ترسيم الحدود كمحطة إقليمية للتهدئة أو الانفجار الكبير

2022.08.06 | 04:52 دمشق

ترسيم الحدود كمحطة إقليمية للتهدئة أو الانفجار الكبير
+A
حجم الخط
-A

4 آب 2020، تاريخ هو الأكثر شؤماً وبؤساً، يؤرّخ أسوأ كارثة في تاريخ لبنان. في ذلك اليوم المشؤوم، قبل سنتين، ضرب الانفجار الزلزالي مرفأ بيروت، ودمّر ثلث العاصمة، وأودى بحياة المئات من الأبرياء، وخلّف آلاف الجرحى وحوّل عشرات الآلاف من المواطنين منكوبين بأرزاقهم، وسَوّى بهم في الأرض ركاماً يضاف إلى ركام الأزمة التي تعصف بهذا البلد، سنتان على هذه الفاجعة، ولم يستفق اللبنانيون والمنكوبون بشهدائهم وجرحاهم وجنى عمرهم، من الصدمة بعد.

وسنتان، وركام الجريمة وآثار الانفجار متراكمة في المرفأ وسائر المناطق المنكوبة، وها هي إهراءات القمح التي لطالما شكّلت مَعلما قائما في مرفأ بيروت، والتي ظلت شاهدا على هول جريمة التفجير، باتت آيلة للتداعي والسقوط في أي لحظة كسقوط البلاد في يد محور الأسد - خامنئي ليجري حصره كمساحة تخدم أعتى النظم الديكتاتورية على سطح الأرض.

بالتوازي ينتظر اللبنانيون عودة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين إلى بيروت عائداً إليها بعد لقائه الرؤساء الثلاثة وسماعه موقفاً يبدو موحداً وفق مجموعة من المسارات، كالإصرار على الخطّ 23 كاملاً يضاف إليه حقل قانا، وعدم التنازل عن أيّ مساحة من الحقوق البحرية اللبنانية، وعدم التجاوب مع أيّ فكرة تتعلّق بتبادل الحقول أو المساحات مع الجانب الإسرائيلي، وعدم الموافقة على التنقيب المشترك مع إسرائيل من قبل أي شركة دولية، وعدم دفع مبالغ ماليّة للإسرائيليين لقاء تنازلهم عن حقل قانا.

إدارة بايدن تتجّه إلى تجديد عمل هذه القوات من دون المطالبة بأي تعديلات، ما يؤشر إلى تفاهم قريب حيال ملف ترسيم الحدود البحرية، مع ترك نقاط ستعالجها لاحقاً الاجتماعات التي ستعقد في الناقورة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي

وتلويح حزب الله بالحرب واستخدام القوة وتحديداً بعد إطلاق المسيرات وتسريب فيديو الصواريخ البحرية هو ترجمة لعوامل الضغط. وهذا ما أدّى إلى التسريع في المفاوضات. وفي الإطار نفسه ستتعامل واشنطن مع قرار التجديد لقوات اليونيفيل وفق القرار الدولي 1701 انطلاقاً من دورها كإطفائي دولي يمنع أي انفجار في الشرق الأوسط، وبخلاف الأصوات التي كانت قد ارتفعت داخل الإدارة الديمقراطية حول وجوب إدخال تعديلات على مهمات قوات حفظ السلام العاملة في الجنوب اللبناني.

لذا فإنّ إدارة بايدن تتجّه إلى تجديد عمل هذه القوات من دون المطالبة بأي تعديلات، ما يؤشر إلى تفاهم قريب حيال ملف ترسيم الحدود البحرية، مع ترك نقاط ستعالجها لاحقاً الاجتماعات التي ستعقد في الناقورة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي للاتفاق على الصورة النهائية للنص المكتوب بين الطرفين، وسيتمّ التوقيع على مرسوم من الجانب اللبناني بتعديل المرسوم 6433 وتضمين التعديل المساحة الجديدة التي حصل عليها لبنان.

وهذا الأمر هو في إطار دور واشنطن وإدارة الرئيس جو بايدن في تأمين أجواء تفاهمات إقليمية تؤمن عدم حصول أي حرب أو توتر أو نزاع. وهناك رغبة ثابتة لدى الإسرائيليين في عدم الذهاب إلى أي معركة تؤدي إلى توتير الأجواء في البحر المتوسط، لأن أي اشتباك أو حرب تعطل عمل الشركات التي تستخرج الغاز الإسرائيلي وتعطل مسار نقل الغاز إلى أوروبا، لذا فإن الرؤساء الثلاثة في لبنان وكل المسؤولين الذين التقاهم المبعوث الأميركي تبلغوا موقفاً واضحاً: رفض واشنطن لأي مسار يؤدي إلى الحرب ورفضها لمبدأ التصعيد، للوصول في مهمته لخواتيم سعيدة للطرفين.

