icon
التغطية الحية

تخفيف أميركا عقوباتها على نظام الأسد يزعج المعارضين السوريين

2023.03.06 | 17:49 دمشق

ي
سوريون في الأتارب يحتجون على عدم وصول المساعدات الدولية بعد الزلزال
New York Times - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما وقعت مصيبة الزلزال في سوريا خلال الشهر الماضي، لم يعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد، حالة الطوارئ في البلد، كما لم يعلن عن يوم للحداد على الضحايا، ومضت أيام قبل أن يزور المناطق المنكوبة. ولكن منذ اليوم الأول على الزلزال، أخذت حكومته المستبدة تطالب برفع واشنطن لعقوباتها.

فرفضت الولايات المتحدة في بداية الأمر، وأكدت بأن العقوبات لا تقف في وجه المساعدات الإنسانية، ثم حولت واشنطن وجهها بعد ذلك بشكل سريع، فخففت القيود المصرفية لمدة ستة أشهر حتى تسمح بتدفق الإغاثة بكل حرية إلى سوريا من أجل المتضررين من الزلزال، وسرعان ما لحقت بها أوروبا في ذلك.

وهكذا تحول زلزال 6 شباط إلى هدية سياسية للأسد، في الوقت الذي أرسل فيه قادة الدول العربية الذين نأوا عنه فيما مضى، بتعازيهم وطائراتهم المحملة بالمساعدات. بيد أن تخفيف العقوبات اليوم بات يثير مخاوف حول قيام الأسد ودائرته المقربة من حصد مكاسب سياسية مهمة بوسعهم استغلالها لحشد قاعدة تدعمهم.

وحول ذلك يعلق آندرو تيبلار، وهو عضو رفيع في معهد واشنطن ومستشار سابق لمكتب شؤون الشرق الأدنى التابع للخارجية الأميركية، فيقول: "إن النظام الذي استغل الزلزال لتحقيق مكاسب سياسية، سيستغله أيضاً من أجل إعادة الإعمار ولتدعيم موقفه وتقويته، وهذا ما سيسمح بإبرام الصفقات مع حكومة النظام، إذ طالما أنها بقيت ضمن حدود: (الإغاثة من الزلزال) فهي مقبولة إذا على ما يبدو".

تم استهداف حكومة النظام بعقوبات طويلة الأمد فرضت بسبب خروقات جسيمة لحقوق الإنسان خلال فترة الحرب التي امتدت لـ 12 عاماً، تم خلالها استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري.

وبمجرد أن تم تخفيف تلك العقوبات بعد وقوع الزلزال بثلاثة أيام، أعلن معارضون سوريون ومسؤولون أميركيون سابقون بأنه لم تعد هنالك أي حواجز للحماية أو آليات للرقابة تمنع حكومة النظام من استغلال القيود المصرفية التي تم تخفيفها من أجل تحويل الأموال إلى البلد ومنها إلى جيوب المسؤولين. كما حذروا من سرقة النظام للمساعدات الإنسانية مثل المواد الغذائية والخيام التي تم إرسالها لضحايا تلك الكارثة الطبيعية، ومن استغلال تلك المساعدات لتحقيق مآربهم الشخصية.

 

س
عاملون لدى الهلال الأحمر السوري وهم يصنفون صناديق المساعدات التي تبرعت بها دولة الإمارات

 

ومن جانبها أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن لديها أدوات بوسعها من خلالها أن تمنع أي انتهاك لعملية تخفيف العقوبات، دون أن تشرح ماهية تلك الأدوات، كما أن وزارة الخزانة لم ترد عندما طلب منها أكثر من مرة التعليق على الموضوع.

راقب معارضون سوريون من أمثال محمد غانم وهو مستشار سياسي ومدير شؤون الحكومة لدى منظمة مناصرة تعرف باسم المجلس السوري الأميركي في واشنطن، بعين الذعر والخوف كيف انصرف تركيز الدول خلال السنوات القليلة الماضية، وتركيز السياسة الأميركية بعيداً عن أي محاولة تسعى للإطاحة بالأسد، ونتيجة لذلك أصبحت عملية استبقاء العقوبات أمراً بغاية الأهمية برأيه.

