icon
التغطية الحية

تجميد ترمب للمساعدات يجبر مستوصفات على الإغلاق في سوريا

2025.02.14 | 19:12 دمشق

مستوصف
 تلفزيون سوريا ـ وكالات
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- يعاني المستوصف في سرمدا شمال سوريا من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية بعد تعليق المساعدات الأميركية، مما أدى إلى إغلاق مستوصفات وتسريح موظفين، مهدداً الأوضاع الصحية للنازحين.
- تعليق المساعدات الأميركية أثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري المتعثر والخدمات الصحية للنازحين، مما زاد من صعوبة الأوضاع المعيشية في المخيمات.
- تواجه المنظمات الإغاثية حالة من الضياع بسبب عدم وضوح مستقبل التمويل، مما يهدد بإغلاق مشافٍ وتقليص الخدمات، ويثير قلقاً بشأن سمعة الولايات المتحدة الإنسانية.

في مدينة سرمدا الواقعة بالشمال السوري، فتح الدكتور محمد فارس أبواب مستوصف كان في الماضي يغص بالمرضى، لكنه بات خاوياً اليوم، واستحالت رفوف الأدوية فيه إلى بضعة صناديق تضم ضمادات وعقاقير منتهية الصلاحية.
هذا ما حدث بعد أن قطعت إدارة ترمب المساعدات الأميركية الخارجية عن سوريا خلال الشهر الماضي، إذ أصدرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أوامرها بوقف العمل ضمن فترة مراجعة تمتد لتسعين يوماً وذلك لما اعتبرته الإدارة الأميركية نفقات من دون أي طائل.
بقي فارس يعمل في ثلاثة مستوصفات تديرها منظمة أطباء العالم، حيث كان يقدم الرعاية الصحية المجانية للنازحين في الشمال السوري الذي بقي حتى سقوط بشار الأسد في كانون الأول الماضي الجيب الأساسي للثوار والذي يؤوي ملايين النازحين الذين تركوا بيوتهم وأراضيهم على مدار سني الحرب.
كما تضخمت مخيماتهم التعيسة مرة أخرى في عام 2023 عقب زلزال مدمر بلغت شدته 7.8 درجات ضرب تركيا والشمال السوري، ومنذ سقوط الأسد، بدأ بعض النازحين بالعودة إلى بيوتهم، ولكن كثيرين منهم لم يعد لديهم بيوت بوسعهم العودة إليها.
كان مستوصف فارس في سرمدا يقدم الدعم لستة عشر مخيماً في تلك المنطقة، ويساعد نحو خمسة وثلاثين ألف نسمة، ولكن منذ تجميد المساعدات، ترتب على عشرة مستوصفات أخرى على هذه الشاكلة أن تغلق أبوابها كونها تحصل على تمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبات على منظمة أطباء العالم تسريح مئة وأربعة وثمانين موظفاً بحسب ما أعلنه مسؤولون عن تلك المنظمة. 
وبما أن الدكتور فارس يرأس البرامج الطبية لدى تلك المنظمة، لذا يحدثنا عن الوضع بقوله: "في حال عدم استئناف تقديم الدعم، ستحدث كارثة كبرى وضرر جسيم يلحق بالفئات المستضعفة من الناس، وذلك لأن الكلفة التشغيلية للمستوصفات أقل بكثير من تلك المخصصة للمشافي، كما أن انقطاع العمل فيها سيزيد من الضغط على أقسام الطوارئ في المشافي وغيرها من مرافق الرعاية الصحية".

