شهدت الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين 19 آب / أغسطس، تحركات عسكرية تركية عاجلة، تهدف إلى وقف تمدد قوات نظام الأسد المدعومة روسياً في محافظة إدلب، وذلك بعد إحراز الأخيرة تقدماً ملحوظاً شمال حماة وجنوب إدلب خلال الأسبوعين الماضيين جعلها على أبواب مدينة خان شيخون التي تقع على طريق دمشق – حلب الدولي.
التعزيزات التركية هدفها إنشاء نقاط مراقبة جديدة
كشف مصدر عسكري في "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة للجيش السوري الحر عن هدف تركيا من وراء الدفع بالتعزيزات العسكرية إلى محافظة إدلب، مشيراً إلى أن الجيش التركي يعتزم إقامة نقطتي مراقبة جديدتين جنوب محافظة إدلب.
وأكد المصدر في تصريح لموقع "تلفزيون سوريا" أن النقاط الجديدة سيتم تثبيتها في تلة "النمر" و "مزارع بطيش" شمال غرب مدينة خان شيخون التي أوشكت قوات نظام الأسد المدعومة روسياً على حصارها.
وكانت قوات نظام الأسد قد سيطرت يوم أمس على نقاط جديدة بالقرب من "خان شيخون" أبرزها "مداجن الفقير" التي تبعد قرابة 1 كيلومتر فقط عن المدينة، بالتزامن مع محاولاتها المتكررة للتقدم من بلدة "سكيك" شرق "خان شيخون" وبالتالي إطباق الحصار على مدن وبلدات عديدة تقع شمال حماة وجنوب إدلب وهي: "خان شيخون" و "مورك" و "اللطامنة" و "كفرزيتا"، مما يعني محاصرة نقطة المراقبة التابعة للجيش التركي المتمركزة في "مورك".
وفي حال استكملت تركيا عملية إنشاء نقطتي المراقبة الجديدتين فإنهما ستكونان بمثابة مراكز متقدمة لحماية نقطة المراقبة في "مورك"، وستنمنعان حصارها، حيث تعمل روسيا ونظام الأسد على عزل الموقع العسكري التركي وتطويقه لإجبار أنقرة على الانسحاب من المنطقة.
وتضمنت التعزيزات التركية الجديدة التي زجت بها مؤخراً إلى محافظة إدلب أكثر من 30 آلية، بينها 6 دبابات وعربات مدرعة، بالإضافة إلى مدافع ميدانية.
ودعم الجيش التركي قاعدته في منطقة "الصرمان" شرق محافظة إدلب بعدد إضافي من الجنود والمدرعات والأسلحة والذخائر المتنوعة، حيث تعتبر القاعدة تجمعاً أساسياً للقوات التركية في المنطقة.
مؤشرات على انزعاج روسي
ترافقت التعزيزات العسكرية التركية إلى محافظة إدلب مع مؤشرات عديدة تدل على أنها جاءت كخطوة منفردة من طرف أنقرة وسط انزعاج روسي من تلك التحركات، حيث عمل نظام الأسد على عرقلة تقدمها عن طريق قصف طريق دمشق – حلب الدولي الذي سلكه الرتل التركي، وتحديداً بالقرب من بلدة "حيش" في ريف معرة النعمان مما أدى لتوقفه بشكل مؤقت.
ونشر التلفزيون الرسمي الروسي "روسيا اليوم" مشاهداً لاستهداف الطيران الحربي للرتل التركي قرب معرة النعمان، الأمر الذي يدل على رغبة موسكو في توجيه رسالة إعلامية تدل على موافقتها الضمنية على قصف نظام الأسد لمكان عبور القوات التركية.
وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة لنظام الأسد التحركات التركية الأخيرة في محافظة إدلب، واعتبرتها "تدخلاً سافراً، وانتهاكاً فاضحاً لسيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية" على حسب وصفها.
وترغب روسيا من خلال عملياتها العسكرية المستمرة إلى فرض واقع جديد على تركيا في محافظة إدلب، من خلال قضم أكبر مساحة من الأراضي وخاصة القريبة من الطريق الدولي دمشق – حلب، وذلك قبل حلول شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، الموعد المرتقب لانعقاد قمة ثلاثية بين الدول المعنية بمنطقة إدلب وما حولها والحديث هنا عن تركيا – إيران – روسيا، الأمر الذي سيمكن روسيا من دخول القمة الثلاثية بأوراق تفاوضية قوية، تتيح لها الخروج باتفاق جديد حول إدلب يحقق لها مكاسب أعلى من تفاهم "سوتشي" الثنائي بين أنقرة وموسكو الذي جرى التوصل إليه في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الفائت.
تقدم المفاوضات التركية – الأمريكية يقوي موقف أنقرة في إدلب
في نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي عندما أطلقت روسيا العمليات العسكرية في شمال حماة وجنوب شرق إدلب، تأخرت تركيا شهراً كاملاً قبل أن تعلن موقفها مما يحصل في المنطقة التي ربطها الرئيس التركي سابقاً بالأمن القومي لبلاده، حيث أكد وزير الدفاع "خلوصي آكار" ضرورة "لجم هجوم نظام الأسد على إدلب"، وإرغامه على الانسحاب من المناطق التي دخلها مؤخراً جنوب المحافظة.
وجاءت تصريحات وزير الدفاع التركي التي أطلقها خلال زيارته إلى قاعدة عسكرية على الحدود السورية – التركية مطلة على محافظة إدلب، بعد ساعات فقط من زيارة المبعوث الأمريكي "جميس جيفري" إلى أنقرة وإعلانه عبر وسائل الإعلام التوصل إلى تفاهمات أولية حول المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا.
وتلت تصريحات "آكار" تمرير إمدادات عسكرية إلى فصائل الجيش السوري الحر التي تقاتل في محافظة إدلب، وأبرزها صواريخ مضادة للدروع، ساهمت كثيراً في فرملة الهجوم الروسي.
المبادرة التركية في إدلب اليوم، والتي تدل كل المؤشرات على أنها حصلت دون توافق مع روسيا، تأتي بعد أيام قليلة من تأسيس تركيا والولايات المتحدة الأمريكية المركز المشترك الخاص ببحث إجراءات "المنطقة الآمنة" شمال شرق سوريا (شرق الفرات)، حيث جرى إنشاء المركز الأسبوع الماضي في ولاية "شانلي أورفة" التركية المحاذية لمحافظة الرقة السورية.
وأكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا "جيمس جيفري" في السادس عشر من شهر آب / أغسطس الجاري، أن "وحدات الحماية ستبتعد عن المنطقة الحدودية مع تركيا عند إقامة المنطقة الآمنة".
ورغم عدم توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق حاسم ونهائي حول مستقبل "شرق الفرات"، إلا أنه جميع المعطيات تدل على وجود رغبة حقيقية بين الطرفين لإنجاز تفاهم مختلف عما حصل في "منبج"، الأمر الذي يعني بالضرورة راحة تركية أكبر في الملف السوري، على اعتبار أنها لن تبقى مضطرة للقتال على جبهتين من أجل تحقيق مصالحها في شرق الفرات وإدلب.
ومن المفترض أن تكشف الساعات المقبلة عن نوايا الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري بشكل أوضح، حيث أن المواقع التي سيتم إقامة نقاط المراقبة التركية الجديدة فيها، وطريقة التعاطي الروسي مع التطور الجديد، ستسهمان إلى حد كبير في تحديد مستقبل العمليات العسكرية المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.