كما أبدى معارضو النظام قلقاً أكبر إزاء ذلك، وأحد أسباب ذلك هو أن تخفيف العقوبات سيمتد لفترة أطول، والسبب الثاني هو أن ذلك سيمثل بداية لعودة كاملة للأسد إلى حضن المجتمع الدولي، دون معاقبته عملياً على ما ارتكب من انتهاكات طوال فترة الحرب.

ويرى معارضو الأسد بأن حكومته أصبح بوسعها الآن أن تستجر الأموال إلى البلد تحت ستار الإغاثة من الزلزال، لكنها ستستغل تلك الأموال بدلاً من الإغاثة في عملية إعادة إعمار الأبنية التي تضررت خلال الحرب، بسبب الدمار الذي سببه النظام وأهم داعم عسكري له: أي روسيا.

في حين يرى خبراء في الشأن السوري ومسؤولون أميركيون سابقون بأن تخفيف العقوبات لم يكن شيئاً ضرورياً، وذلك لأن العقوبات الغربية تشتمل بالأصل على استثناءات وإعفاءات فيما يتصل بتمرير المساعدات الإنسانية.

غير أن الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية ذكر بأن الدول الأوروبية والعربية والمنظمات الإغاثية قد أعربت عن قلقها إزاء احتمال منع العقوبات لهم من تقديم المساعدات المخصصة لمنكوبي الزلزال في سوريا، كما رفضت غالبية المصارف معالجة الصفقات المالية مع سوريا خوفاً من أن يتعارض ذلك مع العقوبات، حتى لو كانت تلك الصفقات خاضعة لاستثناءات وإعفاءات.

في الوقت الذي تهدف فيه العقوبات لمعاقبة النظام ومسؤولي الحكومة والجيش في سوريا، انتهت بها الأمور لتضر بقطاعات كاملة بينها الاقتصاد ناهيك عن إضرارها بغالبية المواطنين السوريين العاديين، وهكذا أصبح نحو 90% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر بحسب ما أوردته الأمم المتحدة.

 

س
أم برفقة ابنتها بعد تلقي العلاج في مشفى باب الهوى الذي تسيطر عليه المعارضة في إدلب

 

تسبب الزلزال بقتل ما لا يقل عن 6 آلاف إنسان في شمال غربي سوريا، وأكثر من 45 ألف نسمة في تركيا، وتضرر بسببه نحو 11 مليون نسمة في سوريا، بينهم أربعة ملايين كانوا بالأصل يعتمدون على المساعدات الإنسانية للحصول على أساسيات الحياة مثل الغذاء والمياه النظيفة وفقاً لما أعلنته الأمم المتحدة.

ومنذ وقوع تلك الكارثة، أخذت الأموال والطائرات والشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية تتدفق على المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا.

يذكر أن سوريا تقسمت إلى عدة مناطق للسيطرة في خضم الحرب، فصار النظام يمنع المساعدات من الوصول إلى مناطق المعارضة في الأحوال الاعتيادية.

بيد أن الزلزال ضرب مناطق النظام والمعارضة سوية، ووقعت أغلب حالات الوفاة في مناطق المعارضة، وهكذا، وطوال الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال، لم يتم تسليم أي مساعدات دولية إلى المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا.

ثم إن نظام الأسد يقوم بسرقة المساعدات الإنسانية والاستفادة منها لتحقيق مآربه والتي تشمل تخصيص جزء منها للجيش بحسب ما ذكرته ناتاشا هول عضو في برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والتي قامت بتعقب مسار تحويل المساعدات وصرفها في سوريا على مدار سنوات.

في عام 2019، نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريراً يتهم النظام بالخروج بسياسة وعمل إطاري قانوني يبيح له سرقة المساعدات لتمويل فظائعه وجرائمه ولمعاقبة من يعتبرهم معارضين له مع مكافأة مؤيديه بها.