"صدمة مدمرة"
لا توجد رعاية صحية تقدمها الحكومة المركزية في ذلك الجزء من سوريا، وهذا ما جعل الناس يعتمدون على الجهات غير الربحية التي تقدم الرعاية الصحية، ولهذا خلف انقطاع التمويل الأميركي بشكل مفاجئ ضرراً كبيراً على ذلك القطاع بحسب ما ذكره عاملون في مجال الإغاثة وخبراء في هذا المجال.
وتعليقاً على ذلك يقول إيان ميتشيل وهو عضو رفيع المستوى متخصص بالسياسات لدى مركز التنمية العالمية في واشنطن: "لقد أظهر تحليلنا بأن سحب كامل الدعم الذي تقدمه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية المخصصة لسوريا يعتبر بمثابة صدمة مدمرة تعادل خمسة بالمئة طالت الاقتصاد السوري المتعثر أصلاً، ويعد ذلك من بين أكبر الأضرار التي تلحق بأي جهة متلقية".
ويخبرنا ميتشيل بأن الولايات المتحدة كانت تتبرع بما يعادل خمسة وعشرين سنتاً للمساعدات الخارجية من كل مئة دولار من الدخل الأميركي، بيد أن تلك التبرعات التي تعتبر ضئيلة نسبياً خلفت ضرراً يفوق حجمها بكثير، وهذا ما دفعه إلى القول: "من دون الدعم الأميركي الذي يقدم في أماكن مثل غزة وسوريا، سيتحول العالم إلى مكان أشد خطورة".
في أحد المخيمات حيث كان المستوصف التابع لمنظمة أطباء العالم يقدم خدماته، بالقرب من قرية كوكبة، أخذ أطفال يلعبون بين الخيام المكتظة بالناس.
يخبرنا مدير المخيم عبد الكريم خالد بأن تعليق المساعدات فاقم الظروف الصعبة أصلاً في ذلك المخيم، وقال: "لم يعد بوسع المرضى، وخاصة من هم بحاجة لأدوية كل شهر، تحمل نفقات شراء تلك الأدوية من الصيدلية" ما جعل المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري أمام قرارات صعبة عليهم اتخاذها شاؤوا أم أبوا.
ومن إحدى الخيام، يخبرنا بسام حسين، وهو أب لأربع بنات، بأنه اضطر لإخراج ابنته البالغة من العمر اثني عشر عاماً من المدرسة وذلك حتى تعمل في أحد حقول اللوز بهدف مساعدة الأسرة على دفع نفقات الأدوية التي يتناولها الأب بما أنه يعاني من مرض في الغدة الدرقية، ويضيف: "أحتاج لعلبة من الدواء قيمتها 12 دولاراً كل عشرين يوماً، وفي حال لم أتمكن من تأمين ثمن الدواء، أعاني مضاعفات تأتي على شكل وهن وكآبة وغير ذلك"، وذكر بأنه لم يعد بوسعه أن يعمل بسبب جروح وأمراض تعرض لها في السابق.
حالة ضياع
تعيش منظمات أخرى في حالة ضياع، بما أن بعضها استمر بتقديم الخدمات من دون أن يدري القائمون عليها من أين سيحصلون المال من أجل تشغيلها.
يخبرنا الدكتور مفضل حمادة وهو رئيس الجمعية الطبية السورية الأميركية التي تدير مستشفيات وعيادات متنقلة في مختلف أنحاء الشمال السوري، بأن بعض الخدمات ما تزال مستمرة مثل جناح التوليد والحضانات، من دون أن يتبين لهم إلى متى سيستمرون في تقديم تلك الخدمات، لذا قال من دون أن يدلي بتفاصيل كثيرة مشيراً إلى الحكومة الأميركية: "لسنا متأكدين إن كنا سنحصل على إعفاء أو تعويض للنفقات التي صرفناها، بيد أن ذلك حملنا قبل كل ما حدث عبئاً ثقيلاً".
يذكر أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أصدر إعفاء خاصاً بالمساعدات الغذائية العاجلة وبرامج إنقاذ الأرواح، غير أن حمادة وغيره ذكروا بأن التمويل لم يستمر للمستوى الذي يمكنهم من مواصلة تقديم تلك الخدمات بشكل كامل، ويعلق حمادة على ذلك بقوله: "سنضطر لإغلاق بعض تلك المشافي وتقليص خدماتنا، إذ لم يعد بمقدورنا تقديم خدمات مجانية بعد الآن".
هذا وتعتبر بعض البرامج غير منقذة لأرواح الناس مثل برنامج دعم الصحة العقلية المخصص للاجئين السوريين في تركيا ومركز التوحد المخصص للأطفال، ويعلق حمادة على ذلك بقوله: "لدينا منحة تدعم الناجين من التعذيب والاعتداءات الجنسية، ولكن هل هذه الخدمات تنقذ أرواح الناس أم لا؟ طبعاً لا، لذا من المرجح أن تغلق أبوابها".
حري بالذكر بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والحكومة الأميركية لم تردا عندما طلب منهما الإجابة عن أسئلة تتعلق بهذا الموضوع، وفي مناطق أخرى، ذكر عاملون ومسؤولون في المجال الإغاثي تابعون للوكالة الأميركية للتنمية الدولية بأن التمويل قد انقطع على الرغم من إصدار إعفاءات، أو رحيل موظفي الوكالة المسؤولين عن تسيير أمور تلك الإعفاءات.
تعتمد الجمعية الطبية السورية الأميركية على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في تحصيل 25 إلى 30% من تمويلها، وتعتبر هذه النسبة كبيرة، غير أن منظمات أخرى تعمل في سوريا يصلها تمويل أكبر بكثير، إذ كان مكتب منظمة أطباء العالم في إسطنبول والذي يشرف على العمليات في الشمال السوري يتلقى 60% من تمويله من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وبعد الاستقرار في مكتب جديد وصغير، أخذ مدير الفرع التركي هاكان بيلغين يتذكر ذلك اليوم الذي بلغهم فيه نبأ وقف الخدمات، فيقول: "وصلنا أمر بوقف العمل فجأة، ولم يكن أي منا يتوقع ذلك، إذ بوصفهم منظمة طبية تقدم خدمات تعمل على إنقاذ الحياة، بدا الأمر وكأنهم طلبوا منا الآتي: أغلقوا كل المستوصفات، وأوقفوا جميع أطبائكم، ولا تقدموا خدمات للنساء ولا للأطفال ولا للعجائز".

يخبرنا بيلغين بأن منظمته خفضت استشاراتها اليومية في عموم الشمال السوري من خمسة آلاف لتصل إلى خمسمئة فحسب، كما تقدمت المنظمة للحصول على إعفاء من الولايات المتحدة، فلم يصلها أي رد.
هذا ولقد استهدف ترمب وإيلون ماسك الذي يدير ما يعرف بوزارة الكفاءة الحكومية التي تعمل على خفض التكاليف، عدداً من الوكالات الحكومية، كان أشدها تضرراً الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بعد أن اتهمها كل من ترامب وماسك بأن عملها لا يتماشى مع أجندة ترمب.
من جانبه، أعلن حمادة وهو رئيس الجمعية الطبية السورية الأميركية بأن خفض المساعدات يعبر عن رؤية قاصرة، وقد يضر بمكانة واشنطن وسمعتها في الخارج، وقال: "إن تلك الأموال تساعد الناس وتنقذ الأرواح، ولهذا لا يمكنك أن تغلق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تساعد ملايين الناس في العالم بعد أن أسهمت في تحسين سمعة أميركا".
يذكر أن شمال غربي سوريا تعرض لدمار شديد طوال سنوات من الحرب والإهمال، وهذا ما دفع حمادة إلى القول: "إن قطع الإمداد لابد أن يزيد من المعاناة".

المصدر: AP