icon
التغطية الحية

تجديد الأغنية التراثية السورية.. تركيب مصعد كهربائي لقلعة أثرية

2021.03.25 | 17:27 دمشق

2-8.jpg
تعبيرية ـ إنترنت
+A
حجم الخط
-A

تحمل سوريا بتنوع حضاراتها وقومياتها إرثا موسيقيا يكاد يكون حملا ثقيلا على كاهل البعض، الذين بدؤوا تجارب لا تمت للأصالة بصلة. إذ يبدو أن التنوع المناخي الجغرافي من ساحل وجبل وسهل وبادية وحوضات أنهار، إضافة للتنوع الإثني والقومي، لم يشفع لتراثيها المدني والريفي حتى يسلم من العبث الموسيقي بحجة التجديد من "منظور آخر".

غالبا ما أسأل نفسي وأتوقع أن كثيرا ممن لديهم الاطلاع عزفا أو سمعا أو فضولا يسألون أنفسهم؛ لماذا يتم ترميم المعالم الأثرية بكل تأنٍ وحرص لتبقى شاهدة على تاريخها من دون المس بمضمونها؟

لماذا لا يتم تركيب مصعد كهربائي بدلا من الأدراج الموجودة على أبواب القلاع والأديرة؟

لماذا لا يتم طلاء المعالم الأثرية بالدهانات الجديدة ويتم إزالة الرصف الأرضي واستبداله بأجود أنواع البلاط الحديث؟

بعد طرح التساؤلات التي سبق ذكرها لا يسعني إلا أن أستطرد بالأسئلة التالية: بعد الحرب في سوريا التي أتت على المستوى الفني والثقافي والموسيقي بالمرتزقة الجدد، بحجة التجريب من خلال تجديد وطرح الرؤية الجديدة للتراث المدني والريفي، لماذا يطرح هؤلاء توزيعا جديدا لألحان قديمة لا تتحمل أجناسها الموسيقية عبء التعدد الصوتي "الهارموني"؟

لماذا يتم طمس هوية الجنس الموسيقي بإزالة "الربع صوت" الذي يميز الموسيقا المشرقية عن غيرها نسبياً من موسيقا الشرق ويميزها كليا عن الموسيقا الأوروبية المعدلة؟

لماذا يتم الزج بآلات موسيقية غربية ذات طابع صوتي لا يناسب الأغاني التراثية بإغفال مقصود للآلات الموسيقية التراثية؟، فعلى سبيل المثال لا الحصر ومنذ فترة ليست بالبعيدة تم بعون بعض شركات الإنتاج والممولين دعم لمشروع شباب ليسوا على الإدراك الموسيقي الكافي لما يطرحون، لإعادة تسجيل أغنية من تراث دير الزور وتغنى في العراق أيضا وقد أداها بشكل جيد سابقا المغني دياب مشهور، وهي من مقام "السيكاه" وهو مقام أصيل مستعمل في موسيقانا التراثية المدنية والريفية.

أتت هذه الفرقة بكل بساطة و من دون حسيب أو رقيب على هذا المقام الوادع وانتزعت العلامة التي تميزه واستبدلتها بمقام آخر يكاد يحول الأغنية إلى ندبية أو لطمية في أفضل الحالات، ثم أتوا على أغنية "اللالا" المحفوظة عن أحد مشوهي التراث وغيروا بنية المقام أيضا وبالأسلوب نفسه اللطمي الندبي.

لماذا يتم طمس هوية الجنس الموسيقي بإزالة "الربع صوت" الذي يميز الموسيقا المشرقية عن غيرها نسبياً من موسيقا الشرق ويميزها كليا عن الموسيقا الأوروبية المعدلة؟

ولا عتب طبعا على الهواة فهناك أيضا من التجارب التي ظهرت ببداية هذه الألفية السعيدة ومن المحترفين وواجهات البلد الموسيقية، وقد تم آنذاك تشويه أغنية "نزلن على البستان" للمغني الأردني عبدو موسى،إذ تم اللعب في المقام والإيقاع حتى أصبحت شيئا آخر تماما، وطبعا المهازل التراثية البوهيمية تطول، وبالطبع يجب علينا عدم إنكار جودة وحرفية الأداء الموسيقي، فبكل بساطة الموضوع لا دخل له بجودة العزف أو الإمكانيات والمحاكمة الموسيقية، المقصود هنا النهي عن اللعب بالحضارة والتراث، ومن كانت لديه رغبة في التجربة فليلحن أو يؤلف شيئا جديدا، ليغني مكتبتنا الموسيقية ويغذي أرواحنا بتأليف معاصر وليد اللحظة فنيا وإبداعيا.

لماذا إذا يتم التبني لهذه المشاريع من جهات رسمية وثقافية في الداخل السوري، من حيث دفع الأموال الطائلة لتسجيل الأغاني وتسويقها في الإذاعات والمسارح التي يفترض أن تستقبل نوعية أفضل من الأعمال الموسيقية فكرة وأداء، ناهيك عن زجهم في المهرجانات ومساعدتهم في السفر لتقديم عروض في دول أخرى؟

لقد تم تدمير الأغنية التراثية السورية منذ أكثر من 25 عاما حين دعمت وزارة الثقافة التابعة للنظام مغنين من الدرجة العاشرة بإغفال مقصود للكفاءة الفنية ومؤدي التراث الأصيلين، والسبب المحسوبيات العجيبة في الزمن الخرافي السالف، فظهور حالات مثل آل الديك ومن لف لفيفهم مهد لعصر من الكوارث الفنية لا نزال نعاني من مفرزاتها حتى اليوم، بسبب اجتماع المحسوبية والمال والضخ الإعلامي. 

وبالمناسبة عندما يتم العمل على التراث كما يجب من حيث الأمانة في النقل الصحيح لحنا وكلاما، ومن حيث الأداء الغنائي مع مراعاة اللهجات الصحيحة والأداء الموسيقي ومراعاة أساليب العزف واحترام خصوصية الآلات المستعملة في التراث وعندما تتم الأرشفة بشكل أكاديمي واضح قد نصبح مؤهلين لطرح رؤية جديدة لا تتنافى مع خصوصية التراث ولا تؤذيه بنيويا ولا جماليا.

في حين إذا بقي التشويه بحجة التجديد سيد الموقف وبقي الدعم المؤسساتي لهذه المشاريع الجوفاء مستمرا فعلى الحضارة والتراث السلام.

فلو أن أحد الرسامين مثلا قام بتعديل على لوحة أثرية موجودة في متحف أو تم اللعب بخصوصية أحد النقوش الرومانية أو الإسلامية الموجودة على أحد الجدران القديمة لبدأ الإعلام ومنصات السوشال ميديا بفضيحة ومحاكمة وتكفير للفنان، في حالتنا يتم البث على وسائل التواصل الاجتماعي ويتم حصد الإعجابات من قبل المتلقي العادي وهذا ليس خطأه طبعا بل تقع المسؤولية على الجهات التي تدعم مستسهلي الفن مستغلة غياب المحاسبة الفنية وغياب الحالة المهنية والأكاديمية بسبب الظروف العاصفة في سوريا.