 

 

نت
سوريون في الأتارب يحتجون على عدم وصول المساعدات الدولية بعد الزلزال

 

وبالتدريج قام النظام بتوجيه المساعدات لتمر عبر منظمتين مقربتين من الدائرة المقربة من الأسد، وهما الهلال الأحمر العربي السوري و"الأمانة السورية للتنمية" بحسب ما ذكرته الباحثة هول وجويل رايبورن المبعوث الأميركي الخاص لسوريا أيام إدارة ترامب.

كما ذكر سوريان شاركا بتوزيع المساعدات في مناطق النظام لصحيفة نيويورك تايمز بأنهما شاهدا خلال الأسابيع التي أعقبت الزلزال النظام وهو يسرق المساعدات، وطلبا عدم الكشف عن هويتهما بسبب انتقادهما للنظام خوفاً على أمانهما.

تحدث هذان الشخصان كثيراً عن المساعدات المسروقة التي كانت تذهب إما لمكاتب الحكومة أو للأمانة السورية للتنمية المرتبطة بأسماء زوجة بشار الأسد، حيث تقوم هذه المنظمة بدورها بتخزين جزء كبير من تلك المستلزمات المسروقة، مع توزيع جزء بسيط منها على ضحايا الزلزال بحسب ما أورده هذان الرجلان.

وهكذا صار السوريون الذين خسروا بيوتهم وأصبحوا بحاجة للمساعدات الأساسية يشتكون من تلك الممارسات على العلن، في ظاهرة غريبة ونادرة في مناطق النظام، حيث ذكر البعض بأنهم رأوا في الأخبار طائرات قدمت من مختلف بلدان المنطقة وهي تصل حاملة معها مساعدات إنسانية، إلا أنه لم يتم توزيع أي شيء على الأرض.

فلقد أرسلت ميليشيا الحشد الشعبي العراقية التي تدعمها إيران، حليفة الأسد، العديد من قوافل المساعدات إلى مناطق النظام وحاولت أن تصر على توزيع المساعدات بنفسها لمنع أي تدخل من قبل السلطات السورية بحسب ما ذكره السوريان اللذان أمضيا وقتهما برفقة إحدى القوافل.

وفي مدينة حلب حيث يسيطر النظام، احتجزت الأمانة السورية للتنمية 100 علبة من حليب الأطفال بحجة فحصها.

 

 

س
أشخاص يعيشون في قرية قريبة من مدينة عفرين وهم يحصلون على فرش ومراتب ومساعدات إنسانية خلال الشهر الماضي  

 

أما في محافظة اللاذقية، معقل نظام الأسد، فقد أجبرت الميليشيا العراقية على تسليم كامل مساعداتها للأمانة السورية للتنمية والتي قامت بدورها بتوزيع الخبز والعصير ووجبات الحساء فقط بحسب ما ذكره السوريان.

في حين أرسلت السلطات الكردية في شمال شرقي سوريا، وهي منطقة لم يصبها الزلزال، 100 شاحنة وقود إلى الأحياء الكردية في حلب، بيد أن تلك القافلة منعت من العبور عندما وصلت إلى إحدى نقاط التفتيش التابعة للجيش السوري على مشارف المدينة، وذلك بحسب ما ذكرته إلهام أحمد وهي سياسية كردية ورئيسة المجلس الديمقراطي السوري الذي يمثل السلطة المدنية في تلك المنطقة التي تتمتع باستقلال شبه ذاتي.

كما ذكرت أحمد بأن القافلة بقيت تنتظر لمدة عشرة أيام قبل أن يسمح لها بالمرور شريطة أن يحصل النظام على 60 شاحنة من المئة شاحنة مع السماح بتسليم البقية إلى الجهات المقصودة، وقد علقت أحمد على الشاحنات الستين بقولها: "لا ندري ما فعله النظام بها، كما أننا لا نعلم إن ذهبت للمتضررين أم لا".

المصدر: New York Times