وعليه فإن الوصول إلى اتفاق حول الحدود البحرية قبيل مطلع أيلول المقبل برعاية مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف والتي ستحط رحالها في بيروت في حال نجحت المهمة الأميركية في إبرام اتفاق كبير، ما سينعكس تدريجياً على ملفات سياسية أخرى، كالذهاب إلى تسوية سياسية تسبق الانتخابات الرئاسية في مرحلة الفراغ الرئاسي، ولكن على أن لا تمسّ هذه التسوية جوهر اتفاق الطائف كما يلوح بشكل مستمر الأفرقاء المسيحيين، بل وضع الإطار لتنظيم الواقع اللبناني وإعطاء الضمانات الأمنية المطلوبة وإعادة بناء مؤسسات الدولة تحت إشراف صندوق النقد الدولي والصناديق الدولية الأخرى، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد لتدشين هذه المرحلة الجديدة.

في الوقت نفسه تسعى واشنطن لانسحاب لغة التهدئة على كل ملفات الشرق الأوسط، من خلال تعزيز علاقاتها مع السعودية وقطر وإعادة تمتين نشاطها الإقليمي مع تركيا والذهاب لحل واتفاق مع إيران. وفي هذا الصدد تأتي المصادقة الأميركية على صفقات التسليح الكبرى للسعودية والإمارات، والتي كانت مجمدة سابقًا، والتي تتضمن أنظمة دفاع صاروخي من ضمنها 300 منظومة صواريخ من طراز باتريوت والتي تُستخدم لاعتراض الصواريخ البالستية بعيدة المدى، إضافة إلى الطائرات المهاجمة، ما يشير إلى محاولة واشنطن طمأنة دول الخليج والسماح لتركيا بالتحرك في الشمال السوري وتوقيع اتفاق نقل القمح الأوكراني برعاية الأطراف المتصارعة، لذا فإن السياسة الأميركية الثابتة تنطلق من أن لا إرادة أو رغبة بحصول حرب في منطقة الشرق الأوسط، وكل هذا إذا ما كان متصلاً باتفاق بين طهران وواشنطن، فيعني ذلك أن روسيا أصبحت في هامش التأثير الجيوسياسي في الإقليم.

وأمام كل هذه التحديات يتحرك الوسطاء الأوروبيون مجدداً بين واشنطن وطهران من خلال القناة القطرية وجرى تبادل نصوص جديدة بين الجانبين الأميركي والإيراني. والمناخات الإيجابية في واشنطن يقابلها حذر إيراني كبير حتى الآن، في ظل نقاش مستفيض عنوانه أن طهران موافقة على سحب البند المتعلق برفع العقوبات عن حرسها الثوري تقابلها إيجابية أميركية برفع مؤسسات إيرانية تمول نشاطات الحرس من لوائح العقوبات ما يؤسس لاتفاق نووي جديد عنوانه فرض التهدئة في كل المساحات المتنازع عليها.

واشنطن ستعمل على ترتيب تسوية سياسية تسمح برسم صورة المرحلة التي ستلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية

ويمكن فهم التفويض الأميركي لإدارة ماكرون من خلال المداولات الفرنسية-السعودية والتي ناقشت الاستحقاق الرئاسي في لبنان عبر الإتيان برئيس جمهورية إصلاحي ورئيس حكومة من خارج نادي التقليديين ما يؤسس لدور أساسي للمملكة وباريس بالتفاهم مع طهران في ملف إعادة بناء النظام الاقتصادي اللبناني بعد إقرار الإصلاحات المطلوبة من قِبل صندوق النقد الدولي، وتولي السعودية فتح أبواب المساعدات الخليجية للمرحلة المقبلة، وهذا يعني أن واشنطن ستعمل على ترتيب تسوية سياسية تسمح برسم صورة المرحلة التي ستلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

لكن المقصود أنّ واشنطن ستترك الصورة لباريس والرياض، وهو تأكيد إضافي على التمسّك بهيكل اتفاق الطائف وعدم المساس بتوازناته الجوهرية والواضح أنّ الاستحقاق الرئاسي قد لا يحصل قبل إنتاج تسوية داخلية ترسي قواعد المرحلة المقبلة، وهذه التسوية قد تكون بحاجة لمناخ إقليمي مؤاتٍ خصوصاً مع إيران لناحيتين: الأولى، تتعلق بالاتفاق النووي والثانية تتعلق بالتقدّم بالعلاقات ما بين السعودية وإيران.