icon
التغطية الحية

تحوّل السورية للتجارة من البيع إلى الاستثمار العقاري.. ما مصير صالاتها وموظفيها؟

2025.08.11 | 06:42 دمشق

423
من صالات البيع إلى دفاتر الشروط.. تحول جذري في مسار المؤسسة السورية للتجارة (تلفزيون سوريا)
دمشق ـ حسين الأبطح
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تشهد المؤسسة السورية للتجارة تحولًا استراتيجيًا نحو استثمار الأصول والعقارات لتعزيز مواردها الذاتية، مع الحفاظ على الأملاك العامة، مما يثير نقاشًا حول مستقبل دورها الخدمي وتأثيره على السوق.
- عقب تحرير بعض المناطق، أغلقت المؤسسة صالاتها مؤقتًا ونقلت المواد إلى مستودعات مركزية، وعلقت النشاط التجاري في 2025 لتهيئة الأصول للاستثمار العقاري، مع إمكانية العودة للنشاط التجاري مستقبلاً.
- تواجه المؤسسة تحديات الفساد الإداري، وتسعى لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتطوير بنيتها التنظيمية والرقمية، مع الحفاظ على حقوق الموظفين واسمها التجاري.

تشهد المؤسسة السورية للتجارة تحولًا جذريًا في طبيعة عملها، منتقلة من دورها التقليدي كمزوّد للمواد الغذائية والسلع الأساسية بأسعار مدعومة، إلى التركيز على استثمار الأصول والعقارات التي تملكها. 

ويأتي هذا التغيير في سياق تحولات اقتصادية وإدارية أوسع تشهدها سوريا، بهدف إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام وتعزيز مواردها الذاتية. وفي حين تؤكد إدارة المؤسسة أن هذه الخطوة تأتي استجابةً للظروف الراهنة وحرصًا على حماية الأملاك العامة، تثير هذه التحولات نقاشًا واسعًا حول مستقبل الدور الخدمي للمؤسسة، وأثرها على السوق والمستهلكين، ومصير موظفيها وصالاتها المنتشرة في مختلف المناطق.

في هذا الإطار، التقى موقع تلفزيون سوريا معاون المدير العام للمؤسسة السورية للتجارة معاذ هنداوي لبحث ملامح المرحلة الجديدة التي تمر بها، والتعرف على خطتها الحالية واتجاهاتها المستقبلية. وتناول الحوار ما طرأ على نشاط المؤسسة بعد مرحلة التحرير، بما في ذلك أبرز محاور التغيير، ووضع الصالات والموظفين.

وقال هنداوي إن المؤسسة السورية للتجارة تعد من كبرى مؤسسات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي، وقد أُحدثت بدمج عدة مؤسسات سابقة (الاستهلاكية، الخزن والتسويق، سندس، مؤسسة اللحوم والخضار)، وكان الهدف الأساسي عند تأسيسها توحيد الجهود وتحقيق تدخل إيجابي فعّال في السوق المحلي، عبر توفير المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية للمواطنين بأسعار مدروسة، وضبط حركة السوق وتوفير بدائل منافسة للقطاع الخاص.

وأضاف: "مع التطورات الاقتصادية الراهنة، بدأنا التوجه نحو استثمار الأصول والعقارات التي تملكها المؤسسة بما يعزز مواردها الذاتية ويخدم الأهداف الاقتصادية الوطنية."

وأوضح هنداوي أن المؤسسة السورية للتجارة تتبع إداريًا وماليًا للإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، التابعة بدورها لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية. وتشرف الوزارة على السياسات العامة للمؤسسة، في حين تُدار مواردها التشغيلية وأرباحها ذاتيًا ضمن إطار الموازنة المستقلة، ويتم توريد الفوائض إلى خزينة الدولة وفق القوانين المالية الناظمة.

423
السورية للتجارة (تلفزيون سوريا)

ماذا جرى عقب تحرير سوريا؟

وعن المرحلة التي تلت تحرير بعض المناطق، قال هنداوي: "عقب التحرير، ونظرًا لحصول تعديات على عدد من مؤسسات الدولة، وحرصًا على حماية الممتلكات العامة والمواد الموجودة ضمن الصالات، تم اتخاذ قرار بإغلاق صالات السورية للتجارة مؤقتًا بموجب توجيهات رسمية وكان الهدف الأساسي حماية الأصول إلى حين إعادة تقييم وضع العقارات ودراسة آليات استثمارها ضمن أطر قانونية واقتصادية واضحة".

وتابع: "كانت الصالات تحتوي على مواد غذائية، لحوم مبردة، أدوات كهربائية، وأثاث منزلي. وبسبب تعليق النشاط التجاري بعد التحرير وتكرار التعديات، تم نقل هذه المواد إلى مستودعات مركزية حفاظًا عليها. واقتربت بعض المواد من التلف نتيجة طول مدة التخزين أو نقص التجهيز الفني، وتمّت معالجة المواد تلك أصولًا من خلال تصريفها بأسعار مخفّضة للمواد القابلة للاستهلاك أو اتخاذ إجراءات الإتلاف النظامية بالتنسيق مع الجهات الرقابية المختصة للمواد المتضررة من النقل".

