icon
التغطية الحية

تدمير سوريا.. بعد 5 سنوات من القتال في سوريا بوتين حقق غايته

2020.10.09 | 14:38 دمشق

gettyimages-putin-syria-intervention-925789126.jpg
فورين بوليسي- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

"بصرف النظر عما تعلمناه من أخطائنا، يواصل كل منا تكرار تلك الأخطاء بكل بساطة".. هذا ما ذكره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أيلول/سبتمبر من العام 2015، بعد يومين على إصداره لأمر يقضي بتوجه جيش بلاده إلى سوريا لدعم الديكتاتور بشار الأسد، الذي حكم هذه الدولة لفترة طويلة، والوقوف بجانبه في مساعيه اليائسة للتمسك بالسلطة. وها نحن قد تجاوزنا السنة الخامسة على قيام روسيا بإطلاق أول سلسلة غارات جوية في الحرب السورية حول مدينة حمص. ومع دخول التدخل الروسي في سوريا النصف الثاني من العقد، ماذا بوسعنا أن نقول عن النزاع حتى هذه اللحظة؟

لنبدأ بالأساس المنطقي الذي يعتمده الكرملين بالنسبة للحرب، إذ لتبرير التدخل الروسي، وجه بوتين أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة، التي سبق لها وأن تدخلت بحروب قامت في الشرق الأوسط، وعارضت روسيا معظمها، وهنا سأل بوتين: "كيف انتهت الأمور فعلاً؟ إذ بدلاً من القيام بإصلاحات، نتج عن التدخل الأجنبي العدواني دمار صارخ لمؤسسات البلاد. وبدلاً من أن تنتصر الديمقراطية وينتصر التقدم، ظهر العنف والفقر والكوارث الاجتماعية. إذ لم يهتم أحد ولو قليلاً بحقوق الإنسان، وعلى رأسها حقه بالحياة". ولمنع تكرار السيناريو ذاته في سوريا، مضى في هذا الخطاب، وأصبح من واجب روسيا أن تتدخل في النزاع.

وبعد مرور خمس سنوات على ذلك، أصبح انتقاد بوتين للنزعة الأميركية للتدخل بالشرق الأوسط يتسم بالغنى، وهنا يمكن للمرء أن يتساءل حول حرب روسيا في سوريا ويقول: "كيف انتهت الأمور فعلاً؟"، إذ هنالك كثير من "الدمار الصارخ"، لا سيما في الهجوم الوحشي الذي تعرضت له حلب، كما أن: "العنف والفقر والكوارث الاجتماعية" لم تبرح تعض الشعب السوري بنابها. أما بالنسبة لحقوق الإنسان، فما تزال حكومة الأسد التي تقوم بتعذيب المتظاهرين متمسكة بالسلطة بكل قوتها.

 

 

وفوق كل هذا وذاك؛ ما يزال "الاستقرار السياسي بالإضافة إلى الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط" بعيداً كل البعد -كما كان دوماً- عن الوعود التي أطلقها بوتين. ثم إن الحرب السورية لما تنتهِ بعد، إذ ما يزال القتال مستمراً حول إدلب في شمال غربي سوريا. وفي شهر آب/أغسطس من هذا العام، أصيب جنود أميركان في مواجهة مع قوات روسية في شمال شرقي سوريا. وفي الوقت ذاته، ما تزال عملية إعادة الإعمار مجرد حلم بعيد، إذ بالرغم من وعود روسيا المتواصلة بتقديم مساعدات اقتصادية، ما يزال الشعب السوري يعاني بشكل كبير. فروسيا لم تخصص سوى القليل من المال لإعادة إعمار البلاد، على أمل أن يدفع الغرب الفاتورة في نهاية المطاف وذلك لمنع تدفق مزيد من اللاجئين إلى أوروبا.

لقد شملت الحرب السورية المنطقة بأسرها أيضاً، إذ لم تضر بجارتيها لبنان وتركيا فحسب، بل أيضاً وصلت إلى ليبيا، فأصبح لدينا اليوم هلال من النزاعات عبر شرق المتوسط، حيث قامت روسيا بنشر مرتزقتها في ليبيا، كما أرسلت تركيا ميليشيات سوريّة إلى هناك رداً على ذلك. وهكذا بدلاً من نشر الاستقرار في المنطقة، أصبح للتدخل الروسي تأثير عكسي.

ومن وجهة نظر موسكو، لا أهمية لتلك الانتقادات، وذلك لأن هدف التدخل العسكري الروسي هو تأكيد وجود الكرملين في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، وقد نجح بوتين في ذلك بشكل واضح. وفي حال انتهت الحرب في سوريا في يوم من الأيام، فإن ذلك سيكون بموافقة روسيا، وذلك لأن الكرملين جعل من نفسه فاعلاً أساسياً في نزاعات أخرى قامت في هذه المنطقة أيضاً، ويشمل ذلك النزاع القائم على حقول الغاز في شرق المتوسط، والنزاع القائم في ليبيا.

