
ليلة الأمس، تداول السوريون صورة تظهر العاصمة دمشق مضاءة بشكل لم تشهده منذ سنوات، ما أشاع الأمل في أن تشهد البلاد تحسنا ربما يكون سريعا في واقع الكهرباء.
وأكد سوريون التقاهم موقع تلفزيون سوريا أن الكهرباء شهدت خلال الساعات الماضية تحسنا واضحا بعد سنوات من التقنين القاسي في عهد النظام الساقط الذي لم يكن يسمح بأكثر من ساعتين إلى ثلاث ساعات من الكهرباء يوميا. في حين ارتفعت عدد ساعات التغذية الكهربائية حاليا إلى 6 ساعات يوميا، مع وعود رسمية بزيادتها إلى 8 ساعات في الأيام القادمة.
وكان وزير الكهرباء السوري عمر شقروق وعد في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 14 كانون الثاني 2025 بتوفير الكهرباء لفترة تتراوح بين ست وثماني ساعات يومياً خلال فترة تصل إلى شهرين.
وتعمل الإدارة الجديدة بشكل مكثف لإصلاح قطاع الكهرباء المنهار، حيث تسعى الحكومة إلى إعادة تشغيل العنفات المتوقفة، وتأمين مصادر وقود مستدامة على اعتبار أن الكهرباء هي واحدة من الخدمات الأساسية التي ينتظر السوريون توفرها بعد سنوات من التقنين بعهد نظام الأسد. فما هي أبرز العوامل التي أسهمت في تحسن الكهرباء في سوريا؟ وكيف يمكن الوصول إلى تغذية 24 ساعة يوميا؟
كيف تحسن واقع الكهرباء؟
أمس الأربعاء، أعلن وزير الكهرباء السوري، عمر شقروق، بمؤتمر صحفي أن الوزارة نجحت في صيانة وإعادة تشغيل عدد من محطات التوليد والعنفات المتوقفة منذ سنوات، وهو ما أدى إلى تحسن ملحوظ في التغذية الكهربائية منذ بداية شهر رمضان.
وأوضح شقروق أن هذه الخطوة جاءت بعد تأمين كميات إضافية من مادة الفيول، مما مكن الحكومة من زيادة ساعات الكهرباء إلى 6 ساعات يوميا، مع توقعات بزيادتها إلى 8 ساعات قريبا.
وأشار الوزير إلى أن الحكومة تعمل على تأمين الكهرباء للمدن الصناعية على مدار 24 ساعة، مما سيسهم في تعزيز الإنتاج الصناعي وتقليل الاعتماد على المولدات الخاصة.
ورغم هذا التحسن، أكد الوزير أن تأمين الكهرباء على مدار الساعة لا يزال غير ممكن حاليا، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب توفير 23 مليون متر مكعب من الغاز يوميا و5 آلاف طن من الفيول، وهي كميات تفوق القدرة الحالية للبلاد.
دور الغاز القطري والسفن العائمة
إضافة إلى جهود الصيانة المتسارعة ودخول شحنات الوقود للمحطات، برز الدعم القطري بالغاز كأحد العوامل التي أسهمت في تحسن الكهرباء خلال الفترة الأخيرة. فقد بدأت شحنات من الغاز الطبيعي القطري بالدخول إلى سوريا عبر الأردن، في خطوة تهدف إلى تأمين إمدادات مستقرة من الوقود لمحطات التوليد المتضررة.
وبحسب البيانات الرسمية، يتم ضخ 2 مليون متر مكعب من الغاز يوميا إلى محطة دير علي، وهي واحدة من أكبر محطات التوليد في سوريا، ما يسمح بتشغيل العنفات المتوقفة وزيادة إنتاج الكهرباء بنحو 400 ميغاواط.
إلى جانب الغاز القطري، تخطط الحكومة السورية أيضا للاعتماد على دعم آخر من خلال استقدام سفينتين عائمتين لتوليد الكهرباء، إحداهما تركية والأخرى قطرية.
وفقا لتصريحات وزير الكهرباء السوري، فإن كل سفينة تولد 400 ميغاواط، مما يعني أن السفينتين معا ستضيفان 800 ميغاواط إلى إجمالي الطاقة المنتجة في سوريا.