بداية لمرحلة جديدة

وأشار هنداوي إلى أن بعض الصالات ظلت تعمل بشكل جزئي بعد التحرير لتصريف المخزون. لكن اعتبارا من بداية شهر كانون الثاني 2025، تم إصدار توجيه رسمي بتعليق النشاط التجاري بشكل كامل، للحفاظ على الموجودات وتهيئة الأصول لمرحلة جديدة تعتمد على الاستثمار العقاري، تماشيًا مع الواقع الاقتصادي الجديد وفتح السوق للمنافسة.

وأكد هنداوي تحول المؤسسة السورية للتجارة إلى جهة مالكة لأصول عقارية يتم استثمارها وفق أنظمة وأسس قانونية، لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد غير المستثمرة، وتعزيز دور المؤسسة كرافد اقتصادي هام يسهم في دعم خزينة الدولة، مع إمكانية العودة للنشاط التجاري مستقبلاً حسب حاجة السوق والظروف الاقتصادية.

235
صالة السورية للتجارة في مجمع الأمويين (تلفزيون سوريا)

التريث الاستثماري خلال نيسان وأسباب التأجيل

وعن تأخر طرح الصالات للاستثمار في الفترة الماضية، قال هنداوي لموقع تلفزيون سوريا : "تم التريث بقرار رسمي بغية التوافق مع توجه الدولة بإحداث هيئة عليا للاستثمار، لضمان التنسيق بين المؤسسات العامة وعدم تضارب آليات الاستثمار، ودمج الجهود ضمن مرجعية واحدة. وبعد استكمال المراجعات القانونية، أُعيد فتح باب الاستثمار وفق دفاتر شروط موحدة، تحقق الشفافية وتؤسس لعلاقة قانونية متوازنة بين المؤسسة والمستثمرين".

وعن العلامة التجارية وإمكانية الحفاظ على الاسم التجاري للمؤسسة، أفاد هنداوي بأن الاسم التجاري للمؤسسة له وزن في السوق السورية، وتغييره في هذه المرحلة قد يؤدي إلى إرباك أو ضعف في استقطاب المستثمرين، مضيفا أن التحول إلى الاستثمار لا يعني التخلي الكامل عن الهوية التجارية للمؤسسة، بل هو توسع مؤقت يخدم المصلحة العامة، مع بقاء الخيار مفتوحًا للعودة إلى العمل التجاري متى دعت الحاجة.

وتابع هنداوي أن المؤسسة تؤدي حاليا دورًا محوريًا في استثمار العقارات العامة التابعة لها، ضمن آليات تنافسية وقانونية مدروسة، وتسعى لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص عبر نماذج مرنة مثل الإيجار، التشاركية، وحق الانتفاع. كما تعمل على تطوير بنيتها التنظيمية والرقمية، وإعادة هيكلة برامجها بما ينسجم مع السياسات الاقتصادية الوطنية.

ما مصير الموظفين بعد إغلاق الصالات

مع توقف الصالات عن نشاط البيع، برز تساؤل حول مستقبل موظفي المبيعات. وأكد هنداوي أنه لم يتم الاستغناء عن أي من العاملين، بل جرى إعادة توزيعهم على وظائف إدارية واستثمارية وإشرافية ضمن هيكل المؤسسة، أو ضمن الإدارات المركزية والمستودعات.

وأوضح أن حقوقهم المالية والإدارية محفوظة وفق قانون العاملين الأساسي، مع العمل على إعادة تأهيلهم ليتوافقوا مع متطلبات مرحلة التحول المؤسسي الجديدة.

فساد إداري 

خلال السنوات الماضية، برزت عدة قضايا فساد مرتبطة بصالات وفروع المؤسسة السورية للتجارة، طُرحت في وسائل الإعلام وأثارت جدلًا واسعًا حول آليات العمل والرقابة داخلها.

ومن أبرز هذه القضايا ما كشفته مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا في تموز/يوليو 2024، عن اعتقال مدير فرع المؤسسة في اللاذقية ورئيس لجنة الشراء ورئيس المرآب، بعد اتهامهم بالتورط في فساد مالي تجاوزت قيمته 3 مليارات ليرة سورية. 

ووفق المصادر، جرى التلاعب عبر إصدار فواتير وهمية لإصلاح وصيانة آليات بالتعاون مع متعهد من القطاع الخاص، شملت إدراج إصلاحات لآليات لم تُصلح فعليًا أو لا تحتاج إلى إصلاح، مع تضخيم الأسعار بالاستناد إلى سعر الصرف في السوق السوداء. كما أشارت المصادر إلى أن بعض هذه الفواتير يعود تاريخها إلى سنوات سابقة، وأن عمليات الفساد كانت تحظى بتغطية من موظف رفيع في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق.

وكانت السورية للتجارة تعمل في السابق ببيع مواد غذائية أساسية (سكر، رز، زيت، شاي) والخضار والفواكه ولحوم بأنواعها ومنظفات، وكذلك أجهزة كهربائية وأثاث منزلي في صالات موزعة على المحافظات السورية.

تنتشر صالات المؤسسة في دمشق وريفها بعدد يزيد عن 300 صالة تقريباً، موزعة في مراكز المدن، الأسواق، وضواحي المناطق ذات الكثافة السكانية. وتشمل مناطق مثل المزة، البرامكة، الزاهرة، باب توما، دمر، جرمانا، صحنايا، دوما، وغيرها. وقد تم تصنيف هذه الصالات بحسب المساحات والوضع الفني تمهيدًا لطرحها للاستثمار وفق جدول زمني وخطط واضحة.