تركيا تصدر علاقاتها مع قطر كنموذج تعاون إقليمي

2021.12.23 | 05:27 دمشق

thumbs_b_c_fd5de2ac392b5ec75dc9f73f84d71f33_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ تطورها بشكل ملحوظ بعد عام 2014 وصلت العلاقات التركية القطرية إلى مستوى مرتفع من التعاون خاصة في أوقات الأزمات التي مرّ بها كلا البلدين، وقد تم وصف هذا التعاون بأوصاف متعددة في المجال الأكاديمي تارة بالانسجام، وتارة بالتعاون، وتارة أخرى بالشراكة الاستراتيجية كما تم وصفها بالتحالف في بعض الأحيان.

وبالفعل تطورت علاقات البلدين منذ العام 2009 وخلال فترة صعود الربيع العربي بعد 2011، وبعد تراجعه بعد 2013، وما تبع ذلك من تغييرات إقليمية ودولية.

لقد تمثّلت أبرز محطات التعاون بين البلدين في عدة محطات مهمة، حيث وقفت قطر بشكل واضح مع تركيا خلال محاولة انقلاب 15 تموز 2016 وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أول زعيم يتصل بأردوغان، كما دعمت تركيا، قطر خلال فترة حصارها في 2017 وقد أرسلت تركيا قوات إلى الدوحة وكان وجودها سببا مهما في منع اندلاع مواجهة عسكرية، وفي الوقت نفسه بقيت تركيا تمارس الوساطة لإنهاء الأزمة الخليجية ودعمت جهود الكويت في هذا السياق، وكذلك الحال كان هناك انسجام في سياسة قطر مع سياسة تركيا في كل من ليبيا وسوريا، وتجاه القضية الفلسطينية، كما قدمت قطر استثمارات كبيرة في تركيا في أوقات حرجة. كما رأى العالم بوضوح أن تركيا وقطر هما من الدول القليلة التي يمكن أن تلعب دورا مهما في استقرار أفغانستان.

وعلى المستوى الثنائي تقف اليوم كل من تركيا وقطر على أعتاب انعقاد الدورة السابعة لاجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا، والذي سيعقد في الدوحة، حيث يتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر في 7 من ديسمبر الجاري في زيارة تستمر يومين يتوقع خلالها أن تُوقّع خلالها العديد من الاتفاقيات. وبالنظر إلى الاجتماع السادس في أنقرة في عام 2020، فقد وقّع البلدان 6 اتفاقيات جديدة.

ومن المعلوم أن أول اجتماعات اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة بين تركيا وقطر كانت في عام 2014. ومنذ عام 2014 وحتى ما قبل الاجتماع الذي سيعقد في الدوحة خلال ديسمبر 2021، وقّع البلدان 52 اتفاقية في مجالات متنوعة.

ويتميز التعاون بين تركيا وقطر بتنوع واتساع مجالاته، حيث تنوعت الاتفاقيات من التعاون العسكري إلى الصناعي والتجاري والثقافي، وحتى مجالات الشؤون الدينية والاجتماعية والأسرية.

على المستوى التجاري، يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 2 مليار دولار. ومن المعلوم أن قطر استثمرت في تركيا استثمارات مهمة حيث تعمل أكثر من 179 شركة قطرية في تركيا، وقد وصلت وفقا لتصريحات السفير التركي في الدوحة مصطفى غوكصو إلى أكثر من 33 مليار دولار بشكل إجمالي. في حين تعمل أكثر من 600 شركة تركية في قطر وتحديدا في مجالات الإنشاءات والبنية التحتية.

وعلى المستوى الدفاعي والأمني فقد تكثف التعاون بين البلدين على المستوى الثنائي وفي دعم الأطراف الصديقة، وعلى سبيل المثال أدى تعاون استخباري بين تركيا وقطر مؤخرا في نوفمبر 2021 إلى النجاح بتحرير 7 مواطنين أتراك كانوا محتجزين في مناطق سيطرة خليفة حفتر شرقي ليبيا. حيث كان 7 مواطنين أتراك محتجزين منذ نحو عامين. وفي مارس 2021 أعلنت وزارة الدفاع القطرية، عن توقيع اتفاقيات تعاون جديدة مع تركيا في ختام الاجتماع الثالث للجنة العليا العسكرية المشتركة. ومن المعلوم أن تركيا سيكون لها دور أمني في تأمين فعالية كأس العالم 2022 الذي سيقام في قطر وقد كان البلدان قد وقعا اتفاقية أمنية في عام 2019.

وعلى مستوى الصناعات العسكرية التركية فقد أبرمت قطر مع تركيا عدة صفقات عسكرية حيث اشترت مدرعات وطائرات من دون طيار وزوارق بحرية. وعلى سبيل المثال اشترت الدوحة السلاح التركي المضاد للمسيرات، والمعروف باسم "إيهاماكس" (IHAMAX)، وهو سلاح مطور ضد الطائرات من دون طيار التي تشكل خطراً.

لقد تمثّلت أبرز محطات التعاون بين البلدين في عدة محطات مهمة، حيث وقفت قطر بشكل واضح مع تركيا خلال محاولة انقلاب 15 تموز 2016 وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أول زعيم يتصل بأردوغان

كما  كانت الدوحة قد حصلت على سفينة حربية تركية في أكتوبر 2020. التي صنعتها شركة الأناضول التركية لبناء السفن التركية، وتعد السفينة من أكبر سفن التدريب في العالم.

