تجميد اللجنة الدستورية

2019.02.15 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في بيان قمة سوتشي أول أمس قال المجتمعون إن الرؤساء فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني شددوا "على ضرورة تكثيف الجهود لإطلاق عمل اللجنة الدستورية في سوريا في أقرب وقت". ومن الواضح في هذا التعبير أن اللائحة النهائية لم تنجز بعد، وما زال الخلاف قائما حول أسماء الثلث الثالث (المجتمع المدني والخبراء)، وبالتالي ليس من المتوقع أن يكون تشكيل اللجنة قريباً.

لنتذكر أن الضغط الأمريكي عبر المبعوث الأمريكي المتحمس (جيمس جيفري) على الروس في شهر كانون الأول/ديسمبر بلغ حد التهديد بإنهاء مسار أستانا إذا لم يتم تشكيل اللجنة الدستورية المفترضة قبل نهاية الشهر، وسمعنا تصريحات وخطوات متسارعة من قبل الروس (خصوصاً لافروف وبوتين)  وشركائهم في أستانا عن وصول تشكيل اللجنة إلى مراحله الأخيرة، وأنها ستشكل قبل نهاية العام. وما إن فجر ترامب مفاجأته بإعلان الانسحاب "الفوري" من سوريا حتى أطفئت جميع محركات العمل على اللجنة الدستورية، وتم تأجيلها إلى موعد غير معروف، كانت هذه نتيجة متوقعة ريثما يتضح ملامح إعلان ترامب ودراسة تداعياته (انظر مقال : بعد قرار ترامب هل نُودِّع اللجنة الدستورية؟ )

يبدو أنه من الضروري في البداية التذكير بأن اللجنة الدستورية فرضها الروس وأريد بها الإطاحة بمسار الأمم المتحدة السياسي

يبدو أنه من الضروري في البداية التذكير بأن اللجنة الدستورية فرضها الروس وأريد بها الإطاحة بمسار الأمم المتحدة السياسي والقرارات التي بني (بيان جنيف1 والقرار 2254) ونقل الحل السياسي إلى مسار أستانة وفقاً لتصور جديد للحل يخدم كلياً إعادة تأهيل نظام الأسد. ولأن روسيا ليست الفاعل الوحيد فقد تعرقل تشكيل اللجنة على النحو الذي يريده الروس وحلفائهم وما تبقى من نظام الأسد، إذ لم ينعقد مؤتمر سوتشي – كما هو معلوم – إلا بعد مجموعة شروط أهمها أن يكون تشكيل اللجنة تحت إشراف الأمم المتحدة. لكن قبول الأمم المتحدة باللجنة كان فعلياً إطاحة بمبدأ هيئة الحكم الانتقالي وقبول الحل الروسي معدلاً، وإنهاء عملي لجميع القرارات الأممية.

كان الضغط الأمريكي قبيل إعلان الانسحاب من شرق الفرات يقوم على عمل اللجنة وفقاً للقرارات الدولية وبإشراف مطلق للأمم المتحدة، لكن  تحقيق ذلك مستحيل مع الإطاحة بمبدأ هيئة الحكم الانتقالي؟!  كان البديل الأمريكي يقوم على أساس أن يؤدي الدستور والانتخابات التي تليه إلى ما سموه "تغييرا حقيقيا وجذريا" كما كرره جيفري بأكثر من صيغة، ولكن كيف يمكن لدستور أن يحدث تغييراً ديمقراطياً وانتقالاً سياسياً حقيقياً بدون "بيئة آمنة ومحايدة"؟ من يستطيع توفير تلك البيئة؟ وكيف؟ لقد كان الأمر على الأرجح بدون جواب عند الأمريكيين، فليس هنالك استراتيجية أمريكية تجاه سوريا.

لقد سبق واختصر السفير الأمريكي السابق لسوريا روبرت فورد مؤدى اختصار الحل السياسي باللجنة الدستورية بالقول : "وصياغة الدستور الجديد لن تفيد في شيء. إن المشكلة السورية الحقيقية تكمن في الدولة الأمنية البوليسية التي لا تقبل المساءلة، وتغتال أو تعتقل كل من يطالب بالتغيير الحقيقي بصرف النظر تماماً عن وجود الدستور من عدمه. إن الدولة الأمنية السورية ستخرق وتنتهك مواد الدستور الذي يمكن أن يكون رائعاً على الورق. المشكلة السورية ليست مشكلة دستورية. بل إنها مشكلة تتعلق بحكم وسيادة القانون. وروسيا، التي هي أيضاً دولة بوليسية أمنية، تدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك. فهي تفضل الحلول الأمنية المتلفعة بثياب الحلول السياسية. لذا؛ فإن الخطة الروسية المعنية بالحوار الموسع وإجراء الانتخابات الجديدة ليست إلا قصة مثيرة لكل من السخافة والسخرية" (آذار/مارس 2018).

إن المشكلة السورية الحقيقية تكمن في الدولة الأمنية البوليسية التي لا تقبل المساءلة، وتغتال أو تعتقل كل من يطالب بالتغيير الحقيقي

الآن وفي ظل وضع يشعر جميع أطراف أستانة أنه يمكن لكل منهم أن يحقق مكسبا لم تتضح معالمه بعد، ولم يتضح الدور الأمريكي بعد الانسحاب وشكله، ومن سيملأ الفراغ وكيف، فإنه ليس من مصلحة أحد أن يدفع بالحل السياسي ريثما تتضح حظوظه والوقائع التي تكتسب شيئا من الصلابة يمكن البناء عليها، فبالنسبة للروس ثمة أمل وعمل أن تؤدي مساعيهم إلى تغيير في الوقائع بحيث تدفع جميع الأطراف  للاستسلام لها، في حين أن الأتراك يأملون أن تحسن الوقائع الجديدة موقعهم وتزيد من فرص تأثيرهم على الحل السياسي بما يحقق مصالحهم المبنية بالدرجة الأولى على "الأمن القومي". فيما الإيرانيون يأملون أن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى مزيد من ترسيخ وجودهم في سوريا وبالتالي تمكنهم من فرض شروط على الحل السياسي تسمح بشرعنة هذا الوجود وتمده بأسباب البقاء إلى أمد طويل.

وعلى ذلك ولأن الانسحاب لم يحدث بعد، والبدائل لم تتبلور بعد، فإنه بالتأكيد لن تشكل اللجنة الدستورية قريباً. ما تعنيه خلاصة قمة سوتشي بين شركاء أستانا بخصوص اللجنة هو ترحيل لها ريثما تتضح الصورة وتستقر مواقع الأطراف الدولية والإقليمية على الأراضي السورية، وإذا حصل ذلك فعلى الأرجح لن يكون هنالك حاجة إلى لجنة دستورية بالأساس وإنما إلى صفقة سياسية، وربما وقتها تستعيض الأطراف الفاعلة والمؤثرة في سوريا بـ"مؤتمر وطني" ثانٍ على غرار سوتشي يحقق مصالح تلك الأطراف وينهي أي أمل بالتغيير. وقتها سيخرج علنا من يقول بكل صفاقة "انسوا اللجنة الدستورية، فقد أكل الدهر عليها وشرب!"