تدمير ما تبقى من وطن اسمه سوريا

2021.07.27 | 07:02 دمشق

ywrbl.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد عشر سنوات من حربها على الشعب السوري، أوصلت العصابة التي تحكم سوريا الاقتصاد السوري، إلى كارثة لم تعرفها سوريا في تاريخها.

لم تكن أسباب هذه الكارثة الاقتصادية الحقيقية هي ما ادّعته هذه العصابة، سواء عبر إعلامها، أو عبر قادتها، والتي لخصتها بالمؤامرة والحصار، وأخيرا بكذبة ما حدث لأموال السوريين في المصارف اللبنانية، بل كانت أساساً في تكاليف الحرب الباهظة، وفي انهيار معظم ركائز الاقتصاد السوري، فقد توقف النفط عن رفد الاقتصاد، وتعطّلت عجلة معظم المصانع، وخرجت مناطق زراعية واسعة من الاستثمار بسبب غياب الأمن، وتهجير الكتلة الكبيرة العاملة فيها، وكان من الطبيعي أن تتوقف السياحة.

أوصلت العوامل السابقة مجتمعة البنية الاقتصادية السورية إلى الانهيار، مما دفع سلطة الأمر الواقع لحلول كارثية، تجلّت في خطط كان هاجسها الوحيد هو الإبقاء على سلطة هذه العصابة، بغض النظر عما تسببه لاحقاً، حلول بدأت نتائجها تظهر واضحة في هبوط مستوى معيشة ما يقرب من 85 في المئة من الشعب السوري إلى ما دون خط الفقر، وفي انعدام الحد الأدنى من مستلزمات العيش للمواطن السوري، وما تم الإعلان عنه مؤخراً حول مخصصات العائلة السورية من أرغفة الخبز في اليوم، يشير بوضوح إلى فداحة الكارثة التي وصلت إليها سوريا.

أوردت صحيفة الإيكونوميست البريطانية في تقرير لها، إن المخدرات أصبحت المصدر الرئيسي لاقتصاد النظام الحاكم في سوريا

ليس انعدام الخبز وباقي مستلزمات الحياة، هو المؤشر الأخطر لما ينتظر سوريا، فهناك مؤشرات بالغة الخطورة، لا يتم الانتباه لها في ظل البحث عن رغيف الخبز، لكن نتائجها الكارثية لن تظهر إلا لاحقاً.

أوردت صحيفة الإيكونوميست البريطانية في تقرير لها، إن المخدرات أصبحت المصدر الرئيسي لاقتصاد النظام الحاكم في سوريا، وقدر التقرير أن قيمة المخدرات المصادرة في مناطق متعددة من العالم، والتي مصدرها سوريا وصلت إلى 3,4 مليارات دولار، وفي تقريرها تشير الصحيفة إلى أن سوريا أصبحت أكبر مروج لحبوب الكبتاغون في العالم، وهي تقوم بهذا الترويج داخلياً وخارجياً.

أي إن الترويج يتم داخل سوريا أيضاً، وتحدثت جهات إعلامية عدة، عما تقوم به ميليشيات وجهات تتبع لحزب الله وللفرقة الرابعة من بيع علني للمخدرات، كما أن هناك قادة عسكريين سوريين يروجون لهذه الحبوب في صفوف الجنود التابعين لهم.

لا يبدو أن مشكلة انتشار المخدرات داخل سوريا قابلة للحل، لأن الجهة التي يفترض بها حماية المجتمع من خطرها هي المصدر الأساسي لها، وهي التي تصنعها وتسوقها وتحمي العاملين فيها، بدءاً من الحلقات الصغرى للترويج، وصولاً إلى أماكن إنتاجها المحروسة من وحدات نظامية للجيش السوري.