ولم تقتصر مجالات التعاون على الأمني والعسكري والتجاري فقد شملت المجال الأسري والثقافي ولعلنا نشير هنا فقط على سبيل المثال إلى الاتفاقية بين مكتبة قطر الوطنية ومكتبة الأمة التابعة للرئاسة التركية. ويمكن أن نشير هنا إلى نشاطات جامعة قطر فقط في نوفمبر 2021 حيث استضافت السيد إبراهيم كالين الناطق باسم الرئاسة التركية في محاضرة فكرية ثقافية عن كتابه "أنا والآخر وما بعده: مقدمة في تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب"  كما نظمت الجامعة مؤتمرا فكريا عن العلاقات التركية العربية شارك فيه باحثون عرب وأتراك.

انعكاس علاقات تركيا الجديدة مع الإمارات على العلاقة مع قطر بشكل مباشر، دفعت زيارة ولي عهد دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا مؤخرا في 24 من نوفمبر 2021 ولقاؤه مع الرئيس أردوغان والاتفاقيات التي تم توقيعها والاستثمارات التي وعد بتنفيذها في تركيا إلى فتح تساؤلات حول إمكانية حصول تغيير في علاقات تركيا مع قطر خاصة أن الإمارات تعتبر منافسا لقطر.

كما أن هناك توترا بين قطر والإمارات خلال السنوات الماضية، لا بد من القول إن العلاقة بين تركيا نفسها والإمارات كانت متوترة خلال السنوات الأخيرة.

لقد كانت تركيا حريصة كل الحرص حتى مع بناء وتطوير علاقاتها مع قطر على بناء علاقاتها مع دول الخليج الأخرى وخاصة السعودية والإمارات.

ولكن مع دخول المنطقة لحالة من الاستقطاب وجدت تركيا وقطر نفسيهما في الخندق ذاته، ولهذا تزايد التقارب بينهما في سياق التضامن ثم الشراكة.

بعد اتفاقية العلا في يناير 2021 وحدوث المصالحة الخليجية وعودة العلاقات بين قطر من جهة والدول الأربع التي حصلت الأزمة معها وعلى رأسها الإمارات، أصبح المجال الإقليمي مهيئا لمصالحات أخرى. وقد كانت تركيا تحديدا تحتاج إلى توفير هذا الجو وذلك بسبب ما كان يسببه الوضع المتوتر من انعكاسات على تركيا في كل مجالاتها الحيوية.

واليوم مع عودة المنطقة لحالة من الهدوء والمصالحات وفتح صفحة جديدة في العلاقات فإن حجم الثقة الذي تكوّن بين تركيا وقطر خلال السنوات الماضية في مواجهة التهديدات المشتركة سيكون لديه القدرة على إيجاد مساحات المصالح المشتركة خاصة أن حالة الاستقرار ستجلب معها كثيرا من الفرص، وبالتالي ليس من المتوقع أن تؤثر إيجابية العلاقات مع الإمارات سلبا على العلاقات التركية القطرية.

ومن زاوية أخرى فقد بنيت العلاقات التركية القطرية على مجموعة من التصورات لدى البلدين وما زالت هذه التصورات تعمل نحو استمرار إيجابية العلاقة.

مستقبل العلاقات التركية القطرية

في البداية على المستوى الاقتصادي من الممكن بسهولة أن تتظافر جهود البلدين لرفع مستوى التبادل التجاري من 2 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار. ومما يشجع في هذا السياق أن تركيا لديها تطور كبير ملحوظ في المجال التكنولوجي ويمكن أن توفر العديد من الاحتياجات لقطر وغيرها من دول الخليج.

لقد كانت الدوحة دائما من الجهات التي أظهرت أهمية استثماراتها بالنسبة لتركيا في أوقات حرجة، وحاليا في الوقت الذي تشتد فيه حاجة تركيا إلى الاستثمارات من المتوقع أن تستمر قطر في السير على السياسة نفسها.

على المستوى الاستراتيجي راكمت 7 سنوات من الشراكة الاستراتيجية حالة كبيرة من الثقة بين تركيا وقطر. وبالإضافة للثقة هناك مشاريع كبيرة بدأت ويتوقع لها أن تستمر وفي هذا السياق لا يتوقع أن تغلق تركيا القاعدة العسكرية في الدوحة.

ختاما يمكن القول إن مشهد المصالحات الإقليمية أصبح أحد ملامح المرحلة الحالية في منطقة الشرق الأوسط، وهناك حالة من التفهم المتبادل والمصالح المتبادلة لدى الدول تجعلها تسير في هذا المسار في الفترة الحالية لكن في  الوقت نفسه تحتاج هذه المرحلة لأن تمر بمرحلة "اختبار ثبات" لأن التقارب الحالي لا يعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011. إن الثابت هنا أن علاقات قطر كانت منسجمة في الفترة السابقة لـ 2011 وتلاقت في أكثر من مكان بعد 2011 وتضامنت وتوثقت بعد 2014، وبالتالي فإن المرجح أن تستمر في المحافظة على حالتها المتطورة. وإن استمرار التعاون بين البلدين يخدم الاستقرار في أكثر من مكان سواء في منطقة الخليج أو خارجها كما رأينا في أفغانستان وقد ينعكس حتى على شمال أفريقيا وليبيا تحديدا ومنطقة القرن الأفريقي، وأيضا منطقة شرق المتوسط.

ولعل السياسة التركية الحالية تريد بشكل واضح أن تقول في المرحلة الجديدة أن علاقاتها مع قطر بدأت في إطار انفتاح على المنطقة ووفق نظرة نحو استقرار يستفيد منه الجميع وتوثقت في مرحلة من التضامن والشراكة وحاليا تعتبر نموذجا لعلاقات تركيا المحدثة مع اللاعبين والفاعلين الآخرين في المنطقة.