كيف يمكن الوصول إلى تغذية 24 ساعة يوميا؟
للوصول إلى تغذية كهربائية مستمرة على مدار 24 ساعة يوميا، تحتاج سوريا إلى 6500 ميغاواط من الإنتاج المستمر، وهو رقم ما زالت البلاد بعيدة عنه بسبب نقص الوقود وتضرر البنية التحتية.
كم يمكن أن توفر السفن العائمة؟
حتى الآن، لم يتم تشغيل السفن العائمة بعد، ولكن بمجرد ربطها بالشبكة، ستضيف السفينة التركية والقطرية 800 ميغاواط، ما يعادل 12.3% من إجمالي الحاجة (6500 ميغاواط). وبالنظر إلى أن كل 1000 ميغاواط توفر حوالي 4 ساعات من الكهرباء يوميا، فإن هذه السفن ستسهم بإضافة حوالي 3 ساعات يوميا بمجرد تشغيلها بالكامل.
كم يضيف الغاز القطري؟
حاليا، يزوّد الغاز القطري سوريا بـ 2 مليون متر مكعب يوميا، مما يتيح توليد 400 ميغاواط، أي ما يعادل 6.15% من الاحتياج الكلي.
وباحتساب ساعات التغطية وفق النسبة والتناسب، فإن هذا الإمداد يضيف حوالي 1.5 ساعة من الكهرباء يوميا.
إجمالي ساعات التغذية المتاحة حاليا
- قدرة الحكومة الحالية: تؤمّن 4 ساعات يوميا من الكهرباء من الموارد المحلية (وفقا لمتوسط ساعات تغذية الكهرباء في عدد من المناطق السورية).
- إضافة متوقعة من الغاز القطري: 1.5 ساعة يوميا.
- إضافة متوقعة من السفن العائمة (بعد تشغيلها): 3 ساعات يوميا.
بذلك، إذا تم تشغيل السفن العائمة بالكامل واستمر تدفق الغاز القطري، فإن إجمالي ساعات الكهرباء المتاحة يوميا سيصل إلى 8.5 ساعات تقريبا.
ما المطلوب للوصول إلى 24 ساعة من الكهرباء؟
رغم هذا التحسن، لا تزال هناك فجوة تبلغ 15.5 ساعة يوميا تحتاج إلى تغطية، مما يتطلب:
- زيادة إمدادات الوقود: سوريا بحاجة إلى 23 مليون متر مكعب من الغاز و5 آلاف طن من الفيول يوميا لتشغيل المحطات بكامل طاقتها. (قطر تضخ 2 مليون متر مكعب حاليا)
- استيراد الكهرباء من الأردن: يمكن أن يضيف 250 ميغاواط إلى الشبكة، لكنه لا يشكل حلاً جذريا، (في 8 كانون الثاني أعلن وزير الكهرباء الأردني استعداد بلاده لتزويد سوريا بنحو 250 ميجاواط من الكهرباء فور جاهزية شبكة الربط الكهربائي داخل الأراضي السورية)
- التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة: كالطاقة الشمسية والريحية لتوفير حلول مستدامة (طرحت الوزارة مناقصات لمحطات طاقة متجددة).
- إعادة تأهيل البنية التحتية: تأمين استثمارات في مجال الطاقة تتولى هي تغطية احتياجات الشبكة الكهربائية التي بغلت نحو 40 مليار دولار لإعادتها إلى وضعها قبل 2010، مع 3 مليارات دولار عاجلة للصيانة (تصريح وزير الكهرباء).
في ظل التطورات الأخيرة، يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من التحسن في قطاع الكهرباء، خاصة بعد دخول الغاز القطري إلى الخدمة واقتراب العمل على تشغيل السفن التركية والقطرية.
ومع ذلك، فإن الاستدامة على المدى الطويل ستعتمد على قدرة الحكومة على تأمين إمدادات وقود ثابتة، وإعادة تأهيل المحطات المتضررة، واستقطاب استثمارات في مجال الطاقة المتجددة.
ورغم أن توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة لا يزال بعيد المنال، فإن زيادة التغذية إلى 8 ساعات يوميا خلال الفترة القادمة يمكن أن يعتبر تقدما كبيرا مقارنة بالسنوات الماضية.