تركيا... انتخابات واحدة... قراءتان

2018.06.29 | 01:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يمكن قراءة الانتخابات التركية التي جرت الأحد الماضي بشقيها الرئاسي والبرلماني في سياقين داخلي وخارجي. القراءة الأولى تتعلق بدلالات خلفيات النتائج في السياق التركي الداخلي السياسي والتنظيمي؛ والأخرى تتعلق بقراءة نتائج الانتخابات خارجياً على صعيد السياسة الخارجية تحديداً فيما يتعلق بالثورات العربية بشكل عام، والثورة السورية بشكل خاص.

جاءت نتائج الانتخابات مفاجئة إلى حد ما، قياساً إلى استطلاعات الرأي التي أجريت في الأسابيع الأيام الأخيرة التي أشارت إلى وجود احتمال قوي لفوز الرئيس أردوغان من الدورة الأولى بنسبة مقاربة للنسبة التي فاز بها فعلا ًمع احتمال لفقدان تحالف الشعب - العدالة والقومي - الغالبية البرلمانية لصالح تحالف الأمة المعارض المكون من أحزاب الشعب الخير القومي والسعادة الإسلامي.

الرئيس أردوغان فاز إذن بنسبة 52,4%. وهي نسبة قريبة جداً من النسبة التي حازها تحالف الشعب الداعم له المكون أساساً من حزبي العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية والبالغة 53.6%. ، ومع افتراض أن الكتلة التصويتية لحزب العدالة-42.5- صوتت كلها للرئيس، فإن أصوات حزب الحركة القومية البالغة 11 بالمائة  لم تصوت بكاملها له ما يعني أن الرئيس حصل كما العادة على نسبة معتبرة من الأصوات الكردية، كما يتضح من نمط التصويت في مناطق الجنوب الشرقي التي صوّتت بأغلبية واضحة لحزب الشعوب أكثر مما صوتت لزعيمه صلاح ديمرطاش المرشح للرئاسة.

رغم أن حزب العدالة فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2015 بقرابة 50 بالمائة من الأصوات ورغم أن كتلته التصويتية في حدها الأدنى تلامس حاجز الـ45 بالمائة، إلا أنه فاز في هذه الانتخابات نسبة 42.5. %، ما يعنى تراجع بنسبة سبعة ونصف بالمائة، هذه المرة يمكن تفسيره بمشاكل حزبية داخلية سيعمل عليها الحزب كما قال الرئيس أردوغان ومسؤولون آخرون بعد تلقي الرسالة، إلا أنه يعني أيضاً أن انشقاق ميرال أكشينار عن حزب الحركة القومية، وحتى فكرة الحزمة الانتخابية الثنائية الرئاسية والبرلمانية أعادت المصوتين القوميين إلى قواعدهم مرة أخرى، علماً أن الحزبيين القوميين حازا معاً على 22 بالمائة، ما يعني وجود جبهة قومية يمينية عريضة نصفها فقط أو أقل حتى صوتوا للرئيس أردوغان.

اكشينار بدورها نالت سبعة ونصف بالمائة تقريباً في الانتخابات الرئاسية، بينما نال حزبها أكثر من 11 بالمائة فى الانتخابات البرلمانية ما يعني أن شريحة المصوتين لم يروا فيها مرشحة جديرة للرئاسة، لكن أرادوا دعم الحزب القومي نفسه

أمر مماثل يمكن قوله عن محرم أينجي المرشح الرئاسي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي حاز على 30.7 أي أكثر بثمانية بالمائة تقريباً من الحزب الذي حاز في الانتخابات البرلمانية على 22.5 بالمائة تقريباً من الأصوات. هذا يعني تراجع في شعبية الحزب التي كانت تتراوح أصلا ًحول 25 بالمائة، وتسرب أصوات إلى حزب الشعوب، وربما حتى إلى حزب اكشينار من المعتدلين القوميين بينهم، إلا أنه يعني أن أينجي نجح في جلب أصوات من شرائح شعبية خارج المصوتين التقليديين للحزب، سواء من القوميين المعتدلين، أو حتى من المصوتين الأكراد الذي لم يصوّتوا للمرشح ديمرطاش وفضلوه على المرشحة اليمينية أكشينار.

اكشينار بدورها نالت سبعة ونصف بالمائة تقريباً في الانتخابات الرئاسية، بينما نال حزبها أكثر من 11 بالمائة فى الانتخابات البرلمانية ما يعني أن شريحة المصوتين لم يروا فيها مرشحة جديرة للرئاسة، لكن أرادوا دعم الحزب القومي نفسه، وهو ربما ما سعت إليه منذ البداية عندما أصرت على الترشح في الانتخابات الرئاسية، رغم تراجع فرصها، ولكن من أجل تقوية الحزب نفسه وإعطائه صورة متمايزة عن الحزب القومي الأم المؤيد لأردوغان الذي انشقت عنه.