وعلاوة على ذلك، مثلت سوريا الأنموذج الذي أثبت صحة تلك المزاعم مع أول عمليات عسكرية روسية تمت على نطاق واسع، وذلك منذ الحرب التي شنتها روسيا على جورجيا في عام 2008، بحسب ما ورد في كتاب جديد شاركت بتحريره وعنوانه: حرب روسيا في سوريا، صادر عن معهد أبحاث السياسة الخارجية. كما أن العمليات العسكرية جرت بسلاسة أكبر مما توقعته كل التحليلات الروسية منها والأجنبية، ما يعكس قدرة روسيا على التدخل خارج حدودها بأريحية نسبية. ولكن ما تزال هنالك حدود خطيرة لاستعراض القوة الروسية، غير أن روسيا ابتكرت تلك الأهداف العسكرية الخاصة بها بعد أخذ تلك القيود والضوابط بعين الاعتبار.

 

 

ومع بداية دخول روسيا للحرب في سوريا، تساءل بعض المراقبين الغربيين حول إمكانية تحول تلك البلاد إلى أفغانستان خاصة ببوتين، بيد أن الأمور لم تبد على تلك الشاكلة من منظور موسكو، وذلك لأن الجيش الروسي يرى في سوريا "حرباً جيدة" بحسب وصف المحلل العسكري مايكل كوفمان. إذ يتعين على الضباط الروس أن يخدموا في سوريا حتى تتم ترقيتهم، ولهذا يتعاملون مع العمليات التي تجري في سوريا وكأنها حالات تستحق الدراسة بهدف تحسين أدائهم مستقبلاً، ولذلك تتبوأ سوريا مكانة مميزة مقارنة بغيرها من الحروب التي شنتها روسيا خلال الفترة الأخيرة. ثم إن التحرش الروسي المستمر بمنطقة الدونباس بأوكرانيا ما يزال من الصعب مناقشته بصورة علنية، وقد تعرض أداء الجيش الروسي في جورجيا عام 2008 لانتقادات واسعة وذلك بسبب عدم كفاءته على مستوى العمليات، غير أن سوريا تعتبر أمثولة النجاح التي لا بد من الاحتذاء بها.

ولكن ما الشيء الذي نجحت فيه روسيا بالضبط؟ بالتأكيد ليس نشر السلام، وذلك لأن محادثات السلام التي تمت بوساطة روسية بين حكومة النظام والعديد من فصائل المعارضة لم تصل إلى نتيجة، بالرغم من الجهود التي بذلت على مدار سنين عديدة. كما لم تنجح روسيا بإنهاء القتال الذي ما يزال مستمراً بشكل واضح في شمال شرقي سوريا. وقد أعلن بوتين على الملأ وبكل صراحة بأن روسيا أخذت تنسحب من سوريا، وقد تم ذلك بادئ ذي بدء في عام 2016، وتكرر في عام 2017، إلا أن روسيا اليوم لم تعد تبدي أي مؤشرات تدل على رحيلها.

وهنا لا بد لنا من مقارنة ذلك بالموقف الأميركي من سوريا، حيث قامت الولايات المتحدة- شأنها في ذلك شأن روسيا- بالتدخل في سوريا عبر إرسال وحدة برية صغيرة، غير أنها تعتمد على القوات المحلية في تحمل وطأة القتال وشدته. ثم إن واشنطن ما تزال تناقش استراتيجية الخروج من سوريا منذ اليوم الأول لبدء الحرب السورية، لكنها تورطت بكل ذلك وظلت هناك عالقة ما بين رغبتها بالانسحاب من حرب ستستمر إلى الأبد، وخوفها من أن يتسبب انسحابها في زعزعة الاستقرار بشكل أكبر في تلك البلاد.

إلا أن الكرملين لا يعاني من تلك الازدواجية والتناقض تجاه الحرب في سوريا، فاستراتيجية الخروج لا يمكن أن تترجم في العقلية الاستراتيجية الروسية تجاه الشرق الأوسط، وذلك لأن فكرتهم كانت تدور حول عدم الفوز ثم الرحيل، أما هدفهم فهو البقاء، وذلك لتحويل روسيا إلى فاعل أساسي في هذه المنطقة، ثم الدفاع عن دورها الجديد. ولهذا لا يرى الكرملين في الذكرى الخامسة للتدخل الروسي في سوريا مناسبة للتفكير بحرب لن تصل إلى نهاية، بل فرصة لشرب نخب النجاح، على أمل أن تتواصل تلك النجاحات على أكمل وجه طيلة النصف الثاني من هذا العقد.

المصدر: فورين بوليسي