعاية الناتو، وتحييد التوتر مع الاتحاد الأوروبي بالحوار، فصل ملف شرق المتوسط وسحب هذه الورقة أيضا من روسيا، وبالتالي حققت الفصل بين الملفات، مع تقدم الحوار في ليبيا أيضا بين الأطراف المتصارعة، ومع الوجود العسكري التركي الميداني في إدلب، يمكن القول أن هامش المناورة بات ضيقا جدا للروس، فالانتشار العسكري التركي وتصريحات الرئيس أردوغان، وتصريحات مشابهة سابقا له ولوزير الخارجية جاويش أوغلو، بتشكيل منطقة آمنة في إدلب أسوة ببقية المناطق، ومع انخفاض احتمالات حصول التصعيد الشامل بالمنطقة، فإن روسيا ربما تلجأ إلى بدائل للضغط على تركيا، سياسيا وعسكريا وميدانيا.

ورغم كل التفوق التركي الميداني الحالي، والنجاح في فصل الملفات، ووضوح الرؤية بالنسبة لها، وضيق هامش المناورة الروسية، فإن هذا لن يضعف موسكو بالضرورة، لأن الأخيرة تستغل الوضع الجيوسياسي في المنطقة والعالم، ولهذا لا تزال مصرة بالحصول على كامل جنوب الطريق الدولية إم4، وحتى شماله في بعض المناطق، ضمن المثلث الغربي القريب من جسر الشعور، كما أنهم سيظلون مصرين على الطلب من الجانب التركي بسحب السلاح الثقيل من المنطقة، وسحب نقاط المراقبة المحاصرة، وسيقابل ذلك ضبط نفس وصبر من قبل تركيا التي تراقب التطورات في الملفات الدولية من جهة، والتطورات داخل إدلب من جهة أخرى، وتضبط النفس وتصبر أمام السقف العالي الروسي المطروح دائما من جهة ثالثة.

روسيا وإن أظهرت عدم ضعف واستمرت بالتصعيد الدبلوماسي والإعلامي، وحتى الميداني فإنها لن تحقق تلك المكاسب الكبرى، ليكون مصير إدلب شبه محسوم من قبل تركيا، ولن تبعدها أي قوة عن إدلب لأهميتها الاستراتيجية للأسباب المذكورة سابقا، والتي رددها وكررها أردوغان، والمهم بالنسبة لتركيا بعد ضمان الاتفاقية النهائية، وفرض وقف إطلاق النار، إعادة ترتيب وضع الفصائل العسكرية المعارضة، ومصير هيئة تحرير الشام سيكون حاضرا بقوة، حيث أن إيجاد حل للهيئة لن يكون بالسهولة المتوقعة، لهذا تراقب تركيا التغييرات التي تجري في بنية الهيئة وسلوكها في المنطقة، وتقييد اليد الروسية في إدلب بسبب التطورات الميدانية، قد يدفعها عبر هذه الخاصرة النازفة للمعارضة وتركيا وهي التنظيمات الراديكالية، بخلق الفوضى العسكرية والميدانية داخل إدلب لتحقيق المكاسب التي قلت بالنسبة إليها، وربما تتطور لاحقا إلى هجمات ممنهجة تستهدف نقاطا عسكرية تركية مستقبلا.

تركيا تراقب عن كثب التغيرات الجارية في هيكلية هيئة تحرير الشام، والهدف الأساسي هو إبعاد العناصر المتشددة

تركيا تراقب عن كثب التغيرات الجارية في هيكلية هيئة تحرير الشام، والهدف الأساسي هو إبعاد العناصر المتشددة، ويرافق ذلك تكثيف الاستهداف من قبل القوات الأميركية لقياديي تنظيم حراس الدين المتشدد عبر المسيرات، كما أن تركيا كثفت في الداخل التركي من ملاحقة عناصر هيئة تحرير الشام، وربما يكون هناك سعي لدمج عناصر الهيئة من السوريين في المعارضة، في ظل رفض لدمج العناصر الأجنبية المتشددة، كما تشهد الهيئة أيضا انشقاقات باتجاه التنظيمات المتشددة الأخرى، وكل ذلك بالنهاية يصب في خانة تذويب تلك العناصر والقضاء عليها وسهولة إخضاعها، وتحاول بذلك تركيا سحب ورقة العناصر الراديكالية من روسيا من جهة، ومن جانب آخر تأمن أي خرق لهذه التنظيمات من قبل النظام وروسيا، لحثهم على استهداف القوات التركية مع الوجود العسكري الكبير في المنطقة، حيث سبق أن شنت هذه العناصر هجمات مشابهة على القوات التركية ونقاط تمركزها.

وخلاصة الكلام فإن تركيا عملت على عدة مسارات لتخليص وسحب أوراق الضغط من أيدي روسيا، ففصلت الملفات الدولية عن بعضها بعضا، دون أن تتداخل ويتم تبادل التنازلات عبرها كما تسعى دائما، وخاصة في أزمة شرق المتوسط وليبيا، وتسعى لتحييد أزمة أذربيجان وأرمينيا، كما عملت على تقوية يدها في الميدان عسكريا عبر تمركزات استراتيجية، وتمكنت من تشكيل حاجز أمام أي محاولات للتقدم العسكري من قبل النظام بدعم روسي، كما أنها تراقب وتعمل على استرضاء روسيا في مساعي تغيير هيئة تحرير الشام سلوكها، ومحاولات دمج فصائل المعارضة وتوحيدها، وكل هذا بالنهاية بهدف فرض اتفاقية وقف إطلاق نار شاملة تعمل تركيا عبرها على حل جميع المشاكل العالقة في إدلب بشكل كامل يريحها في ترتيب الأوضاع فيها، وبذلك ضيقت تركيا هامش المناورة الروسية في المنطقة، وكل ما سبق ورغم الرهان التركي، لا يعني الرضوخ الروسي أو التراجع، حيث إن روسيا اعتادت دائما على عدم وضع أي حساب لحياة المدنيين والسوريين، فلا يأمن لها جانب وربما تواصل انحدارها بالتصعيد، يقابله صبر تركي يسايرها حتى الوصول إلى الهدف المنشود.

كلمات مفتاحية