تركيا بعد عودة المعجب 

2018.11.03 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يمنح عرفان فيدان المدعي العام التركي في إسطنبول نظيره السعودي سعود المعجب فرصة جمع أغراضه وركوب طائرة العودة إلى الرياض، بل سارع لنشر بيانه الرسمي الأول حول جريمة اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، معلناً أنه لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة من اللقاءات مع نظيره السعودي، رغم كل جهود المحققين الأتراك المتسمة بالنوايا الحسنة لإظهار الحقيقة والكشف عن ملابسات مقتل خاشقجي.

النتيجة الوحيدة من خلال اللقاءات التركية السعودية حسب الإدعاء العام التركي كانت الدعوة التي وجهت لهم من قبل فريق التحقيق السعودي لمتابعة تفاصيل الملف من العاصمة السعودية هذه المرة. 

عندما يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده تعرف "أن اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي بدم بارد مع سابق إصرار جاء بقرار من أعلى المناصب في السعودية" فالمؤكد أن القيادة السياسية التركية لم تحصل على إجابات عن أسئلة كثيرة طرحها الادعاء العام التركي على المعجب ممثل الادعاء العام السعودي، قد لا تشجع على استمرار لقاءات من هذا النوع يرى أردوغان فيها محاولة لتضييع الوقت لا أكثر. 

هناك من يتهم أنقرة بأنها "تبحث عن صفقة في الحادثة وأن الرياض قادرة على الرد ومواجهة المؤامرة التي تحاك ضدها"

باختصار الأتراك غير مقتنعين بفائدة الاستجابة لدعوة المدعي العام السعودي "فهو تكتيك يائس ومتعمد" كما يرون،  لذلك فالتحرك التركي لن ينتهي عند هذا الحد في المرحلة المقبلة خصوصا وأن هناك من يتهم أنقرة بأنها "تبحث عن صفقة في الحادثة وأن الرياض قادرة على الرد ومواجهة المؤامرة التي تحاك ضدها"، والذي لن يلتفت إليه الأتراك حتما هو فبركات أن خاشقجي كان اسلاميا متشددا وأن الجريمة مرتبطة مباشرة بحرب النفوذ والمصالح الأميركية البريطانية على تجارة السلاح والنفط في محاولة لتعقيد الملف وتسجيل القضية ضد مجهول.

الذين يعرفون أردوغان ولو بعض الشيء يعلمون أنه مهما بلغت تعقيدات الملف فهو لن يتخلى عن مطلب الكشف عن ملابسات الجريمة والفاعلين مهما علت مراتبهم، وأنه سيكشف عن المزيد من التفاصيل حول ما يتوصل إليه التحقيق التركي ومن جانب واحد، وعندها لن يكون ممكنا وكما هو الحال اليوم الفصل بين الشق السياسي والشق القانوني في ملف القضية.

بصورة أوضح شعور أنقرة بأنها وصلت إلى طريق مسدود في حوارها مع الرياض سيدفعها إلى قرع أبواب المجتمع الدولي قانونيا وسياسيا ودبلوماسيا بدءا من دعم فكرة إشراك الامم المتحدة في التحقيقات ومرورا بفتح تحقيق دولي مستقل ووصولا إلى المطالبة بتشكيل محكمة  خاصة أو حمل ملف القضية إلى محكمة الجنايات الدولية.

أردوغان يحذر لكن هناك من يردد في الاعلام السعودي أن "الجانب التركي يرى في هذه الحادثة المؤسفة فرصة لحصد بعض المكتسبات السياسية والاقتصادية". مشكلة بعض الذين يرصدون المواقف التركية من الرياض ستكون خلطهم بين المواقف والخطوات التركية اللاحقة التي أعلن عنها الرئيس التركي بين: "لا ينبغي لأحد أن يتجرأ على ارتكاب أفعال كهذه على أراضي دولة عضو في حلف الناتو، وإلّا فإنه سيترتب على ذلك عواقب وخيمة جدا" وبين "صداقتنا مع الرياض لا تعني أن نغض الطرف عن عملية الاغتيال المخطط لها مسبقا والتي تتكشف حقائقها أمامنا"؟

تحاول بعض القيادات السياسية والأقلام العربية تحويل المسألة إلى عملية اصطفاف

تحاول بعض القيادات السياسية والأقلام العربية تحويل المسألة إلى عملية اصطفاف بين طرفين متآمر على السعودية والدول العربية ويريد تسليم المنطقة إلى تركيا وإيران عبر لعب ملف الجريمة إقليميا ودوليا والهدف من وراء ذلك كما يرى بعض الأتراك هو فتح الأبواب أمام توسيع رقعة الانفتاح على إسرائيل، وطرف آخر يريد الدفاع عن السعودية ودورها الإقليمي وقطع الطريق على استهدافها وهي محاولة لم يعد لها أي تأثير لأن المسؤولين الأتراك أنفسهم يشيدون بالعلاقات التركية السعودية وبحكمة العاهل السعودي وقدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة في التعامل مع هذا الملف.

أنقرة تريد إجابات على أسئلة قانونية طرحتها على المعجب مثل معرفة القتلة ومكان الجثة ومن أعطى الأوامر وهوية المتعاون المحلي. لكنها تنتظر إجابات على أسئلة سياسية ودبلوماسية أيضا: هل بدأت محاكمة القنصل العام الذي أنكر الحقائق ويعرف الكثير من التفاصيل؟ ولماذا وقع الاختيار على إسطنبول كـ مكان لتنفيذ الجريمة؟ وهل سيتدخل العاهل السعودي كما فعل حتى الآن لحسم الموقف؟ وهل سيكون هناك رغبة سياسية سعودية في إعطاء أنقرة ما تريده لناحية اختيار مكان المحاكمات؟

صحيفة واشنطن بوست تقول: السيسي ونتنياهو يتوسطان لـ بن سلمان لدى ترامب.

وأصوات إسرائيلية: المس بمكانة نظام الحكم السعودي في واشنطن لا يخدم المصالح الاستراتيجية لإسرائيل.

لا أظن أن أحدا في تركيا والسعودية سيأخذ بمثل هذه المواقف والآراء والتحليلات، فمنذ البداية كان معروفا أن واشنطن وبعض المروجين لها ستحاول الجلوس أمام أية طاولة حوار تركية سعودية للبحث عن غنائمها خلال مناقشة ملف القضية.