تحضير ساحة الحرب: صواريخ روسية لتركيا وطائرات أميركية للسعودية

2019.07.18 | 23:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بدأت أنقرة بتسلم منظومة صواريخ "إس 400"الروسية مؤخرا في تطور لافت يتناقض مع مسارات تهدئة تسعى جل القوى الكبرى المتصارعة في المنطقة إلى الدفع في اتجاهها تمهيدا للتفاوض، كما شرعت أميركا بتجهيز قاعدة الأمير سلطان الجوية شرق العاصمة السعودية الرياض لاستقبال بطاريات صواريخ باتريوت وتأمين مهابط لطائرات "إف 22".بادر كثيرون إلى النظر لهذا الموضوع وقراءته من خلال إصرار تركيا على اختراق منظومة التسلح الأميركي، ولكن توقيت وصول المنظومة الصاروخية في لحظة ترتفع فيها نسبة التصعيد في المنطقة بالتوازي مع محاولات الدفع في اتجاه التفاوض والحوار، يقول إن هذه المنظومة الصاروخية ليست إلا حصة تركيا من تجهيزات ساحة الحرب القادمة وحصتها منها.

استنتجت روسيا، التي طالما كان المجال التركي تاريخيا هو النقطة التي تنصب فيها أميركا صواريخها الاستراتيجية الموجهة إليها، أن انتزاع موقع فاعل في خريطة التحولات الكبرى التي يجري العمل على تركيبها حاليا لا تمر عبر الركون التام للمطالب الأميركية إنما بانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب، عبر اعتماد المنطق الإيراني نفسه أي التفاوض بالتصعيد.

تعمل إدارة ترامب على تركيب ردود فعل على الوجود الروسي والإيراني في المنطقة بمحاولة إنشاء حلف دولي لحماية التجارة الدولية في مضيق هرمز

ولما كان اختبار إيران لمفاعيل التصعيد في المنطقة وبشكل خاص ضد السعودية قد أثبت حتى هذه اللحظة نجاعته، وشرع بإحداث ارتباك في منظومة الإدارة الأميركية لناحية تأثيره على قدرتها على اتخاذ مبادرة فعالة أو حاسمة، فإن روسيا ترى في المرحلة التي تسبق انتخابات الرئاسة الأميركية فرصة مثالية لتركيب خريطة نفوذها وموقعها.

تعمل إدارة ترمب على تركيب ردود فعل على الوجود الروسي والإيراني في المنطقة بمحاولة إنشاء حلف دولي لحماية التجارة الدولية في مضيق هرمز لرفع أعباء مواجهة مباشرة مع إيران، والاستمرار في عقد الصفقات المالية مع السعودية ودول الخليج.

يفتقد هذا الحلف للعناصر الموضوعية والمباشرة لنشوئه تحت رعاية الإدارة الأميركية الحالية، أو أنه يحتاج لفترة طويلة للتبلور، كما أن قدرة إيران على استهداف حركة الناقلات التي تمر في المضيق يمكنه في أي لحظة خلق حالة تصعيد ضخمة تستوجب ردودا مباشرة وحاسمة، وهو ما يتجنبه ترامب كما أن الأوروبيين لا يريدون التورط فيه.

تعمل أميركا  وروسيا على تجهيز ساحة المعركة بشكل يكون فيه الكباش بينهما في منطقة الخليج، وتشير كثير من المعطيات إلى أن الصيغة الذهبية لتبلور هذا الموضوع تكون من خلال حرب سعودية إيرانية، تؤمن لكل من الطرفين شبكة مصالح عريضة أوسع من تلك التي يمكن أن تقدمها تحالفات وتفاهمات وصفقات محددة ومحدودة.

مهمة الصواريخ الروسية المسلمة إلى أنقرة ثنائية فهي تؤمن وظيفة دفاعية تؤكد فيها روسيا لتركيا أنها ستكون بمأمن في كل تصعيد، كما توجه رسالة إلى أوروبا تشجعها فيها على الاستمرار في محاولات التمايز عن الموقف الأميركي بشأن إيران، كما تعلن أن التفاوض اللاحق معها في أي شأن إنما سينطلق من كونها تمثل امتدادا استراتيجيا يتصل بأمن المنطقة والعالم.

لا تستطيع روسيا حاليا التخلي عن إيران من دون تحقيق مكاسب كبرى في المقابل، فعلى الرغم من تحول إيران إلى شريك مضارب في كل ما يتعلق بالنفوذ والحضور في تركيا، ولكنها ما زالت تمثل قيمة استراتيجة بالنسبة لروسيا، إذ إنها تؤمن الخزان البشري الميداني الدائم والمتجدد الذي يقوم بتنفيذ المهمات على الأرض.

من هنا فإن سيناريو الحرب السعودية الإيرانية، الذي ترتفع احتمالات حدوثه، يؤمن انقلابا في الأدوار لصالح روسيا حيث إن اعتماد إيران الرئيسي عليها  في التسلح من شأنه أن يجعلها تابعة لها وليست شريكة، كما أن أميركا يمكنها كذلك أن تخرج المسألة من السياق الأميركي المرتبط بالسياسة الخارجية لواشنطن، وهو المجال الذي تؤكد استطلاعات الرأي أنه يحظى بنسبة عالية من عدم الرضا في وسط الناخبين الأميركيين.

لعل إيران هي الأكثر استعدادا لمثل هذا السيناريو من بين كل دول المنطقة فهي قد بنت قاعدة عسكرية متمذهبة وممولة، باتت بمثابة أخطبوط عالمي

لعل إيران هي الأكثر استعدادا لمثل هذا السيناريو من بين كل دول المنطقة فهي قد بنت قاعدة عسكرية متمذهبة وممولة، باتت بمثابة أخطبوط عالمي يهد أذرعته إلى شتى بقاع الأرض، في حين أن دول المنطقة ما زالت عاجزة عن إنتاج تماسك إيديولوجي أو تمكين مواقع القوة في كل المجالات عسكريا أو سياسيا.

ما زالت السعودية حائرة في تحديد موقعها كدولة قائدة تحمل بنية الأمة أو كنظام حكم سعودي وحسب، فلقد كان الكلام الذي صدر عن الملك سلمان خلال لقائه وفد رؤساء الحكومة السابقين إلى السعودية لافتا لناحية تأكيده على دعم السنة في لبنان. لم تتضح ملامح هذا الدعم وكيفية تحويله إلى واقع مالي أو سياسي في ظل تحول مؤسسة رئاسة الحكومة اللبنانية وهي المنصب السني الأعلى في البلاد إلى نوع من حكومة ظل إيرانية الملامح والهوى والقرار.

كذلك تبرز في تركيا التناقضات الحادة بين العلمنة والأسلمة ما يعني أن تركيا لا يمكنها اتخاذ مبادرة في مثل هذا الصراع، بل ستكتفي بالحياد وانتظار ما ستسفر عنه الأمور. دولتان فقط في المنطقة تملكان البنية الإيديولوجية والعسكرية التي تمكنهما من المشاركة  الفاعلة في هذ الحرب وهما إسرائيل وإيران. كل الخرائط التي ترسم حاليا في المنطقة تصب لصالح تمكين ملامحهما الأقلوية والعنصرية.