في كل المجتمعات التي تتعرض لمخاطر كبيرة تظهر الحاجة الملحة للقانون، وللدولة، كي تتمكن هذه المجتمعات من مواجهة التحديات، ويمكن ببساطة أن نلمس ذلك بوضوح خلال مواجهة دول العالم الآن لفيروس "كورونا".

في حال غياب الدولة والقانون، فإنّ الأزمات تدار لصالح الفئات الأقوى في المجتمع، وتصبح الفئات الأضعف هي المتحمل الأساسي لتبعات هذه الأزمات، وهذا ما نلمسه بوضوح شديد في المجتمع السوري، فقد أفرزت السنوات العشر الأخيرة شريحة من السوريين أثرت من نهب سوريين آخرين، ومن إفقارهم، وتجويعهم وتشريدهم وسجنهم، وامتلأت سوريا بمافيات متخصصة، تتسابق كلها في نهب ما تبقى من إمكانات لدى الشعب السوري.

لا يتحدد  دور الدولة والقانون بانتخابات شكلية، ولا بخطوات موزونة فوق سجاد أحمر يصطف على جانبيه حرس شرف، ولا بمؤسسات منحازة، ولا أهمية لها خارج خدمة السلطان، بل يتحدد أساساً من العدالة والأمن اللذين يوفرهما للمجتمع، ولا يتحدد الأمن بالحماية من العنف الراهن فقط، بل يتحدد أيضاً بالقدرة على حمايته من مسببات العنف، والأهم من هذا هو معنى القانون وجدواه، فلا معنى لأي قانون لا يرتكز أساساً على الثقة بين الحاكمين والمحكومين، ولا معنى له أيضاً عندما تغيب عنه الشمولية، بمعنى أن جميع الأطراف ( المواطنين، وممثلي حكومتهم) متساوون ومسؤولون أمامه.

لم يعد في سوريا دولة، وما يصرٌّ البعض على اعتباره دولة ليس أكثر من مؤسسة جباية، تتبع للعصابة الحاكمة، وظيفتها إخضاع المجتمع ونهبه.

لقد سقط القانون في سوريا، وعندما يسقط القانون فإن الحقوق والحدود تسقط أيضاً، وبالتالي تتردى الأوجه الإنسانية للمجتمع، فتكثر جرائم القتل والسرقة، وتصبح الحياة أقرب ما تكون إلى شرع غابة تتهددها المجاعة والخطر، فتستباح حقوق الآخرين، وأملاكهم، وأعمارهم، وقد يضطر الفرد في حال كهذا على الخيار بين أن يكون كائناً مُدمَّرَاً أو مُدَمِّراً.

اليوم لم يعد يحكم سوريا إلا أصحاب المهن الخارجة عن القانون، يخوضون حربهم المسعورة ضد شعب أعزل وجائع

في الوقت الذي يُزج فيه السوريون في مواجهة ضارية ضد جوعهم، وغياب كل مستلزمات حياتهم، تُسارع العصابة التي تحكمهم لنهب ما تبقى من وطنهم، وإحكام سيطرتها عليهم وإرهابهم، وإفشاء المخدرات في صفوفهم، ويسارع مثقفوهم ومفكروهم إلى مديح العصابة التي تقتلهم، ومحاباتها، والتملق لها في محاولة خلاص فردي، ترسخت ثقافته خلال حكم عائلة الأسد، ودفعت سوريا ثمناً باهظاً جداً بسببه.

اليوم لم يعد يحكم سوريا إلا أصحاب المهن الخارجة عن القانون، يخوضون حربهم المسعورة ضد شعب أعزل وجائع، ينهبون كل ما يمكن نهبه قبل أن يسبقهم آخر إليه، ثم لا ينسون في غمار حربهم هذه من أن يحصلوا على جنسية دولة أخرى، يرحلون إليها مع عائلاتهم، وأموالهم المسروقة.

هل سيبقى السوريون مجرد ضحايا، يائسين وينتظرون عوناً من جهة لا يعرفونها، جهة تائهة بين الأرض والسماء؟