 صلاح الدين ديمورطاش نال 8.3 أي أقل بثلاثة بالمائة تقريباً من النسبة التي نالها حزبه حزب الشعوب، والتي تراجعت عن النسبة التي نالها في الانتخابات النيابية قبل الأخيرة في تشرين ثاني 2015، هذا يعني طبعاً تراجع الحزب وعدم النظر إليه كمرشح جدي للرئاسة، ولكن مع رغبة في بقاء الحزب نفسه في الساحة السياسية والبرلمانية خاصة في المناطق المؤيدة لحزب الشعب الجمهوري، والتي حصل فيها الحزب الكردي على نسبة أصوات معتبرة ولافتة.

المعطيات والإحصائيات السابقة تؤكد أن الرئيس أردوغان تجاوز الاستحقاق الانتخابي بجدارة مع نيله التفويض الديموقراطي اللازم للمضي قدماً في قيادة البلاد وسواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية نحن أمام تأييد برنامج الرئيس فى أبعاده المختلفة السياسية الاقتصادية الاجتماعية، وتشجيع له للمضي قدماً على طريق النهوض والتطور ووضع البلاد في مصاف الدول العظمى.

مع حزب العدالة والتنمية وحزبي الحركة القومية نحن أمام كتلة قومية وسيطرة يمينية صلبة وراسخة نقترب من الثلثين تقريباً، ومع أن جزء منها موجود في المعارضة، إلا أنها تتبنى بشكل عام رؤى متقاربة في السياسة الخارجية تحديداً فيما يتعلق بالتدخل فى المحيط دفاعاً عن المصالح القومية، وهذا ما ينقلنا مباشرة إلى القراءة الثانية للانتخابات ونتائجها وتحديداً فيما يتعلق بالموقف التركي من الثورات والتطورات العربية والثورة والقضية السورية بشكل خاص.

اعتبر الرئيس أردوغان في خطاب الشرفة فوزه بمثابة انتصار للمظلومين في المنطقة والعالم، بينما اعتبره وزير الخارجية شاويش أوغلو نتاج لدعواتهم الصادقة. هذا يعني ببساطة أنه سيتم المضي قدماً في سياسة نصرة الشعوب المضطهدة والمستضعفة، تقديم المساعدة لها، ودعم حقها في الحرية الكرامة وتقرير المصير.

في السياق السوري يمكن الحديث عن نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق باللاجئين على الأراضي التركية، والثانية تخص الموقف التركي من الثورة والقضية السورية في الأولى، لن يتم تغيير السياسات المتبعة، لجهة الاستضافة وتقديم الخدمات والمساعدات والتسهيلات للاجئين ، كما هي مع تحسين مضطرد، ولن يكون إجبار لأحد على العودة مكرهاً، ومع التأكيد على أن فكرة العودة ستكون بضمان سلامتهم أمنهم واستقرارهم، أي العودة الطوعية إلى نموذج مناطق درع الفرات غصن الزيتون مع إعادة بناء البنى التحتية، وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في مستوياتها المختلفة.

سياسياً؛ ستستمر تركيا في ممارسة دورها كلاعب رئيسي مركزي في القضية السورية بناء على مصالحها ومواقفها السياسية المتطابقة إلى حد بعيد مع مصالح الشعب السوري ورؤاه السياسية، حيث الإصرار على وحدة التراب السوري، رفض مخططات التقسيم، رفض التعاطي مع الجماعات الإرهابية التي مارست الإرهاب بحق المواطنين بغض النظر عن مسمياتها وتلوناتها، والبحث عن حل سياسي عادل ومستدام وفق روح إعلان جنيف مع استحالة لعب نظام الأسد لأي دور مركزي في مستقبل البلد، أو تحديد مصيره بعد الجرائم التي ارتكبها بحق المواطنين وممتلكاتهم وثروات البلد بشكل عام.

في السياق الفلسطيني - الإسرائيلي وكما قال معظم المعلقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية ستستمر تركيا قدماً في دعم الفلسطينيين سياسياً وإنسانياً، ولن تتخلى عن موقفها الصارم المعارض لصفقة القرن، كما الجرائم الإسرائيلية في الضفة وغزة على حد سواء، ودعم وتشجيع السلطة الفلسطينية على رفض السياسات الأمريكية الإسرائلية ومواجهتها في الساحات والمؤسسات الدبلوماسية والقضائية الدولية.

في الأخير وباختصار أعطت الانتخابات تفويضاً ديموقراطياً واضحاً وصريحاً للرئيس أردوغان لقيادة البلاد والدفاع عن أمنها واستقرارها ومصالحها الحيوية في الخمس سنوات القادمة مع غالبية برلمانية راسخة داعمة ومساندة وفق البرامج والسياسات المعلنة التي تستند إلى الأسس والقواعد التي تم اتباعها داخلياً وخارجياً خلال فترة حكم الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في السنوات الماضية.